13/02/2012 - 16:20

إعلان الدوحة… ملاحظات أساسية../ ماجد عزام

جاء اتفاق الدوحة الأخير أقرب إلى إعلان النوايا منه إلى اتفاق مكتمل المعالم، وكان يمكن الاكتفاء برأيي ببيان ختامي مشترك مع توقيع قطر كشاهد، غير أن الرغبة في إيصال رسالة بتحقيق إنجاز ما تغلبت في النهاية رغم أن ما نحن بصدده ليس سوى إبداء حسن النية لجهة تطبيق ما تم الاتفاق عليه في ورقة المصالحة المصرية، التي وضعت منذ عام ونصف ولم يتم التوقيع عليها رسمياً إلا منذ أشهر، أي في أيار/ مايو الماضي.

إعلان الدوحة… ملاحظات أساسية../ ماجد عزام
جاء اتفاق الدوحة الأخير أقرب إلى إعلان النوايا منه إلى اتفاق مكتمل المعالم، وكان يمكن الاكتفاء برأيي ببيان ختامي مشترك مع توقيع قطر كشاهد، غير أن الرغبة في إيصال رسالة بتحقيق إنجاز ما تغلبت في النهاية رغم أن ما نحن بصدده ليس سوى إبداء حسن النية لجهة تطبيق ما تم الاتفاق عليه في ورقة المصالحة المصرية، التي وضعت منذ عام ونصف ولم يتم التوقيع عليها رسمياً إلا منذ أشهر، أي في أيار/ مايو الماضي.
 
غير أن قراءة أوسع وأعمق لإعلان النوايا يمكن أن تقدم لنا مزيدا من الخلاصات والملاحظات السياسية والشخصية التي يمكن عرضها باختصار على النحو التالي:
 
- بداية نحن أمام إعلان نوايا بامتلاك إرادة المصالحة من طرفي الانقسام. البطء الشديد وسرعة السلحفاة التي سار بها اتفاق "القاهرة" لا تعني بالضرورة انتفاء الإرادة والرغبة، وإنما وجود عقبات كأداء ناتجة أساساً عن كون الانقسام طال أكثر مما ينبغي ما خلق واقعا معقّدا على الأرض يحتاج التعاطي معه وتفكيكه إلى صبر، ثبات، ونفس طويل.
 
- أعتقد كذلك أننا أمام رسالة فلسطينية موحدة، مفادها أن ثمة إصرارا أو إرادة وعملا جادا، لتجنيب القضية والشعب الفلسطيني أي آثار جانبية ضارة للربيع العربي، مع إجماع على عدم التدخل في الأحداث الداخلية لأي دولة عربية واقتناع عميق بأن التطورات الحاصلة تصب في المصلحة الفلسطينية ولو على المدى المتوسط والبعيد.
 
- لا يمكن تجاهل المقاربة المختلفة لكيفية تطبيق اتفاق المصالحة، بمعنى تأجيل القضايا الخلافية والأكثر تعقيداً مثل الانتخابات والملفات العالقة الأخرى، خاصة ذات الطابع الأمني. أما قضية الحكومة فأرى أنها حلت في الشكل فقط عبر التوافق على تولي الرئيس محمود عباس رئاسة حكومة الكفاءات، بينما على الأرض لن يتغير شيء وسيبقى الوضع على ما هو عليه في الضفة وغزة بانتظار االحلحلة البطيئة، ولكن المثابرة الدوؤبة لعقد المعتقلين والمؤسسات المغلقة والأجهزة الأمنية.
 
- المقاربة المختلفة حاضرة، أيضاً في التعاطي العام مع المصالحة لجهة تأجيل القضايا الصعبة المتعلقة بالسلطة وتقديم تلك المتعلقة بالمنظمة التي تبدو أسهل ولو من الناحية النظرية، حيث ستتواصل اجتماعات اللجنة المعنية بإعادة بناء منظمة التحرير وسنشهد نقاشا متواصلا حول كيفية تشكيل المجلس الوطني مع يقين بصعوبة إجراء الانتخابات في الخارج، وأعتقد أن هذه المقاربة ولو أنها لن تحقق نتائج على المدى القصير إلاّ أنها ستقدم انطباعا جيدا عن المصالحة وسيرها في الاتجاه الصحيح.
 
- لا يمكن كذلك انكار القناعات السياسية لدى الطرفين والذي كان إعلان الدوحة تعبيرا أو ترجمة لها، فالرئيس محمود عباس، بات مقتنعاً أن المفاوضات مع حكومة نتن ياهو ليست سوى مضيعة للوقت. أما إدارة أوباما، فليست بوارد الضغط أو حتى الاهتمام بالمفاوضات والتسوية، وهي جد منشغلة بملفات داخلية وخارجية أكثر تعقيداً مثل الانتخابات الرئاسية، وإيران، وأفغانستان، وسورية، ما يعني أن أمام الرئيس عباس نافذة زمنية تقارب العام لترتيب البيت الداخلي، والمغادرة مع إنهاء الانقسام أو الشروع الجدي والعملي في ذلك. أما السيد خالد مشعل فيتصرف بدوره وفق قناعتين سياسية وشخصية، الأولى تتعلق بقراءة حماس للربيع العربي وتداعياته الإيجابية فلسطينياً، على المديين المتوسط والطويل مع انشغال رسمي وشعبي عربي، أولي ومنطقي بحل المشاكل المستعصية السياسية الاجتماعية الاقتصادية الناتجة عن عقود القهر والاستبداد ما يعني ضرورة ألاّ يحمل الفلسطينيون العرب أكثر من طاقتهم من جهة، ومن جهة أخرى يستغلوا الفترة الزمنية القصيرة المتاحة للتوحّد ومخاطبة العرب والعالم بلغة واحدة. أما شخصياً فيسعى مشعل إلى تحصين موقعه في قيادة حماس، معتقداً أن حصد شعبية وشرعية رسمية فلسطينياً وعربياً سيساعده على حصد شرعية وشعبية حزبية مماثلة داخل حماس، ببساطة يعتقد أبو الوليد أن مستقبله السياسي بات مرتبطاً مباشرة بتنفيذ وتطبيق المصالحة، خاصة فيما يتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية، وإطار قيادي أعلى للشعب الفلسطيني.
 
لا يمكن إنكار البعد الإقليمي، ورغبة الدوحة في تعزيز حضورها العربي والإقليمي، إلا أن ما نحن بصدده ليس سوى إعلان نوايا لتطبيق ما وُقّع في القاهرة التي كانت وما زالت اللاعب المركزي على الساحة الفلسطينية، وهي بصدد العودة للممارسة دورها كما ينبغي، خاصة بعدما زالت الغيبوبة التي عانت منها زمن النظام السابق.
 
قد لا تحقق المصالحة نتائج جدية على المدى القصير، إلا أن عربتها وضعت عملياً على السكة ربما تسير بشكل بطيء، ولكنها لن تتوقف خاصة أن الثورة العربية وتداعياتها قلّصت التدخلات الخارجية الضارة ودفعت الفلسطينيين إلى الإيمان مرة أخرى بضرورة توحّدهم وبلورة استراتيجيات جديدة تقطع مع النهج الذي كان سائداً سواء في الضفة أو في غزة وتتلاءم مع التطورات العاصفة التي تمر بها المنطقة والعالم أيضاً.

التعليقات