08/03/2012 - 11:03

عودة القيصر الشيوعي../ د. فايز رشيد

مثلما كان متوقعاً، فاز فلاديمير بوتين في الانتخابات الروسية، من الجولة الأولى وليس مثلما توقع له غالبية المراقبين بالفوز في جولة الإعادة الثانية في المنافسة بينه وبين المرشح زيوغانوف أمين عام الحزب الشيوعي. رجل روسيا القوى بوتين هو مزيج من القياصرة، فهو الآتي من عاصمة روسيا القيصرية بطرسبرغ، وهو الذي يميل إلى الحكم المطلق. وهو مزيج أيضا من الزعماء الشيوعيين لدولة الاتحاد السوفياتي، فهو وإن لم يدخل في عضوية الحزب، لكنه كان لسنوات عضواً في الشبيبة الشيوعية المعروفة باسم "الكومسومول" (بالرغم من أن بوتين يحاول إخفاء هذه الفترة من تاريخه، ويلتسين ذاته كان عضواً في المكتب السياسي-الهيئة القيادية الحاكمة- في الحزب الشيوعي السوفياتي قبل ارتداده عن الحزب).

عودة القيصر الشيوعي../ د. فايز رشيد
مثلما كان متوقعاً، فاز فلاديمير بوتين في الانتخابات الروسية، من الجولة الأولى وليس مثلما توقع له غالبية المراقبين بالفوز في جولة الإعادة الثانية في المنافسة بينه وبين المرشح زيوغانوف أمين عام الحزب الشيوعي. رجل روسيا القوى بوتين هو مزيج من القياصرة، فهو الآتي من عاصمة روسيا القيصرية بطرسبرغ، وهو الذي يميل إلى الحكم المطلق. وهو مزيج أيضا من الزعماء الشيوعيين لدولة الاتحاد السوفياتي، فهو وإن لم يدخل في عضوية الحزب، لكنه كان لسنوات عضواً في الشبيبة الشيوعية المعروفة باسم "الكومسومول" (بالرغم من أن بوتين يحاول إخفاء هذه الفترة من تاريخه، ويلتسين ذاته كان عضواً في المكتب السياسي-الهيئة القيادية الحاكمة- في الحزب الشيوعي السوفياتي قبل ارتداده عن الحزب).
 
بوتين وعندما خدم في الـ"كي. جي. بي" كان تلميذاً لأندروبوف (الذي تولى الأمانة العامة للحزب فترة قصيرة-بضعة أشهر-ثم داهمه المرض، ويقال أنه توفي مسموماً، من قبل المرتبطين مع الغرب من قيادة الحزب). أندروبوف هو الذي تصدى للغرب في فترة تسلمه للزعامة، وهو الذي حارب التسيب والبيروقراطية والفساد المستشري في أوساط الحزب والدولة، ومن معطفه خرج بوتين، الذي هو بالفعل جعل من روسيا وريثاً للاتحاد السوفياتي.
 
ورغم احتلاله لمركز الظل إبان تسلمه لرئاسة الوزراء بعد دفعه لصديقه وزميله ميدفيديف لمنصب الرئاسة (بسبب من عدم جواز الترشح لفترة رئاسية ثالثة على التوالي)، ظل بوتين هو صاحب القرار الأول في روسيا، ففي الأسس التي اعتمدت عليها السياستان الداخلية والخارجية كان الاتفاق كبيراً بين الزعيمين. التعارض بينهما كان ثانوياً في أغلب الأحيان، وإن صدف واختلفا فإن بوتين هو من يتخذ القرار.
 
نقول عن بوتين: بأنه أشبه بالشيوعيين رغم عدم انتسابه للحزب، لأنه أعاد الأمن إلى روسيا في كل بقاعها ومدنها وقراها وسهوبها الشاسعة، من فلاديفستوك حتى أقاصي سيبريا، ومن أقصى الشرق على حدود الجمهوريات الإسلامية إلى أقاصي الغرب على الحدود مع فنلندا وجمهوريات بحر البلطيق. الأمن الذي أعاده بوتين إلى ربوع روسيا كان بعد مرحلة تسيب وانفلات للأمن من عقاله، وبعد سيطرة مطلقة للمافيات التي حكمت روسيا فعلياً في عهد يلتسين، بوتين أعاد مؤسسات القطاع العام كالصناعات الثقيلة والمؤسسات البترولية وكافة القطاعات التصنيعية الأخرى إلى الدولة، بعد أن جرى بيعها بثمن التراب في عهد سلفه.
 
