01/03/2012 - 21:39

الزواج المبكر: المواقف الأخلاقية لا تحتاج معطيات../ سونيا بولس

ومن قال إن الأخلاق هي حكر على الشرق والعرب والمسلمين؟ وهل نحن "في الشرق" أكثر خلقا من نشيطات السلام والبرلمانيات "الغربيات" اللواتي يبحرن لغزة لفك حصارها؟

الزواج المبكر: المواقف الأخلاقية لا تحتاج معطيات../ سونيا بولس
 
 
تقوم  لجنة الأحوال للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية بدعم  مشروع القانون الذي قدمته النائبة حنين زعبي وآخرون، الهادف الى رفع سن الزواج في إسرائيل من سن السابعة عشرة إلى الثامنة عشرة أسوة بقانون الأهلية القانونية والوصاية. وما يثير الدهشة هو وجود جهات تعارض هذا الاقتراح رغم كوننا في  القرن الـ21 وذلك بناء على حجج واهية.
 
أكثر هذه الحجج رواجا هو الادعاء بأنه  ليس من الممكن دعم مشروع القانون في ظل انعدام معطيات ذات مصداقية حول مدى انتشار ظاهرة تزويج الأطفال! وهنا يجب التنويه أولا على أن المعطيات بشأن هذه الظاهرة هي واضحة، فبموجب تقرير دائرة الإحصاء المركزي، الصادر عام 2011، فإن عدد الفتيات الفلسطينيات اللاتي تزوجن دون سن الثامنة عشرة يقارب الـ 3000 فتاة، من ضمنهن 1019 فتاة تزوجن وهن دون سن السابعة عشرة. وتشكل نسبة الفتيات اللاتي تزوجن دون سن الثامنة عشرة 25% من مجمل الزيجات لدى الأقلية الفلسطينية في إسرائيل.
 
هذه المعطيات يجب أن تقلقنا جميعا. لكن حتى لو اقترضنا جدلاً أنه فعلا لا توجد معطيات وافية حول مدى انتشار ظاهرة تزويج الأطفال في المجتمع الفلسطيني في الداخل، فإن رفض مشروع القانون أو عدم دعمه بناء على هذا السبب يبقى مثيرا للدهشة والعجب! لأن المواقف الأخلاقية ببساطة لا تحتاج إلى معطيات. هل نحن بحاجة إلى قائمة معطيات حول مدى انشار ظاهرة السرقات في المجتمع كي نتخذ موقفا أخلاقيا منها؟! إن المقولة بأن السرقة مرفوضة أخلاقيا هي صالحة بحد ذاتها بل وواجبة أخلاقيا بغض النظر عن مدى انتشار ظاهرة السرقات في أي مجتمع معطى. إن وجود معطيات حول الآفات الإجتماعية هو أمر ضروري، لكن في سياق إيجاد حلول لها أو لمحاولة الحد منها، لكنه ليس ضروريا من أجل اتخاذ موقف منها.
 
 
أما الادعاء الثاني لتبرير عدم مساندة مشروع القانون القاضي بأنه حتى لو افترضنا وجود ظاهرة تزويج الأطفال فإن القانون ليس كفيلا بمعالجتها. هذا الادعاء هو أيضا مثير للعجب. المقولة بأن القانون لوحده ليس قادرا على معالجة بعض الآفات الإجتماعية قد تكون صائبة أحيانا لكن هذا لا يعني أبدا تجاهل الدور التربوي للقانون. فقد كتب الفلاسفة منذ عهد أفلاطون حول أهمية القانون وإسهاماته في عملية التنشئة الاجتماعية وتحولاتها، بحيث من الممكن الإشارة الى أكثر من قانون يصعب تطبيقه (مقارنة بقوانين أخرى) لسهولة التحايل عليه مثل قانون الحد الأدنى للأجور أو القوانين التي تضمن المساواة للمرأة في مكان العمل، لكن هذا لا يعني أبدا أن لا نقدّر أو نعترف بأهمية الرسالة التربوية والأخلاقية التي تحملها هذه القوانين، إذ لا يخطر على بال أحد المطالبة بإبطالها لصعوبة تطبيقها. الأمر ذاته يجب أن ينطبق على المعالجة القانونية لظاهرة تزويج الأطفال.
 
أما الادعاء الثالث فهو الأسطوانة إياها حول استيراد أجندات من الغرب والاستعمار الجديد، المؤتمرات والمؤامرات الدولية، الأمم المتحدة والخ. هذا الكلام الكبير والديماغوغية يأتيان في سياق مشروع قانون لا يسعى إلى رفع سن الزواج إلى 25 عاماً مثلاً، إنما الحديث يدور عن رفع سن الزواج بسنة واحدة فقط، ليضمن إكمال الفتاة لتعليمها الثانوي كأدنى حد!
 
من أين تأتي هذه الثقة عند الادعاء بأن مواثيق الأمم المتحدة تعكس قيما غربية لا تعنينا كشرقيين؟ إن دراسة وتحليل تاريخ تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أربعينيات القرن الماضي يدلان على أن لبنان والصين لعبتا دورا مركزيا في إعداده. ومن قال إن الأخلاق هي حكر على الشرق والعرب والمسلمين؟ وهل نحن "في الشرق" أكثر خلقا من نشيطات السلام والبرلمانيات "الغربيات" اللواتي يبحرن لغزة لفك حصارها؟ لا أحد ينكر أن هنالك دولا عديدة تحاول استغلال خطاب ومواثيق حقوق الإنسان بشكل هزلي لتحقيق مصالح ضيقة لا تمت لحقوق الإنسان بصلة أو حتى مناقضة لجوهرها، لكن هذه الهزلية أو الازدواجية لا تختلف كتيرا عن موقف هؤلاء الذين لا يعارضون أبدا استعمال مواثيق الأمم المتحدة للدفاع عن معتقلين إداريين، مثلا، ولكنهم يرفضونها عندما تستعمل للدفاع عن النساء والأطفال.
 
إن وجود أجندات غربية أو انعدامها لا يغير من حقيقة أن هنالك قيما أخلاقية تحترمها كل الشعوب. جميعنا نوافق على أن الحصول على شهادة تعليم ثانوي يشكل حدا أدنى للانخراط في سوق العمل والحياة العامة، وهو يشكل أيضا حدا أدنى للنهوض بالمجتمع. جميعنا نعلم أيضا أن الطالب والطالبة بين جيل الـ17 والـ18 يمران بمرحلة حرجة في حياتهما المهنية لأنهما يحضران للامتحانات النهائية. الزواج في سن الـ17 يعني أن الطالبة بدلا من أن تركز في امتحاناتها ستركز في شراء ملابس السهرة وأثات المنزل وتصميم المطبخ وطلاء البيت وغيره. ثم يأتي الزواج وتأتي مسؤولياته! أين امتحاناتها من كل هذا؟ هل تستطيع فتاة في جيل الـ17 ذات خبرة حياتية محدودة الموازنة بين كل هذه الضغوطات والانشغالات؟! الجمعيات النسوية وجمعيات حقوق الإنسان وأي إنسان عاقل ليسوا بحاجة الى إملاءات غربية أو أممية كي يجيبوا على هذا السؤال، الإجابة واضحة كوضوح الشمس.
 
إن التكهن حول الأسباب والدوافع الحقيقية التي تقف وراء معارضة القانون هو ليست موضوع نقاش ضمن هذه المقالة، لكن مهما كانت هذه الأسباب والدوافع فهي لا تستطيع أن تبرر أبدا محاربة مشروع قانون إذا نجح لن يعود إلا بالفوائد على مجتمعنا.         

التعليقات