10/03/2012 - 03:14

«قانون المواطنة.. فرّق ولن تسُد!»/ هبة يزبك

ان ادعاءات اسرائيل لدعم القانون من منطلق اعتبارات “أمنية” هي ادعاءات واهية، فعدد ضئيل تم اتهامهم بتهم “أمنية” من الذين تم الموافقة على طلبهم للم الشمل، فهذا القانون هو جزء من السياسة الهادفة لتقطيع أوصال الشعب الواحد وتجسيد للهلع الديمغرافي للحفاظ على الاغلبية اليهودية بكل طريقة ممكنة.

«قانون المواطنة.. فرّق ولن تسُد!»/ هبة يزبك
قامت محكمة العدل العليا مؤخراً بالتصديق على تعديل قانون المواطنة الذي سن عام 2003، بحيث يمنع إقامة حياة عائلية للمواطنين الفلسطينيين في الداخل في حالة الزواج من فلسطينيي الضفة الغربية وغزة أو مواطني العراق أو سوريا أو لبنان أو ايران والتي يعرفها القانون الإسرائيلي على أنها "دول عدو".
 
إن سن مثل هذا القانون العنصري بامتياز والذي لا ينتهك اتفاقيات حقوق الإنسان وحقوقه الأساسية فحسب، بل يضربها بعرض الحائط أمام "ذعر" الأمن القومي كما صرح القاضي اليميني الجديد غرونيتيس: " حقوق الإنسان ليست وصفة للانتحار القومي"! بحيث بات واضحاً أن وصفات حقوق الإنسان حتى اليوم لم تنجح في حرق الطبخة الصهيونية لاقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم!
 
إن اقتراح وسن عشرات القوانين العنصرية المتتالية في السنوات الأخيرة ما هو إلا انعكاس متبادل لوضع الشارع الإسرائيلي وقيادته المتمثل بالأحكام والقوانين الصادرة. إن الحاجة المرتجفة المستمرة للدولة لفرض واقع "الغيتو" على الفلسطينيين في داخل أراضي ال 48 وتشديد الحصار عليهم ما هو إلا دليل على تعميق حالة الفلسطنة في أوساط الفلسطينيين وفشل مشروع الأسرلة فشلاً ذريعاً، ليتمثل هذا الارتجاف في سلسلة القوانين العنصرية التي ميّزت الائتلاف الحكومي اليميني الحالي المتمثلة بقانون النكبة ومنع إحيائها في المؤسسات التي تتلقى الدعم الحكومي، و"قانون المقاطعة" الذي يخالف من يدعو لمقاطعة إسرائيل أكاديمياً أو اقتصادياً أو ثقافياً، واقتراح قانون حظر رفع الآذان، وقانون الولاء، قانون مكافحة الإرهاب، وتعريف إسرائيل على أنها دولة القومية اليهودية وإلغاء الصفة الرسمية عن اللغة العربية، فرض الخدمة المدنية، وقوانين متعددة تمنح الامتيازات لمن أدوا الخدمة العسكرية، طبعاً ناهيك عن المطالبة المستمرة لليبرمان واقتراحاته لطرد الفلسطينيين من أراضيهم تماشياً مع اقتراح قانون كلاينر قبل بضع سنوات الداعي لتوفير الدعم المادي للفلسطينيين لحثهم على الهجرة من البلاد إلى الدول العربية المجاورة، هذا إضافةً لاقتراح مشروع قانون تحديد تمويل المنظمات اليسارية وغيرها من القوانين المقترحة.
 
لا شك أن سن مثل هذه القوانين الهادفة لتضييق الخناق على الفلسطينيين في الداخل والحد من إمكانيات ممارسة الانتماء والهوية الفلسطينية ما هي إلا تعبير عن تنامي سياسة الفصل العنصري والتمييز على أساس قومي وعرقي بحق الفلسطينيين، ليكون القانون الأخير المصدق عليه، قانون المواطنة المشتت لشمل العائلات الفلسطينية، من أقصاها عنصرية بحيث لا مثيل له في أي دولة ديمقراطية في العالم، وكانت قد أدانته منظمات حقوق إنسان عالمية ولجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وطالبت بإلغائه.
 
وعلى النساء أشد مضاضة..
 
