21/04/2012 - 11:54

عن رسالة لا لزوم لها ولا معنى../ ماجد كيالي

الفلسطينيون أحوج إلى رسالة كهذه تشرح لهم فيها قيادتهم، أيضاً، دواعي تشبثها بعملية تفاوضية طويلة ومضنية ومهينة ومن دون جدوى، وطريقة إدارتها لها، ونقاط الاتفاق التي توصّلت إليها في مفاوضات الغرف المغلقة مع الإسرائيليين، والتي تسمى أحياناً اتفاق "رفّ"، وأحياناً تفاهمات، وفي بعض الأحيان "الورقة"!

عن رسالة لا لزوم لها ولا معنى../ ماجد كيالي

وأخيراً بعث الرئيس أبو مازن برسالته العتيدة إلى رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو. لكن، كان الأجدر أن يبعث برسالة إلى شعبه يصارحه فيها بالواقع الذي تعيش فيه قضيته الوطنية، بما في ذلك موازين القوى، وما هو ممكن وغير ممكن في ظل المعطيات الدولية والإقليمية الراهنة، والخيارات المتاحة أو التي يمكن شقّها بناء على ذلك. 

حقّاً الفلسطينيون أحوج إلى رسالة كهذه تشرح لهم فيها قيادتهم، أيضاً، دواعي تشبثها بعملية تفاوضية طويلة ومضنية ومهينة ومن دون جدوى، وطريقة إدارتها لها، ونقاط الاتفاق التي توصّلت إليها في مفاوضات الغرف المغلقة مع الإسرائيليين، والتي تسمى أحياناً اتفاق "رفّ"، وأحياناً تفاهمات، وفي بعض الأحيان "الورقة"! 

كذلك فإن الفلسطينيين، على الصعيد الداخلي، بحاجة إلى توضيحات من قيادتهم في شأن السبب الذي من أجله جرى تهشيم منظمة التحرير، بأطرها ومؤسّساتها، لمصلحة كيان السلطة، وكذا سبب غلبة الأجهزة الأمنية في هذه السلطة، والشبهات الوطنية والمسلكية والمالية التي تحوم حول كثير من النافذين فيها.  

وهؤلاء الفلسطينيون، في أماكن وجودهم كافة، الذين دفعوا ثمنا باهظاً نتيجة صعود حركتهم الوطنية، يشعرون اليوم بأن ثمة فجوة كبيرة باتت بينهم وبين قياداتهم وكياناتهم السياسية، التي ذهبت إلى السلطة، من دون أن تحقّق الدولة، أو الاستقلال الناجز، والتي باتت تتصارع في ما بينها، قبل التحرّر من الاحتلال، بدلاً من توحيد الجهود في مواجهته! ليس مطلوباً من أبو مازن أن يشهر الكفاح المسلّح، عوضاً عن رسالته، فليس ثمة طاقة لذلك، لا مادية ولا معنوية، فضلاً عن أن التاريخ قال مقولته في هذا الطريق، بعد أن بات هذا يسري على "فتح" و"حماس"، في الضفة وغزّة. والمشكلة ليست هنا، فحسب، وإنما تكمن أساساً في أن القيادات والكيانات السائدة لم تهيئ شعبها لأية خيارات سياسية بديلة، ولم تؤهّلها لانتهاج أية طرق نضالية أخرى، بل إن التجربة تؤكد تحفّظ السلطة، في الضفة وغزة، على أي شكل من أشكال المقاومة الشعبية والسلمية. 

الأنكى أن الرئيس في رسالته يؤكد التزامه بوقف "التحريض" ضد إسرائيل وهو أمر غريب جداً، فما معنى التحريض؟ ثم إننا هنا نتحدّث عن شعب يعاني منذ عقود من الاحتلال والاضطهاد وسلب الحقوق، وعن أمر يتعلّق بحرية الرأي والتعبير، بخاصّة أن ثمة إسرائيليين يهوداً يتحدّثون بصوت أعلى من الرئيس. فماذا سيقال لأمثال أبرهام بورغ وإيلان بابه وجدعون ليفي وعميره هس وأمنون راز وإسحق لاؤور وغيرهم، من دون أن ننسى فلسطينيي 48 الذين يقاومون مسعى المؤسسة الرسمية الإسرائيلية لفرض روايتها عليهم. فوق ذلك ما قيمة ما يسمى "تحريضا" يقوم به فلسطينيون في مقابل استمرار الاحتلال ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات وبناء الجدار الفاصل ونشر الحواجز الأمنية وتفكيك تواصل الفلسطينيين واعتقالهم تعسّفياً وتنكيد عيشهم وحرمانهم حتى من الوصول إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى وفي كنيسة القيامة! 

