18/02/2012 - 11:54

ليس دفاعًا عن سوريّة، إنّما../ زهير أندراوس

منذ أنْ اندلعت أعمال الاحتجاج في سوريّة، أعلنت موقفي الصريح والواضح وغير القابل للتأويل في وسائل الإعلام العربيّة والعبريّة، قلت حينها وما زلت إننّي أؤيد سوريّة العروبة، سوريّة الممانعة، وسوريّة المقاومة، وحذّرت من مؤامرة تستهدف أخر معقل للعروبة وللقوميّة العربيّة، والآن بعد انبلاج فجر المؤامرة العربيّة والغربيّة، بتُ متمسكًا أكثر بموقفي، ذلك أنّه لا يُعقل التنازل المعنويّ عن سوريّة، لأنّه، باعتقادي المتواضع جدًا، تُريد بعض الأنظمة العربيّة الرجعيّة، بدعمٍ من رموز الإمبرياليّة، عرقنة سوريّة وجرّها لحرب أهليّة، نعرف كيف تبدأ، لكننّا لا ندري كيف ستنتهي، وكلّ ذلك يصّب في مصلحة إسرائيل

ليس دفاعًا عن سوريّة، إنّما../ زهير أندراوس
منذ أنْ اندلعت أعمال الاحتجاج في سوريّة، أعلنت موقفي الصريح والواضح وغير القابل للتأويل في وسائل الإعلام العربيّة والعبريّة، قلت حينها وما زلت إننّي أؤيد سوريّة العروبة، سوريّة الممانعة، وسوريّة المقاومة، وحذّرت من مؤامرة تستهدف أخر معقل للعروبة وللقوميّة العربيّة، والآن بعد انبلاج فجر المؤامرة العربيّة والغربيّة، بتُ متمسكًا أكثر بموقفي، ذلك أنّه لا يُعقل التنازل المعنويّ عن سوريّة، لأنّه، باعتقادي المتواضع جدًا، تُريد بعض الأنظمة العربيّة الرجعيّة، بدعمٍ من رموز الإمبرياليّة، عرقنة سوريّة وجرّها لحرب أهليّة، نعرف كيف تبدأ، لكننّا لا ندري كيف ستنتهي، وكلّ ذلك يصّب في مصلحة إسرائيل.
 
نُقّر ونعترف على رؤوس الأشهاد بأنّ الديمقراطيّة شبه معدومة في سوريّة، ومن حق الإنسان، كائنًا من كان، أنْ ينعم بالحريّة، وأنْ يتحرر من العبوديّة، ولكن بالمقابل: هل توجد دولة عربيّة واحدة تُمارس الديمقراطيّة قولاً وفعلاً؟ طبعًا، هذا لا يُعفي النظام الحاكم في دمشق من إطلاق الحريّات وإجراء الإصلاحات، ومع ذلك، فإنّ سوريّة هي دولة ذات سيادة، ولا يملك هذا أوْ ذاك، أيّ حقٍ في فرض الديمقراطيّة على سوريّة.
 
 علاوة على ذلك: هل تعتقدون أنّ رأس حربة الإمبرياليّة في العالم، أمريكا، من الممكن أنْ تدعم ثورة في العالم العربيّ هدفها تحقيق الديمقراطيّة وبناء الدولة الحديثة والعصريّة؟ أمريكا التي ثارت ثائرتها لأنّ روسيا والصين استخدمتا حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدوليّ لإحباط مشروع قرارٍ عربيّ-غربيّ ضدّ سوريّة، هي نفس الدولة التي تحوّلت إلى محامية الشيطان، وقامت عشرات المرّات باستخدام الفيتو من أجل منع إدانة الحبيبة الربيبة، دولة الاحتلال، وأكثر من ذلك، أمريكا هددت وما زالت تُهدد باستخدام الفيتو إذا قدّم الفلسطينيون مشروع القرار القاضي بإقامة الدويلة الفلسطينيّة في قطاع غزة والضفة الغربيّة.
 