يمنع القانون بالأساس المواطنين الفلسطينيين من بناء عائلة مع من يرغبون، ويمنع الروابط الأسرية والاجتماعية مع أبناء الشعب الواحد، وَيُعتَبر مساً مباشراً في الحقوق الأساسية كالحق بالمساواة، الحق في الزواج وتكوين أسرة، هذا وبالرغم من قسوة القانون على آلاف العائلات التي يمسها بشكل مباشر ويمنع وحدتها فهو يعتبر أكثر قسوةً على النساء الفلسطينيات المواطنات في إسرائيل، بحيث يعانين معاناة مضاعفة جراءه؛فهن لسن فقط متضررات قانون وضحايا تشتيت شمل، بل هن أيضاً نساء مستضعفات في واقع حياة ذكوري يفرض عليهن معاناة إضافية، بحيث أن عملية فصل النساء عن أطفالهن أو أزواجهن من سكان المناطق الفلسطينية المحتلة عام 67 أو من بلدان عربية مجاورة تؤثر تأثيراً مباشراً على وضعيتهن كون التقاليد والمفاهيم المجتمعية لا زالت تتعامل بتمييز ضد النساء المطلقات أو اللواتي يعشن كأم وحيدة ويتم التعامل مع مكانتهن بدونية، هذا إضافةً إلى صعوبة إيجاد أماكن عمل تناسب المرأة لتعيل نفسها وتعيل عائلتها في حالة كان المعيل الاقتصادي الوحيد في البيت هو الزوج وقد تم إبعاده. ناهيك عن الضغوطات النفسية والاجتماعية التي تعيشها نتيجة الفصل القسري عن الزوج. إن مجرد القلق من التهديد بالانفصال، يؤدي إلى توتر متواصل في العائلة وقد يصل في عدة حالات للعنف داخل العائلة تكون النساء ضحيته!
 
 كنتيجة للوضعية الصعبة التي قد تواجهها المرأة نتيجة فصلها عن زوجها، في عدة حالات تضطر للانتقال والعيش مع زوجها في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 67 أو الدول العربية، خاصةً حين وجود أطفال، الأمر الذي يؤدي إلى فقدانها حقوقها ومخصصاتها الاجتماعية في البلاد، في حين يكون الاحتمال أقل لدى الرجال الفلسطينيين مواطني إسرائيل بنقلهم للعيش مع زوجاتهم في الدول العربية أو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67.
 
إن معاناة النساء جراء قانون المواطنة العنصري، هي جزء من المعاناة العامة التي تواجهها النساء في ظل الاحتلال، ونتيجة وجودها في مناطق الصراع والنزاع، فالمعاناة تصبح مضاعفة، تارةً جراء الاحتلال والعنصرية وإسقاطاتها، وتارةً جراء المفاهيم المجتمعية المجحفة التي تكرّس مكانتها المتدنية وتؤجل قضاياها إلى ما بعد القضايا القومية وهومها.
 
إن ادعاءات إسرائيل لدعم القانون من منطلق اعتبارات "أمنية" هي ادعاءات واهية، فعدد ضئيل تم اتهامهم بتهم "أمنية" من الذين تمت الموافقة على طلبهم للم الشمل، فهذا القانون هو جزء من السياسة الهادفة لتقطيع أوصال الشعب الواحد وتجسيد للهلع الديمغرافي للحفاظ على الأغلبية اليهودية بكل طريقة ممكنة.
 
إن مواجهة القوانين والسياسات الإسرائيلية العنصرية ومن ضمنها قانون المواطنة العنصري، بحاجة لوضع إستراتيجية واضحة المعالم وموحدة لدى الفلسطينيين في الداخل وقياداتهم، فعملية التصدي لهذه القوانين تحتاج لعصيان جماعي وتصعيد في النضال الشعبي، وعدم الاكتفاء بالأدوات القانونية، بحيث أن التصعيد في القوانين العنصرية هو نتاج ورد فعل لحالة الوعي الفلسطيني والخطاب العام المشدد على وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والضفة وغزة والشتات، ونتاج لارتفاع الانتماء للهوية الفلسطينية ثقافياً وقومياً وفشل المشروع الإسرائيلي وقوانينه بتدجين الفلسطينيين وخلق أجيال متماهية مع علمه وقيمه وهويته! الأمر الذي يؤدي بالدولة ومؤسساتها لسياسة التضييق والفصل والخنق، لتسن قوانين أكثر عنصرية مع الوقت غير آبهة وغير متماشية مع الطبيعة الإنسانية للشعب الفلسطيني وتاريخه مستمرةً في الحالة الصدامية مع مواطنيها الفلسطينيين، بما يؤدي لانحسار الأفق وازدياد حالة الفلسطنة في أوساط فلسطينيي الداخل، في وضعية من الاغتراب الكامل المتواصل عن الدولة ومؤسساتها، التي باتت تهدد المكانة المدنية للفلسطينيين وتلاحق مواطنتهم بعد أن فشلت في المس بهويتهم القومية أو زعزعتها، ليزداد الخناق على الفلسطينيين على صعيد المواطنة وممارساتها كما على الهوية القومية بمركباتها وتجلياتها.

التعليقات