أيضاً، ليس مطلوباً من أبو مازن الذهاب إلى حدّ حلّ السلطة وتسليم مفاتيحها إلى إسرائيل والمغادرة إلى البيت (على ما صرّح ذات مرّة)، وكأن ليس ثمة مسؤول عما وصلنا إليه، أو كأن كل ما حصل هو مجرّد قدر مرسوم، أو كأنه لا يمكن تغيير المسار! 

منذ البداية، أي منذ ما قبل أوسلو (1993)، وعلى طول الطريق، كان ثمة خيارات بديلة، وموازية، فقد كان ثمة خيار الحفاظ على المنظمة، ككيان لكل الفلسطينيين، وترك أمر المفاوضات، وبعدها السلطة، إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. كما كان بالإمكان، أيضاً، عدم التماهي أو عدم الجمع بين رئاستي السلطة والمنظمة. بمعنى آخر فإن كل الخيارات التي جرى انتهاجها، طوال العقدين السابقين، جرى تحديدها من قبل بشر، وتم التشبّث بها عن سابق تصميم، كما تم إسكات كل معارضة لها. ثمة أوضاع ساعدت، أو سهّلت على القيادات الفلسطينية المعنيّة خياراتها، وطريقة إدارتها، وهيمنتها على المجال العام الفلسطيني، ضمنها حيازتها القوّة العسكرية والموارد المالية والعلاقات الإقليمية و"القبول" الإسرائيلي. 

لكن لا بد أن نلفت الانتباه هنا إلى أن ما يميّز القيادة الفلسطينية عن غيرها من قيادات النظم الرسمية العربية أنها تحظى بشرعية ثورية (من تاريخها السابق)، وأنها لا تعتمد في مواردها على شعبها، وإنما ثمة قطاعات شعبية واسعة تعتمد عليها، وأن هذه القيادة قويّة إزاء شعبها بحكم توزّعه وخضوعه لأنظمة كثيرة ومتباينة. هذا يفسّر "استقلالية" القيادات حتى عن شعبها، وتمتّعها براحة كبيرة في انتهاج سياسات وممارسات غير شعبية، فهي ليست مدينة لشعبها من ناحية الموارد، وليس لدى هذا الشعب الثقل اللازم لمساءلتها. 

هكذا، فطوال ما يقارب خمسة عقود لم تقدم الكيانات الفلسطينية ولا مرة على إجراء حساب تاريخي مع الخيارات والسياسات التي انتهجتها. 

لذلك كله فإن رسالة الرئيس أبو مازن إلى نتانياهو لا لزوم لها، وهي جاءت ساذجة، ومتأخّرة وخجولة، ولا جدوى منها، فضلاً عن أنها تتكشّف عن رسالة تستجدي الاحتلال. يقول الرئيس في رسالته: "كقادة، إننا نواجه معارضة وتشكيكاً. ويجب علينا أن يساعد بعضنا بعضاً في سعينا من أجل السلام. ونحن ندرك أن "العنف" و"الإرهاب" سواء ارتُكب من قبل الفلسطينيين أو الإسرائيليين لا يشكل الطريق... إنني آمل تفهمك بأن استمرار بناء الاستيطان ينزع ثقة الفلسطينيين بالتزامك تحقيق حلّ الدولتين. المنطق بسيط: إذا كنت تؤيد إقامة دولة فلسطينية: فكيف تبني على أراضيها؟!... نتيجة لسياسات الحكومات الإسرائيلية... فإن السلطة الفلسطينية لم يعد لها أي سلطة. وأصبحت من دون ولاية حقيقية في المجالات السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية، أي أن السلطة فقدت مبرر وجودها... السلطة الفلسطينية لم تعد كما اتفق عليه. هذا لا يمكن أن يستمر". 

الرئيس أبو مازن: التسويات تتحقّق بالغلبة أو بالتكافؤ في موازين القوى، أو بسبب نضج الطرف الظالم وإدراكه أهمية إنصاف المظلوم، أو بسبب تغير موازين قوى والمعطيات محيطة، أو بسبب مقاومة الضحية، أي الطرف المظلوم، وجعلها واقع الظلم مكلفاً. في وضعنا ترى إسرائيل أنها في احتلال مريح ومربح، لا شيء يدعوها للتسوية، وخصوصاً لا الاستجداءات ولا الاستعطافات.

التعليقات