09/03/2012 - 01:35

بين بن كسبيت وبن غفير! / إمطانس شحادة

لا يقل خطورة عما ورد لغاية ألان، هو التحليل ألاستشرافي لبن كسبيت، وصيغة الوصاية التي يتحدث بها مع المواطنين العرب. اذ يطلب منهم، طبعا لمصلحتهم فقط، التخلص من النائبة حنين زعبي، أي التخلص من خطاب النائبة زعبي ومن كل الطرح السياسي التي تمثله زعبي. حينها سيكون وضع المواطنين العرب أفضل. بكلمات أخرى يطرح على المواطنين العرب مساومة بين الطرح السياسي والموقف القومي الوطني والهوية الوطنية وبين فتات امتيازات معيشية قد يحصل عليها. فعلى ما يبدو لم يتقبل بن كسبيت، كباقي المؤسسات الإسرائيلية والمجتمع، التغيرات في التصرف السياسي والطرح السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، وصعود قيادات جديدة تتحدى وتطرح بدائل للوضع القائم. قيادات وشعب يقول ان عصر الحكم العسكري قد انتهى دون رجعة.

بين بن كسبيت وبن غفير! / إمطانس شحادة

 

ما المشترك بين الصحفي بن كسبيت، وبين المستوطنان اتباع كاخ بن غفير وباروخ مارزيل؟ الثلاثة يريدون، بشكل أو بآخر، معاقبة النائبة حنين زعبي - وعبرها المجتمع العربي باسره- وإخراجها من المشهد السياسي، كونها لم ترضخ للخطاب السياسي الإسرائيلي وقواعد اللعبة السياسية التي تفرضها المؤسسة الإسرائيلية. فقد وضع هؤلاء هدف جديد للملاحقة السياسية، اسمها حنين الزعبي، ورفعوها لمكانة “عدوة الشعب”.  
مقالة الصحفي بن كسبيت “لا شريك” هي مقالة في غاية الخطورة والوقاحة وتشويه الواقع في آن واحد. اذ يوجه الصحفي تهديدات مبطنة وتهما إلى النائبة التجمعية حنين زعبي، تصل إلى حد التحريض الفعلي أكثر من النقد السياسي الشرعي. وهو بذلك يريد تمرير رسالة عبر حنين الى كافة المواطنين الفلسطينيين، ويضع نفسه وصيا على المواطنين العرب ومتحدثا باسم المؤسسة الإسرائيلية في آن واحد. بن كسبيت يعرض، وليس من حسن نية أو جهل، ادعاءات خاطئة ومضللة، على أنها حقائق لا لبس فيها، دون أن يكلف نفسه عناء التحقق من صحة الافتراءات. فهو واثق أن أحدا لن يحاسبه أو يطلب تفسيرات. لان كل هجوم على “عدوة الشعب الأولى” خاصة أو على الفلسطينيين عامة لا حاجة لما يبرره، إنما يعكس الأجواء العامة في دولة إسرائيل وينطق باسمها.   
 
قام بن كسبيت، ربما بسبب التسرع والانفعال، بالتعامل مع الفلسطينيين في إسرائيل كجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وعلى أنهم جزء من المفاوضات مع إسرائيل. انا اعتقد ان في هذا الربط تجديد إيجابي هام في الخطاب السياسي الإسرائيلي شبه الرسمي، ويفشي ما تحاول المؤسسة الإسرائيلية والصحافة المجندة التستر عليه. لكن في الوقت نفسه يتساءل بل يتفاجأ لماذا لم يستبطن الفلسطينيون في إسرائيل لغاية الآن خطابا إسرائيليا ورواية إسرائيلية. ونحن نقول لكسبيت، إننا لم ولن نقع في هذه الازدواجية وانفصام الشخصية، فمن المستحيل ان تكون جزء من الشعب الفلسطيني وأن تعتمد خطابا إسرائيليا. ومن عليه تذويت هذا الواقع هو بن كسبيت، وعبره المجتمع الإسرائيلي ككل، وليس العكس. 
 
يحاول بن كسبيت، إيجاد كبش فداء لاتهامه بفشل وانهيار اليسار الصهيوني المتخيل، وتلاشي أوهام استعداد المجتمع الإسرائيلي بقبول اتفاقيات سلام، ولا نقول المصالحة، مع الطرف الفلسطيني، بصورة النائبة حنين زعبي، وهو يقصد بذلك اتهام المجتمع الفلسطيني ككل. بذلك يعفي نفسه ومجتمعه من أية مسؤولية. فهو ومعه كافة قيادات المجتمع الإسرائيلي غير مستعدين للاعتراف بأن أوهام اتفاقيات السلام قبرت حين قُتل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يتسحاق رابين، هذا اذا قبلنا جدلا أن حكومة رابين أرادت فعلا التوصل الى اتفاقيات سلام. فمقتل رابين على يد يهودي كان بمثابة صفعة للمجتمع الإسرائيلي وعلامة تحذير مفادها أنه لا يمكن التوصل الى اتفاقيات سلام دون إجماع إسرائيلي (لا يعتمد على أصوات أحزاب عربية او يهودية عربية). عملية القتل أدت إلى عزوف المجتمع الإسرائيلي عن محاولة تحقيق السلام مع الفلسطينيين والبحث عن سلام داخلي وتوافق في المجتمع الإسرائيلي ذاته، لذلك بدأ التشديد على استعمال الأدوات الشكلية للديمقراطية مثل حسم الأغلبية والحق في الاختلاف والتعبير عن الرأي، والتخلي عن القيم الديمقراطية الجوهرية والتنازل عن برامج سياسية قد تساهم في زيادة الانقسام الداخلي، مثل عملية التفاوض. أي التخلي عن مسار التسوية مع الفلسطينيين في سبيل السلام والتوافق الداخلي في المجتمع الإسرائيلي. حينها دعي الصمغ الجديد ليجمع فئات المجتمع الإسرائيلي، بصيغة يهودية الدولة، بعد بلوغ المشروع الصهيوني بقيادة حزب العمل نهايته. لتذكير السيد كسبيت ان هذا حصل منذ فترة بعيدة، قبل ان تدخل النائبة زعبي الى الحياة السياسية العامة او إلى الكنيست. 
 
