15/03/2012 - 12:06

فَتّش عن المرأة../ نبيل أرملي*

تحديد الهدف هو الخطوة الأولى في الطريق إلى تحقيقه. وفي هذه الحالة الهدف واضح، إيجاد توفير فرص عمل لسبعين ألف امرأة عربية. التنفيذ يقع على الجميع، ولا تظنن أن دورنا كمجتمع عربي ينتهي في تحديد الهدف والمطالبة بتحقيقه، ولهذا الموضوع حديث آخر

فَتّش عن المرأة../ نبيل أرملي*
تعتبر مشكلة عدم مشاركة النساء العربيات في سوق العمل وصمة العار الأكبر على الاقتصاد العربي والاقتصاد الإسرائيلي أيضا. وعلى الرغم من كثرة الإحصائيات التي تتحدث عن الأمر والتي تجمع كلها على أن نسبة تشغيل النساء العربيات في سوق العمل الإسرائيلي لا تتعدى 25% في أحسن الأحوال، إلا أن تعامل غالبية الأطراف، الرسمية وغير الرسمية، مع هذا المُعطى بهذا المستوى من الاستخفاف والتهميش يدل على جدية نظرتهم إلى المرأة العربية ومدى استيعابهم لتأثيرها على واقع الاقتصاد العربي والاقتصاد الإسرائيلي أيضا.
 
نبدأ بالأرقام المقارنة: نسبة مشاركة النساء العربيات في سوق العمل الإسرائيلي تقل عن نسبة مشاركة النساء في أسواق العمل في مصر (36%)، الأردن (28%)، السودان (36%)، قطر (42%)، اليمن (31%) وفي باقي الدول العربية باستثناء العراق والتي تراجعت فيها نسبة تشغيل النساء عن 20% بسبب الحروبات التي مرت بها الدولة منذ 20 سنة والتي دمرت البنية التحتية الاقتصادية بما فيها البنية البشرية أيضا. نسبة مشاركة النساء اليهوديات في سوق العمل الإسرائيلي تتجاوز 57%، نسبة مشاركة النساء اليهوديات المتدينات (الحريديم) بلغت 60% سنة 2011. نسبة مشاركة النساء في الدول الغربية تفوق 60% في غالبية الدول. حتى في أفغانستان، الدولة التي حكمتها أكثر السلطات تخلفا في التاريخ الحديث، وصلت نسبة مشاركة النساء في سوق العمل فيها بحسب إحصائيات البنك الدولي 33%!
 
ماذا تعلمنا هذه المعطيات إذا؟ إنها تدل على أن الادعاء الأساسي الذي تتغنى به السلطة المركزية، وعلى رأسها وزير المالية، بأن السبب الرئيسي لعدم خروج النساء العربيات للعمل هو "العامل الثقافي"، هو ادعاء فارغ وعنصري وبعيد كل البعد عن الواقع. فهل النساء العربيات في البلاد أكثر محافظة من النساء في أفغانستان؟! وهل الأزواج أو الآباء العرب في إسرائيل أكثر رجعية من الرجال في دول الخليج أو حتى في إيران التي تشارك فيها كل امرأة من ثلاث في سوق العمل؟! وهل يُعقل أن تكون المرأة العربية في مجتمعنا في قمة الانفتاح عند يتعلق الأمر بالإقبال على التعليم (52% من الفتيات العربيات مستحقات لشهادة البجروت) بينما تتحول إلى امرأة من القرن التاسع عشر عندما تدق ساعة العمل؟
 
السبب الرئيسي الذي يمنع خروج المرأة العربية في البلاد إلى سوق العمل هو عدم وجود عمل لتخرج إليه! فرص التشغيل المُتاحة للمرأة العربية شبه معدومة إن كان في القطاع العام أو في القطاع الخاص. سوق التشغيل في البلدات العربية يُرثى له، القطاع العام بوزراته ومؤسساته وسلطاته المُختلفة موصود في وجه العرب عامة، رجالا ونساء.
 
إذا رغبت المرأة العربية في العمل خارج البلدة التي تقيم فيها واجهتها مشكلة المواصلات والتنقل، وإذا تغلبت على مشكلة التنقل واجهتها مشكلة رعاية الأطفال لأن دور الحضانات للطفولة المبكرة شبه غائبة في المجتمع العربي، كما أن يوم التعليم في المدراس العربية قصير حيث ينتهي دوام غالبية المدارس في ساعات الظهيرة ولا يكون أمام الأم أي مفر سوى البقاء في البيت لرعاية العائلة. لن نتحدث هنا عن مشكلة مستوى التعليم ولا عن المهارات الشخصية المطلوبة فكل هذه الأسباب تهون مقارنة بالمشكلة الأساسية وهي غياب أماكن العمل.
 
إن تغيير الوضع المتعلق بنسبة مشاركة المرأة العربية في سوق العمل هو المفتاح الأساسي لتغيير الواقع الاقتصادي للعرب في البلاد. يبلغ عدد النساء العربيات المشاركات في سوق العمل الإسرائيلي نحو 75 ألف إمراة يشكلن ما نسبته 20% تقريبا من مجموع النساء العربيات بين جيل 18 – 67، أي جيل المشاركة في قوة العمل.
 
في المقابل، 53% من العائلات العربية مُعرفة كعائلات تعيش تحت خط الفقر (163 ألف عائلة). وتُعرف العائلة كفقيرة إذا كان دخلها الإجمالي أقل من 6000 شاقل تقريبا (عائلة مكونة من 5 أنفار). غالبا ما تحصل العائلات الفقيرة على دخلها من معيل واحد، وفي مجتمعنا العربي لا يختلف الأمر.
 
إن مجرد رفع نسبة مشاركة النساء العربيات في سوق العمل إلى 40% يعني إخراج نصف العائلات العربية تقربيا من دائرة الفقر. فلو فرضنا أن متوسط الأجور الذي ستحصل عليه تلك النساء اللواتي سينضممن إلى سوق العمل كان الحد الأدنى للأجور، أي نحو 4500 شاقل، فإن دخل نسبة كبيرة من الأسر الفقيرة سيتضاعف تقريبا فتخرج من دائرة الفقر وترفع جودة حياتها إلى مستوى يتعدى تلبية الاحتياجات الأساسية بل يشمل أيضا رفاهية معينة في الحياة اليومية.
 
تحديد الهدف هو الخطوة الأولى في الطريق إلى تحقيقه. وفي هذه الحالة الهدف واضح، إيجاد توفير فرص عمل لسبعين ألف امرأة عربية. التنفيذ يقع على الجميع، ولا تظنن أن دورنا كمجتمع عربي ينتهي في تحديد الهدف والمطالبة بتحقيقه، ولهذا الموضوع حديث آخر.

التعليقات