27/01/2012 - 07:05

التجمع والمواجهة القادمة/ حسن عبد الحليم

ترى المؤسسة الإسرائيلية أن التجمع قاد المجتمع الفلسطيني في الداخل بعكس الاتجاه الذي رسمته له، وأنه فرض على منافسيه السياسيين التكيف مع خطابه بل ومنافسته به وربما المغالاة ولو ظاهريًا في طرحه، لذلك رأت فيه مبكرًا خطرا على مخططاتها المتعلقة بفلسطينيي الداخل والتي تتلخص في تشويه هويتهم الفلسطينية وتحويلهم إلى إسرائيليين درجة ثالثة خانعين في دولة اليهود، وبدأت معركتها ضده في مرحلة مبكرة من خلال الملاحقة القضائية للـ د. عزمي بشارة عام 2001(ملف خطابي أم الفحم والقرداحة)، ثم عام 2006 (ملف زيارة لبنان)، ثم عام 2008 حين قررت محاربته بأدوات أمنية واضطرته إلى البقاء خارج وطنه قسرًا. إلى جانب ذلك تعرض التجمع لمحاولتي شطب (عامي 2003 و 2009)، فيما تعرضت قياداته وكوادره لمحاولات ترهيب من الأجهزة الأمنية من خلال الاعتقال والتضييق والتهديد.

التجمع والمواجهة القادمة/ حسن عبد الحليم

يواجه التجمع الوطني الديمقراطي هجمة تحريض شرسة جديدة، موجهة في ظاهرها ضد النائبة حنين زعبي، إلا أنها في حقيقة الأمر تستهدف التجمع كحزب سياسي فكرًا وممارسة. ورغم أن أدواتها ليست جديدة، تبدو الهجمة أكثر خطورة من سابقاتها وذلك في ظل استشراء العنصرية والتطرف في المؤسسة الإسرائيلية وانجراف المجتمع في تيار التعصب الجامح، وانزلاق كليهما إلى المغالاة في الشوفينيةـ الأمر الذي قاد إلى التمترس الفكري خلف حالة الإنكار، وإلى خفوت الأصوات المتعقلة أو البراغماتية، وتراجع أو ارتداع الأصوات الناقدة رغم قلتها.

 

في هذا الواقع يُنظر للنشاط السياسي لفلسطينيي الداخل، الخارج عن السرب- بمنظور أمني، ويوضع النقد في خانة التحريض، ويتحول كشف الحقيقة وتعرية زيف خطاب واه إلى إعلان عداء يستوجب "العلاج".
 
 في هذا الواقع ، لا يُنظر إلى اعتقال رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك (دون ذنب اقترفه)، والحكم عليه بالسجن لسنوات، على أنه جريمة نكراء، أو حتى أمرا مدانا أو مستهجنا، بل يصبح منتخب الجمهور الذي يزروه لتهنئته بتحرره من أسر ظالم، مدانا وداعما للـ "إرهاب". ولا يُنظر إلى حصار وتجويع مليون ونصف إنسان فلسطيني على أنه عمل إرهابي، بل يُنظر إلى من يحتج على ذلك بأنه يساند الإرهاب. ولا يُنظر إلى موجة القوانين العنصرية على أنها أمر غير طبيعي، لكن تعريفها بأنها عنصرية يعتبر جريمة نكراء تستوجب المحاسبه.
 
في هذا المناخ السياسي الموتور لا غضاضة في أن ينشط وزير القضاء وخلفه الائتلاف الحكومي لتطويع القضاء لخدمة التطرف، وأن يبسط هيمنته على المحكمة العليا (آخر معقل لليبرالية الصهيونية)، وأن يمنح البرلمان والمحكمة العليا غطاءً لممارسات لاإنسانية كقانون منع لم الشمل وقانون النكبة (مغالاة في الإنكار)، وأن تنزلق التشريعات شيئا فشيئا إلى نظام أبرتهايد - دون حرج من المشرعين ودون أن يروا في ذلك أية شائبة (هم أشبه بالسارق المتوجس المتوثب لإنكار جريمته وإخفاء آثارها بارتكاب جرائم جديدة).
 

