14/04/2012 - 12:56

العودة ومشاريع التسوية../ نمر برانسي*

قامت اسرائيل بارتكاب أكبر عمليّة تطهير عرقي وجرائم حرب، شهدها التاريخ المعاصر إبّان نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، ويعاقب عليها القانون الدولي (من المفروض)، فالمجازر والتهجير والنهب وبقايا مدن وقرى ومهجّرون بالشتات ومفتاح بيت بيد كهل أضناه التعب، وأجهده الترحال وأعياه المرض، تكفي وتختزل سرد قصة شعب وحكاية لجوء مذلة، يتم التنكر لها من خلال مشاريع التسوية المختلفة، ورفض التعامل مع قرار 194 على انه المرجعية القانونية للحل

العودة ومشاريع التسوية../ نمر برانسي*
قامت اسرائيل بارتكاب أكبر عمليّة تطهير عرقي وجرائم حرب، شهدها التاريخ المعاصر إبّان نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، ويعاقب عليها القانون الدولي (من المفروض)، فالمجازر والتهجير والنهب وبقايا مدن وقرى ومهجّرون بالشتات ومفتاح بيت بيد كهل أضناه التعب، وأجهده الترحال وأعياه المرض، تكفي وتختزل سرد قصة شعب وحكاية لجوء مذلة، يتم التنكر لها من خلال مشاريع التسوية المختلفة، ورفض التعامل مع قرار 194 على انه المرجعية القانونية للحل.
 
ويغرّد البعض على أن معظم اللاجئين، لا يرغبون بالعودة، ولو أعطوا تعويضا مناسبا وبعض الامتيازات والتوطين في دول اللجوء، لتنازلوا عن هذا الحق وأقفل الملف.
 
كل طفل فلسطيني يعلم أن هذا الحق هو حق شخصي وجماعي، غير قابل للتصرف، وهو من الحقوق الثابتة والراسخة كالحقوق الطبيعيّة، لا ينقضي بمرور الزمن ولا يخضع للمفاوضات والمماحكات والثرثرة الكلامية، ولا يمكن التنازل عنه أو يسقط بالتقادم أو يتعرّى أو يغيّر مفاهيمه في أي معاهدة أو إتفاقية، حتى لو وقّعت من قبل جهة تمثل الفلسطينيين أنفسهم أو تدّعي تمثيلهم، وعلى المجتمع الدولي تقديم كل أنواع المساعدات وأشكالها لإحقاق هذا الحق.
 
لكن القضية الفلسطينية عامة (وحق العودة بوجه خاص)، تشهد عدم اهتمام صارخ من قبل مبلوري الرأي العام في الصحافة والإعلام العالمي والعربي في ظل الأحداث الراهنة، فثورات العالم العربي ومسألة إيران وكوريا والسودان ومالي وحتى وفاة الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بيلا (رحمه الله) استحوذت على المشهد الإعلامي، وأقصت القضية الفلسطينية برمّتها إلى الهوامش التي كانت ضيقة أصلا، وحق العودة إلى خارج الهامش.
 
بطبيعىة الحال علينا قبول ذلك وتفهم الأمور، لكن لا يمكن بأي حال فهم أو تفهّم مشاريع المنحى التراجعي المتهاوي والمتهافت من قبل البعض وخاصة ممن يفترض أنهم قيادات وأصحاب قضية.
 
فمنذ أوسلو إلى خارطة الطريق وما قبلهما وبعدهما من اتفاقيات وتفاهمات ووثائق، كوثيقة جنيف ( بيلين – محمود عباس ) ووادي عربه وطابا وكامب ديفيد (2) وخطة الهدف (أيالون – نسيبه) وتبعات ذلك كإلغاء بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني وتعديل الآخر، وما لحقه من تطبيع وتوطين، أدّى لاستفحال ظاهرة ازدواجية المعايير بالأمم المتحدة، وفتح الشهيّة على مشاريع التفريط والتنازلات اللامتناهية عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإضعاف ورقة النضال والتسليم بالحلول المطروحة أمريكيا، أوروبيا وإسرائيليا، بدعم وتواطؤ من جهات عربية وفلسطينية ذات مصالح شخصية وآنية ضيّقة.
 