لو فعل بن كسبيت بما يقوم به أي صحفي مبتدئ، وجمع معطيات ومعلومات حقيقة، او قام بمراجعة بعض الأبحاث حول أنماط التصويت في إسرائيل، او مراجعة „مؤشر الديمقراطية” لوجد أن نسبة التطرف في المجتمع اليهودي في ارتفاع مستمر منذ عشرة أعوام، خاصة لدى المهاجرين الجدد الذين يستوردون الى إسرائيل مع الشعور المسبق بالعداء والعنصرية للفلسطينيين. أي مواقف عنصرية جاهزة قبل مقابلة أي عربي في حياتهم. وكذلك الأجيال الإسرائيلية الشابة التي تفضل قائد قوي عن الديمقراطية، والتي تدعم منذ العام 2000 بأكثر من النصف تهجير الفلسطينيين.   
 
من الواضح أنه من الأسهل أن يضع بن كسبيت مسؤولية التطرف وانحراف المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين على عوامل خارجية عن المجتمع الإسرائيلي. ومن الأفضل بالنسبة لبن كسبيت والمجتمع الإسرائيلي تجاهل تنامي ثقافة سياسية قبلية دينية لدى المجتمع الإسرائيلي، وارتفاع خطاب الحفاظ على يهودية الدولة وفرضها بواسطة قوانين على المواطنين الفلسطينيين. أي أنهم يفضلون يهودية الدولة على ديمقراطيتها. فهل لم يسمع بن كسبيت على سبيل المثال لا الحصر، عن قانون يفرض مخالفات مالية على مؤسسات تحي يوم النكبة؟ أو عن قانون المواطنة الذي  يمنع لم شمل عائلات عربية ويهدد بتدمير مئات آلاف الأسر العربية؟ أو بقانون يمنع المواطنين العرب من السكن في تجمعات سكانية صغيرة؟ على الرغم من كل هذا يصر بن كسبيت أن نتجاهل الماضي ونتجاهل كل القوانين التي تسن لقمع الهوية القومية وتمس بالمواطنين العرب، وأن نعبر عن امتناننا لدولة إسرائيل، وان نشير الى انجازاتها، التي تعمل الدولة ومؤسساتها لإقصائنا عنها. 
 
لا يقل خطورة عما ورد لغاية ألان، هو التحليل ألاستشرافي لبن كسبيت، وصيغة الوصاية التي يتحدث بها مع المواطنين العرب. اذ يطلب منهم، طبعا لمصلحتهم فقط، التخلص من النائبة حنين زعبي، أي التخلص من خطاب النائبة زعبي ومن كل الطرح السياسي التي تمثله زعبي. حينها سيكون  وضع المواطنين العرب أفضل. بكلمات أخرى يطرح على المواطنين العرب مساومة بين الطرح السياسي والموقف القومي الوطني والهوية الوطنية وبين فتات امتيازات معيشية قد يحصل عليها. فعلى ما يبدو لم يتقبل بن كسبيت، كباقي المؤسسات الإسرائيلية والمجتمع، التغيرات في التصرف السياسي والطرح السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، وصعود قيادات جديدة تتحدى وتطرح بدائل للوضع القائم. قيادات وشعب يقول ان عصر الحكم العسكري قد انتهى دون رجعة. 
 
بن كسبيت، الذي يعتبر نفسه صاحب خطاب ليبرالي ديمقراطي متنور، يطلب من المواطنين العرب التخلص من قادة عضوية أصيلة منتخبة من قبل شرائح كبيرة من المجتمع العربي، لأنه لا يطرب على أنغام خطابها. فبماذا يختلف بن كسبيت عن بن غفير أو باروخ مارزيل، اللذين ينظمان الأحد القادم، وللغرض نفسه، مظاهرة استفزازية أمام منزل زعبي في الناصرة. فعلى الرغم من اختلاف المصطلحات والحجج المستعملة بين بن كسبيت وبن غفير، الا ان الهدف واحد. الجماعة اليهودية غير قادرة على سماع أو تحمل خطاب متحدي، ديمقراطي وإنساني. فقط في حالة الاستسلام للإملاءات يمكن ان يكون هناك شريك. هذا يقول الكثير عن المجتمع الإسرائيلي الذي تنازل عن ما تبقى من هوامش ديمقراطية متخيلة  في سبيل قمع الخطاب السياسي المطالب بدولة ديمقراطية حقيقة، دولة المواطنين. تجارب الماضي علمتنا أن الفلسطينيين لن يرضخوا لهذا التهديد ولا للمساومة المطروحة. لن نرضى بأقل من الحرية والكرامة وكامل الحقوق.  

التعليقات