يطرح التجمع الوطني الديمقراطي حلا إنسانيا محضا يقود إلى مصالحة تاريخية وإلى صيغة تتيح تعايش مغتصب الوطن مع صاحب الوطن -الضحية، غير أن حالة الإنكار تتفاقم، فيجد التجمع نفسه محاصرًا، ويتحول طرحه الإنساني والديمقراطي إلى تهديد أمني، وخطابه السياسي إلى تحريض، وتمسكه بهويته إلى خطر أمني أو ديمغرافي أو وجودي.
 
 يمكن أن نستشف من متابعتنا لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن المؤسسة تمضي في مسارين متوازيين: محاربة قوى تصفها بـ "التطرف"، والمقصود هنا التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتمسك بهويته الوطنية ويعمل جاهدًا على فضح السياسات العنصرية الإسرائيلية؛ وبالمقابل رعاية ودعم شخصيات سياسية مؤسرلة. ويمكن أن نلحظ أن موجة العداء للتجمع الوطني في وسائل الإعلام الإسرائيلية ومحاولات تشويه صورته- تمهيدًا لمحاولة النيل منه تترافق مع جهود لتجميل بعض الشخصيات المصنفة إسرائيليًا في خانة "العرب الصالحين"، وقسم من هؤلاء يمكن تشخيص حالتهم بأنهم يمتهنون الانفصام السياسي إذ أنهم يغالون في أسرلتهم أمام الإسرائيليين ويظهرون كإسرائيليين بامتياز، ويغالون في انتمائهم الفلسطيني أمام الفلسطينيين ويظهرون على أنهم فلسطينيون بامتياز.
 
ترى المؤسسة الإسرائيلية أن التجمع قاد المجتمع الفلسطيني في الداخل بعكس الاتجاه الذي رسمته له، وأنه فرض على منافسيه السياسيين التكيف مع خطابه بل ومنافسته به وربما المغالاة ولو ظاهريًا في طرحه، لذلك رأت فيه مبكرًا خطرا على مخططاتها المتعلقة بفلسطينيي الداخل والتي تتلخص في تشويه هويتهم الفلسطينية وتحويلهم إلى إسرائيليين درجة ثالثة خانعين في دولة اليهود، وبدأت معركتها ضده في مرحلة مبكرة من خلال الملاحقة القضائية للـ د. عزمي بشارة عام 2001(ملف خطابي أم الفحم والقرداحة)، ثم عام 2006 (ملف زيارة لبنان)، ثم عام 2008 حين قررت محاربته بأدوات أمنية واضطرته إلى البقاء خارج وطنه قسرًا. إلى جانب ذلك تعرض التجمع لمحاولتي شطب (عامي 2003 و 2009)، فيما تعرضت قياداته وكوادره لمحاولات ترهيب من الأجهزة الأمنية من خلال الاعتقال والتضييق والتهديد.
 
ولد التجمع من واقع الباقين في وطنهم وتناقضات أحوالهم وأحلام المهجرين وآمالهم-  ومن رحم الحركة الوطنية الفلسطينية داخل الخط الأخضر، ينشد العدالة لشعب تعرض لظلم بيّن لا لبس فيه. ولد في حقبة منتشية بأوهام أوسلوـ وحدد معالم طريقه النضالية في مرحلة انكفاء، وسرعان ما فرض خطابه على المجتمع الفلسطيني برمته بل وعلى القوى السياسية الفاعلة.
 
 يواجه التجمع في المستقبل القريب معركة ضارية قد تتمحور حول وجوده، وفي ظل التغييرات التي حصلت في المحكمة العليا سيكون التصدي لها أكثر صعوبة، وسيتطلب من أبناء الحركة الوطنية الاستعداد للدفاع عن قلعة الحركة الوطنية. لا خيار أمامنا سوى الدفاع عن طرحنا الإنساني ومواجهة العنصرية والتطرف بنضال دؤوب وأدوات جديدة.  

التعليقات