04/03/2012 - 11:26

سورية بين النزف والاستنزاف../ علي جرادات

باندفاع الجناح الأول، ("السلطوي")، صوب طلب التدخل العسكري الأجنبي، فضلاً عن لجوئه إلى عسكرة الحراك السلمي لشعبه، بدعم من دول حلف الناتو، ودولٍ إقليمية، وأنظمة عربية، (خليجية بخاصة)، صارت الحالة في سوريا بين فكين: فك النزف الداخلي، يسببه قمع النظام، وفك الاستنزاف الخارجي يسببه تسليح جناح من المعارضة، أصبح، (بالنتيجة، وبمعزل عن النوايا)، مطية لمخططات حلف الناتو، (بتوابعه الإقليميين، عرباً وغير عرب)، الرامية إلى تدمير سوريا الدولة والدور، بذريعة "حماية المدنيين"، تماما كما حصل في العراق وليبيا، وإن بسيناريو، (إستراتيجية)، إطالة أمد النزف والاستنزاف، كسيناريو تستدعيه خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها، واختلاف الظروف والمعطيات، والدولية منها تحديداً

سورية بين النزف والاستنزاف../ علي جرادات
على هامش مؤتمر "أصدقاء سوريا" في تونس، وبضيق ونفاذِ صبرٍ، يشيان باندفاعٍ، يعوزه الحذق السياسي، أعلن سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية، والناطق الرسمي الأول والأرفع باسمها، أن "تسليح المعارضة السورية فكرة ممتازة". بدوره، وبذات المستوى من الاندفاع وانعدام الحذق السياسي، أعلن حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر، ووزير خارجيتها، عن تبني إمارته الرسمي لفكرة "تسليح المعارضة السورية" بدعوى "تمكينها من الدفاع عن نفسها"، بل، وكرر المناداة بتطبيق السيناريو الليبي، (تدخل حلف الناتو)، في سوريا.
 
 تصريحات تعكس موقفاً سياسياً تتبناه بقية دول الخليج، ولا يلقى معارضة جادة من أنظمة عربية أخرى، تكتفي بإبداء التحفظ عليه في الكواليس والغرف المغلقة، ما يعني أن الموقف السعودي القطري، هو (عملياً)، الموقف الرسمي العربي الفاعل في مجريات الحالة السياسية السورية وتطوراتها على الأرض.
 
على أية حال، لا جديد في تصريحات الأمير سعود الفيصل والشيخ حمد بن جاسم حول تسليح المعارضة السورية، اللهم إلا ما تتسم من وضوح، تتردد حتى الولايات المتحدة، بحذقها السياسي، وحساباتها الدولية والإقليمية المعقدة، (حتى الآن)، عن إعلانه، رغم تورطها من الرأس حتى أخمص القدم، (مع حلفاء إقليميين ودوليين)، في تسليح مجموعات عربية، سورية، وغير سورية، ذلك حتى قبل اندلاع الانتفاضات الشعبية السلمية العربية، فما بالك بعد اندلاعها، وما وفره قمعها الداخلي لـ"بدعة" "الفوضى الخلاقة" من ذرائع لخلقِ، وتغذيةِ، وتأجيجِ، وتسعيرِ، وتوسيعِ، وتعميق، كل أشكال الفتن السياسية الطائفية والمذهبية والجهوية والإثنية، لا في سوريا وحسب، بل، وفي أكثر من قطرٍ عربي أيضاً، اللهم إلا إذا صدقنا، على عكس ما تؤكد الوقائع، أن الأجهزة الأمنية للولايات المتحدة وحلفاءها، الدوليين والإقليميين، وفي مقدمتهم إسرائيل، بريئة، وأن لا يد لها، في ما جرى، وما زال يجري، من فتنٍ واحتراب وزعزعة وتقسيم، في العراق والسودان ولبنان والصومال، بل، وفي ليبيا ومصر واليمن، بعد إطاحة رؤوس النظام فيها، أو إذا صدقنا أن دخول الولايات المتحدة وحلفائها، على خط الانتفاضات الشعبية السلمية العربية، يستهدف فعلاً المساعدة في نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان و"الأقليات" وحماية المدنيين، وأنه ليس مجرد كذبة كبيرة، نسفتها من الألف إلى الياء، شواهد تدمير العراق وأفغانستان وليبيا.                    
 
