09/01/2012 - 11:17

سنة 2011: أية سنة كبيسة؟../ بسام الهلسه

لم تنتهِ بعد سنة 2011، التي ابتدأت مبكرة عن أوانها في السابع عشر من كانون الأول- ديسمبر-2010، عندما أضرم التونسي الغاضب المقهور: "محمد بوعزيزي" النار في جسده الشاب

سنة 2011: أية سنة كبيسة؟../ بسام الهلسه
لم تنتهِ بعد سنة 2011، التي ابتدأت مبكرة عن أوانها في السابع عشر من كانون الأول- ديسمبر-2010، عندما أضرم التونسي الغاضب المقهور: "محمد بوعزيزي" النار في جسده الشاب.
 
هذه سورة من سورات التاريخ الاستثنائية، حينما يرى نفسه بحاجة لتمديد- أو اختصار- وقته الدوري المعروف المحدد في المواقيت والروزنامات.
 
ربما نجد مثيلا لها في سنة 1848 التي شهدت عددا من انتفاضات الشعوب في العديد من الدول الأوروبية.
 
نقول إن سنة 2011 لم تنتهِ، لأننا ما زلنا في البداية، في المشاهد أو الصفحات الاولى، التي يخصصها المؤلفون عادة لما يعرف بـ"التعريف والتقديم" للشخصيات، و"التمهيد" للأحداث في المسرحيات و الروايات الكلاسيكية.
 
لسنا في عرض مسرحي بالطبع، ولا نحن أمام رواية نستطيع معها تجنب الترقب والانتظار بقراءة خاتمتها مباشرة والتعرف على مآلات أحداثها ومصاير شخصياتها.
 
وقد يكون هذا الجهل بالمصاير- في الحياة الحقيقية- سبباً لمحنة معذبة وقلق بشري وجودي، لكن التاريخ كان سيبدو نافلاً لو أن الناس عرفوا مسبقاً نهاياته.
 
فعندها، لن ينفعل أحد بصدق ويمضي في أي عمل بعزم، ما دام يعرف سلفاً النتائج. وستكون الحياة أداء مجرداً من المعنى.
 
                              *     *     *      
 
أهم ما حدث في هذه السنة الاستثنائية المتواصلة، هو خروج جماهير الشعوب العربية من سلبيتها ولامبالاتها، وإحساسها وثقتها القويين بذاتها وإرادتها، وبقدرتها على الفعل والتغيير.
 
وهذه واقعة كبرى ذات قيمة حالية ومستقبلية مهمة من حيث أنها تشكل الأساس الذي يبنى عليه أي عمل جاد في الشؤون العامة، تظل السياسة، بدونه، ممارسة نخبوية أو تآمرية لفئة معزولة.
 
لكن ما يضعف من قيمة هذا الخروج والحراك الجماهيري الكبير، هو غلبة العفوية والارتجال عليه، وآنيته التي دفعته لتركيز طاقاته وقواه ضد "ما لا يريد"، فيما افتقد للوضوح في رؤية ومعرفة "ما يريد"، وللإطارات المنظمة الحاملة لهذه الرؤية والمعبرة عنها ميدانياً. وهو ما جعل من نضاله ساحة مكشوفة مستباحة لاستهداف قوى عديدة- محلية وإقليمية وأجنبية- ذات أجندات وحسابات خاصة بها، دخلت على الخط بمختلف الذرائع والمبررات لانتهاز الفرصة السانحة واستغلال الحراك وتوظيفه لمصالحها ومطامعها بكل السبل والأشكال الظاهرة منها أوالخفية. وهذا وضع يدعو إلى التفكير في جميع المعطيات، ومعاينة وتقييم العوامل المؤثرة والقوى المحركة وتوجهاتها بدقة- في مجمل الوطن العربي، وفي كل دولة على حدة- لبناء تقدير موقف صحيح في كل حالة وعلى المستويين: الإستراتيجي والتكتيكي، والانطلاق دائما من رؤية المصالح العليا لمجموع الأمة العربية وللشعب العربي في البلد المحدد.
 
                              *     *     *
 
إذا كنا نرجح أن مسيرة التغييرالتي انطلقت وفتحت أفقا تاريخياً جديداً للعرب ستواصل طريقها بهذا الشكل أو ذاك، فإننا لا نملك التقدير الواثق الجازم بشأن النتائج التي ستؤول إليها. ليس فقط لأن شعار التغيير وحده ليس كافياً لوضع أقدام العرب على الطريق، بل لأن الطريق نفسها مزروعة بالألغام والكمائن. وإذا كانت الجيوش المقاتلة تستخدم وسائل ووحدات متخصصة في الاستطلاع ونزع الألغام وكشف الكمائن، فإن الشعوب، التي تغفل هذه الواجبات البديهية الأولية، ستجد نفسها واقعة بسهولة في المصائد المعدة.
 
ومع سعي العرب المدوي والمحق إلى التغيير وتصميمهم عليه، فإن عليهم أن يحرصوا أشد الحرص على أن لا يكونوا مجرد وقود خام لتشغيل قطاره، وألا تسحقهم عجلاته. وأن يكونوا هم بذاتهم ركابه، بل قادة قاطرة عرباته الذين يحددون خطوط سيره ومحطاته ووجهته...
 
                              *     *     *
 
- أو قلنا أن سنة 2011 لم تنتهِ بعد؟                   
- يا للزمان! أية سنة عربية كبيسة!

التعليقات