21/01/2012 - 10:55

أين العرب من المشاريع النوويّة؟/ زهير أندراوس

ومع أننّا دعاة سلام وليس من مؤيدي الحروب التقليديّة وغير التقليديّة، ومع أنّ الشيخ حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبنانيّ، كان قد صرح بأنّ إسرائيل وخلافًا للماضي، باتت تقول كثيرًا وتفعل قليلاً، مع ذلك نرى أنّه من الأهميّة بمكان أنْ نقول وبالصوت العالي والواضح: ماذا تنتظر إسرائيل؟ لماذا لا تُهاجم إيران؟ ما الذي يمنعها من ذلك؟

أين العرب من المشاريع النوويّة؟/ زهير أندراوس


هل ستضرب إسرائيل إيران؟ هل ستتجرأ الدولة العبريّة على تدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ؟ يوم الخميس (19.01.2012) وصل إلى تل أبيب رئيس هيئة الأركان العامّة في الجيش الأمريكيّ لإقناع صنّاع القرار في دولة الاحتلال بعدم الإقدام على الخيار العسكريّ ضدّ طهران.

الإدارة في واشنطن من رئيسها مرورًا بوزيرة خارجيتها وتعريجًا على وزير دفاعها، أشبعتنا بالتسريبات القائلة إنّ الولايات المتحدّة الأمريكيّة تستجدي نتنياهو وباراك بعدم اللجوء إلى العمل العسكريّ ضدّ إيران، عناوين الصحف العبريّة لا تخلو من التبجح بقوّة دولة الاحتلال، والإعلام العبريّ يُصَوّر دولته بأنّها أقوى دولة عظمى على هذه البسيطة، ومع أنّ المثل يقول من يُهدد لا يفعل، ومع أننّا دعاة سلام وليس من مؤيدي الحروب التقليديّة وغير التقليديّة، ومع أنّ الشيخ حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبنانيّ، كان قد صرح بأنّ إسرائيل وخلافًا للماضي، باتت تقول كثيرًا وتفعل قليلاً، مع ذلك نرى أنّه من الأهميّة بمكان أنْ نقول وبالصوت العالي والواضح: ماذا تنتظر إسرائيل؟ لماذا لا تُهاجم إيران؟ ما الذي يمنعها من ذلك؟

لماذا هذا التردد والتعويل تارةً على العقوبات الدوليّة المفروضة على الجمهوريّة الإسلاميّة، والعقوبات التي ستُفرض في المستقبل القريب؟ وتارة أخرى التعويل على تأكيدات الولايات المتحدّة بأنّ الاقتصاد الإيرانيّ سينهار في فترة لا تتعدى نصف السنة، وهذا الانهيار سيؤدي حتمًا، بحسب المصادر في واشنطن، إلى التأثير على البرنامج النوويّ الإيرانيّ، وربّما، يضيف الخبراء، يدفع قادة طهران إلى التنازل عن البرنامج النوويّ برمته.

***

في حقيقة الأمر لا نعرف ماذا يوجد في جعبة إسرائيل من أسلحة تقليديّة أوْ أسلحة غير تقليديّة، ولكننّا نميل إلى الترجيح بأنّها دولة قويّة جدًا في المجال الأمنيّ، خاصّةً وأنّها تتلقى الدعم غير المحدود من القوة الأعظم في العالم، أمريكا، التي تعتبرها الحليف الإستراتيجيّ الأوّل، ولكن حرب لبنان الثانيّة، في صيف العام 2006، أثبتت باعتراف إسرائيليّ، أنّ للقوة توجد العديد من الحدود والمحدوديّات والعوائق.

نعم، في تلك الحرب، لم يخسر حزب الله المنازلة، ولكن في الوقت نفسه، لم تفز إسرائيل، لا بلْ أكثر من ذلك، على الرغم من عدم تكافؤ الفرص والقوة بين حزب الله وإسرائيل، رابع دولة مصدّرة للأسلحة في العالم، لم يتمكن جيش الاحتلال من إخضاع حزب الله وإجباره على رفع الرايّة البيضاء، وخسائر إسرائيل في الحرب الثانيّة على لبنان كانت جسيمة للغاية، إنْ كانت في الأرواح أوْ في الممتلكات، والأهّم من هذا وذاك، أنّ قوة الردع الإسرائيليّة خلال شهر من الحرب تآكلت جدًا، الأمر الذي دفعها إلى قبول القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدوليّ والقاضي بوضع الحرب أوزارها.

كما أنّه جدير بالتذكير، تذكير من خانته ذاكرته، أوْ من يُعاني من الذاكرة الانتقائيّة، بأنّه وبحسب التقارير الرسميّة الصادرة في تل أبيب، فإنّ قوّة حزب الله العسكريّة، كمًا ونوعًا، تضاعفت عدّة مرّات، منذ العام 2006، بالإضافة إلى ذلك، يُلاحظ المتتبع للشأن الإسرائيليّ، أنّ المنظومة الأمنيّة في دولة الاحتلال، عبّرت في أكثر من مناسبةٍ عن خشيتها العميقة من انتقال الأسلحة الكيماويّة السوريّة إلى حزب الله، الأمر الذي سيُحوّل تهديد المقاومة اللبنانيّة على إسرائيل إلى تهديدٍ إستراتيجيّ وخطير، ناهيك عن الاعتراف الإسرائيلي الصريح بأنّ جميع المناطق في العمق من المطلة حتى إيلات، باتت في مرمى صواريخ حزب الله، بما في ذلك الفرن الذريّ، الواقع في مدينة ديمونا الجنوبيّة.