يحيل الموقف السعودي القطَري الداعي بصراحة ووضوح إلى تسليح جناح من المعارضة السورية، إلى أعقد معضلات الانتفاضات الشعبية السلمية العربية، وتطلعاتها لإحراز تحولات ديمقراطية راسخة ومستقرة ومتنامية، إنها معضلة دخول أنظمة الطغيان، (الحكم بالوراثة دون قانون)، بما تملك من دعم أمريكي وأموال طائلة وفكرٍ وهابي رجعي، على خط هذه الانتفاضات، بذريعة دعمها في مواجهة بطش أنظمة الاستبداد، (الحكم بالتوريث والتعسف في تطبيق القانون)، فيما يعي كل من له عقل يستخدمه ويحترمه، أن دخول هذه الأنظمة على خط هذه الانتفاضات، إنما يستهدف حرف مسارها ومنع امتداد لهيبها إلى عروشها، سواء عبر تمويل هذه الانتفاضات وتسليحها، ( في ليبيا وسوريا)، أو قمعها، ( في البحرين والسعودية)، أو تطويقها، (في اليمن)، أو محاولات تجويف نتائجها، ( في تونس ومصر).
 
 لكن، وبقدرِ ما يتعلق الأمر بالحالة السورية، والدعوة "الخليجية"، بقيادة سعودية قطَرية، إلى تسليح المعارضة السورية، فإن المرء ليس بحاجة لعناء اكتشاف النار حتى يكتشف أن هذا التسليح للحراك الشعبي السلمي السوري، (فضلاً عن تسهيل طريق دخول "الناتو" على خطه)، قد أفاد النظام السوري، ومنحه، (بالنتيجة)، سلاحاً سياسياً فعالاً في تبرير معالجاته الأمنية والعسكرية، بل، وصار، (التسليح) ومطلب دول الخليج تدخل حلف الناتو العسكري، بمثابة أبطال خلفية، ساهمت، (بالنتيجة)، في ضربِ حراك الشعب السوري، (السلمي في انطلاقته وبداياته)، وفي الحدِّ من توسعه جغرافيا وشعبياً، خاصة بما لسوريا، (الدولة والدور والموقع)، من خصوصية معقدة، سواء لجهة ما لها من أراضٍ محتلة، أو لجهة تشابك ملف الصراع الداخلي فيها مع ملفات صراعات إقليمية أخرى، أهمها ملف القضية الفلسطينية وملف المقاومة اللبنانية، وملف الصراع العربي الإسرائيلي عموماً، وملف صراع إيران مع الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو الصراع الذي ينذر فعلاً باحتمال نشوبِ حرب إقليمية واسعة، لا تبقي ولا تذر، أو لجهة ما تربى عليه الشعب السوري، من ثقافة سياسية وطنية وقومية، تتحسس أكثر ما تتحسس، وترفض أول ما ترفض التدخلات الأجنبية.          
 
كل هذا لم يدركه، بل، ووقع في حباله القاتلة، جناح من المعارضة السورية، يطالب باندفاع هستيري بتدخل حلف الناتو العسكري، ويذهب بهستيرية أعلى إلى عسكرة الحراك السلمي لشعبه، ويراهن كثيراً على ما يقدمه له ملوك وأمراء ومشايخ دول الخليج العربي، وجهات دولية وإقليمية أخرى، من سلاح، ومن دعم سياسي ومالي وإعلامي. وكل هذا بفعل طبيعته "السلطوية"، التي حالت دون تبنيه لبرنامج وطني ديمقراطي بديل واضح القسمات، يمكِّنه من الائتلاف مع الجناح الثاني للمعارضة السورية، الذي أدرك التبعات الخطرة لطلب التدخل الأجنبي وعسكرة الحراك الشعبي السلمي والاعتماد على دعم أنظمة الخليج العربي، بما يشير إلى فارق جوهري بين برنامجين للمعارضة السورية: برنامج جناح يدعو إلى "إطاحة النظام والاستيلاء على السلطة بأي ثمن"، وبرنامج جناح يدعو إلى "إطاحة النظام وأخذ السلطة، إنما دون عسكرة أو فتنة طائفية أو تدخل أجنبي".
 

باندفاع الجناح الأول، ("السلطوي")، صوب طلب التدخل العسكري الأجنبي، فضلاً عن لجوئه إلى عسكرة الحراك السلمي لشعبه، بدعم من دول حلف الناتو، ودولٍ إقليمية، وأنظمة عربية، (خليجية بخاصة)، صارت الحالة في سوريا بين فكين: فك النزف الداخلي، يسببه قمع النظام، وفك الاستنزاف الخارجي يسببه تسليح جناح من المعارضة، أصبح، (بالنتيجة، وبمعزل عن النوايا)، مطية لمخططات حلف الناتو، (بتوابعه الإقليميين، عرباً وغير عرب)، الرامية إلى تدمير سوريا الدولة والدور، بذريعة "حماية المدنيين"، تماما كما حصل في العراق وليبيا، وإن بسيناريو، (إستراتيجية)، إطالة أمد النزف والاستنزاف، كسيناريو تستدعيه خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها، واختلاف الظروف والمعطيات، والدولية منها تحديداً.                                      

التعليقات