هل تؤمنون بأنّ دول النفاق الأوروبيّ باتت على درجةٍ كبيرة من الإخلاص لنصرة الشعوب العربيّة من ظلم الأنظمة؟ أليست بريطانيا، نعم بريطانيا، هي السبب الرئيسيّ في نكبة الشعب العربيّ الفلسطينيّ، إذ أنّ من لا يملك أعطى لمن لا يستحق (وعد بلفور). أمّا عن فرنسا فحدّث ولا حرج، هذه الدولة التي تُمارس العنصريّة القوميّة والدينيّة ضدّ الأقليّات العربيّة والإسلاميّة التي تعيش على أراضيها، تُطالب الآن بالحريّة للشعب السوريّ؟ هذه الدولة الكولونياليّة، هي، نعم هي، التي قتلت مليون ونصف المليون من أبناء جلدتنا في الجزائر، لا لسبب، إلا لأنّهم قرروا طرد المستعمر من بلادهم، وبما أنّ التقادم لا ينسحب على الجرائم التي ارتكبت ضدّ الإنسانيّة، فلماذا لا تقوم من تُطلق على نفسها جامعة الدول العربيّة، بمطالبة محاكمة فرنسا على جرائمها بحق إخوتنا في الجزائر؟
 
في حقيقة الأمر، نبكي على كلّ قطرة دم تسيل في سوريّة، لأنّها تزيد النزيف العربيّ الذي قد يتحوّل إلى نزيف مستديم، يُفقدنا البوصلة، ولكن بموازاة ذلك، لماذا لا نلتفت إلى أنّ ما يُطلق عليه "الجيش السوريّ الحرّ" والعصابات الإرهابيّة قتلت المئات وربّما أكثر من الجيش العربيّ السوريّ؟ نعم، نأسف على ما آل إليه الوضع في سوريّة، ولكننّا في المقابل نخشى من أنْ يتم التدّخل الأجنبيّ في هذا البلد، لنعيش مرّ أخرى السيناريو الليبيّ، تخلصنا من الطاغيّة القذافي، ولكن تابعوا ما يجري في هذه الأيام في ليبيا، الأمن الشخصيّ بات مفقودًا، الغرب سيطر على حقول النفط، وبذلك تحوّلت ليبيا، بحسب المخطط الغربيّ الخبيث، القائم على سياسة فرّق تسُد، إلى قبائل وعشائر وميليشيات مسلحة تتصارع في ما بينها على الكعكة، التي نهشها الغرب الاستعماريّ وأبقى لليبيين الفتات، وبالتالي نسأل: هل نُريد أنّ تتحوّل سوريّة إلى ليبيا رقم 2؟ هل نرغب في أنّ تتحوّل سوريّة إلى عراق رقم 2؟ هل نصبو إلى ترك سوريّة والسوريين كالأيتام على موائد اللئام؟
 
إنّ الهدف الرئيس من المؤامرة على سوريّة هو بتر ما يُطلق عليه في الغرب محور الشر: إيران، حزب الله وسوريّة، وفي حال إسقاط النظام الحاكم، فإنّ قوى الظلام ستستفرد بحزب الله من ناحية، وإيران من الأخرى، ولا بدّ من أنْ تُعرّج على حماس وباقي التنظيمات الفلسطينيّة، التي على الرغم من حملات الترهيب والترغيب رفضت سوريّة طردها من دمشق، وتحملّت العبء من أجل قضية العرب الأولى، قضية فلسطين.
 
المجلس الوطنيّ السوريّ، الذي تأسس في تركيا، وأسماه المعارض السوريّ، د. هيثم منّاع بوليمة الشحادين وعُش الدبابير، أعلن من خلال رئيسه المؤقت، برهان غليون، في مقابلة مع الصحيفة الأمريكيّة (وول ستريت جورنال) بأنّه سيُوقف التحالف الإستراتيجيّ مع إيران، وسيتوقف عن دعم حزب الله، وسيطرد التنظيمات الفلسطينيّة، المأساة لا تكمن فقط في تصريحاته المتواطئة، إنّما في ديمقراطيته الزائفة: هل سألت الشعب السوريّ، يا غليون، إذا كان موافقًا على مواقفك غير المشرّفة؟
 
وكعضو في التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، أطالب من جميع الرفاق، بإدارة النقاش الحضاريّ حول الموقف من سوريّة، لأننّي على ثقة، بأنّ الأحزاب العربيّة الأخرى، تتربص لنا، وتُراقب عن كثب ضبابية موقفنا من سوريّة، أملةً في استغلال هذا الأمر في المعركة الانتخابيّة القادمة ضدّنا، بهدف محاولة إسقاطنا، ومع أننّا على قناعة تامّة بأنّ سفينة التجمع ستبقى تُبحر بعنفوان رغم الأمواج العاتيّة، إلا أنّه من واجبنا حسم الموقف، الآن، الآن وليس غدًا، لكي لا نندم حين لا ينفع الندم. 

التعليقات