بوتين تمكن من القضاء على الإمبراطوريات المالية أو ما اصطلح على تسميته بـــ"الطغمة الأوليغاركية" في روسيا، وأعاد للدولة هيبتها، وتمكن من استخلاص الأموال من المليارديريين الصهانية، الذين حاولوا السيطرة فعلياً على الاقتصاد الروسي، أعاد إليهم رؤوس أموالهم وصادر الباقي، ومن رفض منهم هذه المعادلة، تم سجنه. منذ تلك اللحظة ولأسباب أخرى داخلية وخارجية غيرها ( سنتطرق إليها لاحقاً) قامت قيامة الغرب وبخاصة في الولايات المتحدة على بوتين، فجرى اتهامه بالدكتاتورية المطلقة وبخنق المعارضة والتآمر عليها، وجرى اتهامه وحزبه، حزب روسيا الموحدّة بتزوير الانتخابات وبخاصة إبّان فترته الرئاسية الثانية، رغم أن المعارضة في روسيا تسبح في فضاء الديموقراطية الروسية، فتقوم بكافة نشاطاتها ومهرجاناتها واجتماعاتها، ولها منابرها وفضائياتها وصحفها واتصالاتها، وتمتد المعارضة الروسية من أقصى اليسار كالحزب الشيوعي بزعامة زيوغانوف مروراً بأحزاب الوسط وممثلها في الانتخابات الرئاسية سيرغي ميردونوف، وهي تضم العديد من الليبراليين والقوميين واتجاهات الوسط، وزعيمها المعروف هو فلاديمير ريجكوف (الذي نظم مظاهرات سابقة بمئات الآلاف في أشهر ساحات موسكو)، وصولاً إلى أقصى اليمين كالحزب الشعبوي بزعامة فلاديمير جيرونوفسكي: أي أن نشاطات المعارضة غير مقيدة، وهي تمتلك مطلق الحرية في كافة نشاطاتها بما في ذلك فرز مرشحين للانتخابات الرئاسية، وتمكنت من إنجاح مرشحين لها في الانتخابات التشريعية الماضية.
 
بوتين أعاد للقومية الروسية هيبتها بعد أن وصلت روسيا في عهد يلتسين إلى دولة عالمثالثية، فالولايات المتحدة والغرب عموماً تعامل معها كدولة من دول العالم الثالث، قدم لها المساعدات المالية لشراء مواقفها وابتزّها. وصلت الأمور آنذاك بالمواطن الروسي العادي من الفقر إلى الحد الذي اضطر فيه من بقي حياً من أبطال الحرب العالمية الثانية من الروس، إلى بيع نياشينهم التي أُهديت لهم على شجاعتهم من أجل لقمة الخبز، واضطر عشرات الآلاف من الروس إلى الشحاذة، وباتت محطات المترو بيوتاً لكل المشردين.... إلى آخر هذه المظاهر التي لا تليق بدولة مثل روسيا. بوتين قضى على هذه المظاهر وأعاد للجمهورية الفيدرالية هيبتها، وللمواطن الروسي كبرياءه، وعنفوانه، وأصبحت الخزينة الروسية في عهده، تمتلك فائضاً من الأموال.
 
بمجرد ظهور نتائج الانتخابات الروسية بشكلها الأولي، بدأت المعارضة الروسية بالزعيق وترديد أسطوانتها المعهودة: بتزوير الانتخابات، ذلك رغم وجود المراقبين الدوليين، ورغم وجود كاميرتين مسلطتين على الصندوق في كل مركز اقتراع انتخابي، ويمكن لمن يريد، رؤيتها على الإنترنت. نقول ذلك بموضوعية كبيرة وعن معرفة تفصيلية بما جرى وكل ما يجري في روسيا، فالغرب عموماً أصبح فجأة حامي حمى المعارضة، والحريص على الديموقراطية في روسيا! رغم أن أبواقه لم تُصدر تصريحاً واحداً عندما قام يلتسين (حبيب الغرب) بقصف الشرعية الروسية بالمدافع والصواريخ، عندما وجهها الى مجلس النواب (الدوما) في عام 1991!. الحقد على بوتين في الغرب وبخاصة واشنطن، بلغ أشدّه!
 
أما الأسباب التي زادت من حقد الغرب على بوتين (والتي وعدنا بالتطرق إليها) فأبرزها: أن بوتين يتعامل مع الغرب كنِّد له، فهو الداعي إلى تسليح روسيا، وهو الذي يقف ضد الدرع الصاروخي للناتو، الذي جرى نصب الكثير من صواريخه في بعض البلدان المحيطة بروسيا، الأمر الذي حدا ببوتين إلى تهديد هذه الدول. ولأنه حارب (معشوق) الغرب سيكاشفيلي في ما اصطلح على تسميته بــ"الحرب الجورجية-الروسية" ولأنه وقف في مجلس الأمن ضد تدويل الأزمة السورية، وللكثير الكثير من الأسباب الأخرى الشبيهة.
 
كثيرون من المراقبين (الذين لا يعرفون روسيا حكما) يتوقعون بأن يُقدِم بوتين على صفقة مع الغرب: بمراعاة الخطوات السياسية لواشنطن والعواصم الغربية، مقابل غض الطرف من قبل الغرب عن تأييد المعارضة الروسية. بوتين هو أبعد ما يكون عن القبول بمثل هذه الصفقات. يكفي أن بوتين سيخلق من روسيا قطباً موازياً جديداً للولايات المتحدة، بما يعنيه ذلك من عودة الحرب الباردة، وحكما ستتأثر منطقتنا وقضايانا العربية، إيجابا بعودة بوتين الى السلطة.

التعليقات