***
بطبيعة الحال، لا يُمكن إجراء مقارنة بين ترسانة حزب الله والترسانة العسكريّة الإيرانيّة، فحسب دراسة أعدّها في الأيام الأخيرة معهد بيغن السادات، التابع لجامعة بار إيلان، فإنّ المنظومات الدفاعيّة الإسرائيليّة عاجزة عن اعتراض الصواريخ الإيرانيّة عابرة القارّات، وأنّ العمق الإسرائيليّ بات مهددًا من جميع الجبهات.

الدراسة تُطالب أركان تل أبيب بالكشف عن قوّتهم النوويّة، لأنّ خطوة من هذا القبيل، يؤكد معدّو الدراسة، ستردع إيران عن مواصلة برنامجها النوويّ، كما أنّ الخبراء يُحذّرون من أنّ نافذة الفرص المتاحة اليوم أمام الدولة العبريّة لوقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ باتت ضيّقة، لا بلْ ضيّقة للغاية، وعليه تقول إنّه يتحتّم على دولة الاحتلال تطوير وسائلها الدفاعيّة أمام التهديد التقليديّ الإيرانيّ قبل فوات الأوان، مشيرةً إلى أنّه على حكومة نتنياهو أنْ تستعد للضربة الثانيّة، أيْ استيعاب الهجمة الإيرانيّة على العمق، واختيار المدن الإيرانيّة الرئيسيّة لمحوها كليًا عن الخريطة.

المثير في الدراسة أنّها تكشف للمرّة الأولى أنّه في العام 2003، أيْ قبل تسع سنوات، عُرضت هذه الاقتراحات على رئيس الوزراء آنذاك، أرئيل شارون، ولكنّه رفض قبولها لأسباب لم يُكشف النقاب عنها، أمّا القضيّة الثانيّة التي تستشف من الدراسة فتتعلق بقوّة إسرائيل العسكريّة، ذلك أنّ دولاً معدودة في العالم قادرةً على توجيه الضربة الثانيّة، وبما أنّ إسرائيل تتمتع بهذه القُدرة الخارقة، نعود ونسأل مرّة أخرى: ما الذي يمنعها من توجيه الضربة ضدّ إيران، التي على الرغم من العقوبات وعلى الرغم من عمليّات اغتيال العلماء، التي تُنسب للموساد الإسرائيليّ، تؤكد صباحًا مساءً على أنّها عاقدة العزم على مواصلة تطوير برنامجها النوويّ.

***
نفهم أنْ تقلق أمريكا من البرامج النوويّة والقوة العسكريّة الإيرانيّة المتصاعدة، نتفهم خشية دولة الاحتلال أيضًا من تحوّل إيران إلى نوويّة، ذلك أنّ هذا الأمر ينطوي على تهديد الهيمنة الأمريكيّة على المنطقة ونفطها في المقام الأوّل، وأيضًا يُشكّل تهديدًا على التفوق الإسرائيليّ الاستراتيجيّ العسكريّ، ولكن ما لم نتمكن من فهمه، على الرغم من جهودنا الحثيثة، هو حالة الهلع العربيّ الراهنة، واستعداد بعض العرب لاستعداء إيران والوقوف في الخندق الأمريكيّ المقابل، وأكثر من ذلك، الكرم السعوديّ، الذي حوّل حاتم الطائيّ، إلى أبخل البخلاء، والمتمثل بزيادة إنتاج النفط للتصدير تعويضًا عن النفط الإيرانيّ، الذي ستتوقف الدول الأوروبيّة عن شرائه، تماشيًا مع تشديد العقوبات على طهران.

***
العرب من محيطهم إلى خليجهم يملكون القُدُرات والمال والعقول والعلاقات الدوليّة، فلماذا يخشون من حدوث سباق نووي في المنطقة إذا امتلكت إيران الأسلحة النوويّة؟ ولماذا لا نجاريها في الميدان نفسه وبالقوة والتصميم نفسيهما؟ لماذا لا تُفكّر أيّ دولة عربيّة بامتلاك النوويّ حتى للأغراض السلميّة فقط؟ أمْ أنّ السعوديّة ما زالت تفتخر بأنّها قدّمت للحضارة فخر الصناعة العربيّة، وهو عبارة عن زيت للسيارات اسمه أمريكانا.

للأسف الشديد، بما أنّ القرار السياسيّ العربيّ بات رهينة ألإمبرياليّة العالميّة والصهيونيّة، فلا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، لهذا النظام أوْ ذاك، اتخاذ القرار بالشروع في البرامج النوويّ، وبالتالي، فإنّ العيب ليس في إيران وقوتّها، ولا في إسرائيل واستفزازاتها واحتقارها للناطقين بالضاد، ولا في أمريكا التي تواصل التآمر على الأمّة، وإنّما العيب فينا كعرب، ولهذا يجب العمل الشعبيّ لاستعادة الحريّة في اتخاذ القرار، بهدف تغيير هذا الواقع المريض، العفن والمتعفّن، ذلك أنّه يتحتّم علينا الفهم والإدراك بأنّ العلاقات الدوليّة محكومة بموازين القوّة، وبالتالي لا يُمكننا مطالبة الآخرين باحترامنا، في الوقت الذي نحن، نعم نحن، لا نحترم أنفسنا.
 

التعليقات