ففي اوسلو 1993، ثمّ القفز عن قضية اللاجئين بطريقة سلسة وذكية، حينما ذكر انه من المفهوم ضمنا بأن مسألة اللاجئين،القدس،المستوطنات،الترتيبات الأمنية والحدود سيتم نقاشها بعد سنة من المرحلة الانتقالية وان نتيجة المفاوضات على الوضع النهائي لن تكون مرهونة ومتأثرة باتفاقات ثمّ التوصل اليها بالمراحل السابقة، اي أن قضية اللاجيئن وحق العودة سيتسامى تلقائيا، وهذا الحاصل لغاية الآن بكل أسف،فهذة واحدة من تبعات اوسلو العظيم.
 
وعلى أثر كامب ديفيد 2000 ( ابو عمار – براك ) خرج الفلسطينيون من مختلف التيّارات السياسيّة مطالبين القيادة الفلسطينية بدعم حقوق اللاجئين وعلى رأسها حق العودة والتعويض، وذلك بسبب تعنث المفاوض الاسرائيلي والتنكّر لهذا الحق اثناء المفاوضات والذي شدّد على ان العودة ستكون لحدود 67 ( الافتراضية بطبيعة الحال) وباعداد ما بين 10000-100000 فلسطيني مع التركيز اكثر على فكرة التعويض، وكان الرئيس الامريكي بيل كلينتون ربيب المؤتمر، قد مارس ضغوطا كبيرة على القيادات الفلسطينية بدعم بعض الدول العربية لقبول فكرة التوطين لفلسطنيي الشتات، محاولا تفريغ قرار 194 من مضمونه، وتحريف نصّه وتقديمه بمصطلحات تتناقض مع روحه.
 
وذات صباح ربيعي في العام 2003 وعلى فنجان قهوة (إسبرسو)، طالعانا بيلين ومحمود عباس على وثيقة جنيف التي اكّدت مرة اخرى على الاتفاقات السابقة باختزال حق العودة وتسطيحه بالكامل، كما فعلت ذلك خارطة طريق بوش الأبن على قارعة طريق التفاوض العبثي، اذ تمت الاشارة بوجوب الاتفاق على حل عادل ومنطقي لقضيّة اللاجئين والتشديد على "حل منطقي" لان المنطق البوشي الأمروإسرائيلي لا يختلف عن سابقيه، وفي هذا السياق تمّ ضرب مسألة حق العودة، والذي يشكل لب وجوهر القضيّة الفلسطينيّة، كمعيار ومقياس لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولسقوط هذا المعيار تداعيات خطيرة على مجمل القضيّة، وستفتح الابواب على قبول تفسيرات لباقي القرارات، مما يشكّل مسّا خطيرا بالحقوق الاخرى وسابقة قد يكون لاسقاطاتها علامات ودلائل ومؤشرات سلببية ستضر بالضرورة بمجمل القضيّة في سياقات متعدّدة.
 
ان معركة الدفاع عن الحقوق الفلسطينيّة وعلى رأسها حق العودة،هي مصلحة وطنيّة، تتّخد اشكالا مختلفة وأساليب متعدّدة لتعزيز الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة، وحمايتها من التشرذم،وخاصة في ظل الفراغات الحاصلة بفضاءات العمليّة السياسية، فتعزيز الهويّة نابع من تعزيز النضال للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده.
 
فعلى الصعيد الداخلي، نحن مطالبون وبقوّة، بالابتعاد عن المواقف المتميّعة والبدء بالبحث عن اساليب نضاليّة جديدة اضافة للاساليب المتّبعة، لأن الأصوات التي تجاهر بمواقف سلبية بدعوى عدم الواقعيّة، واستحالة امكانية التطبيق، (وكأن هذا الحق هو تذكرة طيران او رخصة قيادة سيّارة، ينتهي مفعوله بعد زمن محدّد )، هي اصوات نشاز آخذة بالتكاثر والتزايد على طريقة الأميبا، وعلينا فضحها وعزلها والتصدّي لها،وهذا ممكن بالتراكم النضالي الفاعل والمقنع،فكلنا نعلم ان هذا الحق لن يفرّط به حتّى لو دمّرت الحدود وضاعت المعالم، وأقتلع الصبر والزيتون، وتم محو المكان من الخرائط وحتى من ذاكرة البعض، فإن الذاكرة الجمعية المتوقّدة ستنتصر، والواقع هو الاقوى، وعلينا عدم التفريط والتنازل والتسليم، والوقوف على الثوابت والتفولذ بالمواقف، فلا يصح الا الصحيح، ولن يضيع حق وراءه مطالب، والعودة حق.

التعليقات