28/04/2012 - 05:26

أم-الفحم وإعلانات إلغاء الآخرين/ ممدوح اغبارية

أخيرا نذكر إن الحركة الإسلامية اعتلت قيادة بلدية أم الفحم عن طريق دخولها معتركِ الانتخابات أحد أهم معالم الديمقراطية. وتقوم الحياة الديمقراطية على الإقرار بحالة الاختلاف والتنازع والصراع بين البشر. إذ أن الديمقراطية نظام اختلاف وضبط للتنازع. ويكمن الفرق بين الاختلاف الديمقراطي والاختلاف غير الديمقراطي في كيفية إدارة الاختلاف. وتتماثل الحالة غير الديمقراطية مع معالجة الاختلاف عن طريق العنف، واحتكار الحقيقة، وإقصاء الرأي الأخر، والتصفية الجسدية للمعارض، وتحريم التعددية، والوحدة الفوقية المفروضة بالقوة والإكراه ومصادرة الحق في الاختلاف

أم-الفحم وإعلانات إلغاء الآخرين/ ممدوح اغبارية

 

عادةً ما تناقش الفكرة الجدية الأيدلوجيات، وتناقش الفكرة المتوسطة الأحداث، ولا تتعدى الفكرة الصغيرة مناقشة الأشخاص. وقد استذكرت هذه الفكرة عندما قررت مناقشة ما حصل في أم الفحم مؤخرا من تمزيق للافتات أعلانية حملت وجوه نساء عندما مر بذاكرتي ذالك المشهد قبل أسبوعين تقريبا عندما شبت في لقاء تلفزيوني على الهواء مشادة ساخنة بين ممدوح إسماعيل، المحامي والنائب السلفي بمجلس الشعب المصري، و المخرج المصري خالد يوسف، حين اتهم الأول الأخير بالفجور والخروج عن القيم والعادات المصرية ، على رغم من إجماع العديد من المتابعين للقضية المصرية أن خالد يوسف تنبأ فى ثلاثة من أفلامه المهمة «هى فوضى» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» بثورة 25 يناير، حاملا رؤية المفكر المدقق لأحوال وطن يعانى مشاكل على جميع المستويات عبر فيها عن حالة مجتمع على وشك الانفجار.
 
وما أشبه البارحة باليوم. يقوم مجهولون بأم الفحم بتشويه لافتات دعائية وتقوم بلدية أم الفحم بدفاع عنهم ويردون حرفيا "علمنا بهذا الأمر الذي حصل في المدينة ونحن نتوجه إلى أصحاب المحلات التجارية بعدم وضع صور نسائية على اللافتات الإعلانية ، لان هذا الأمر يتنافى مع العادات والتقاليد الفحماوية التي تربينا عليها". وهنا تجدر الإشارة للمأزق الذي أفرزه الفكر السلفي الشمولي والأستئصالي الذي تقوده الحركة الإسلامية وتنميه في المدارس والجوامع وكل منابر مخاطبة الناس حيث يقوم هذا الفكر على أساس الإتباع , ونفى الإبداع والاختلاف ورفضه رفضا مطلقا من حيث المبدأ ، حيث لا يجوز أن تعلق صورة امرأة لا على صورة أعلانية ولا أن تصعد على خشبة مسرح ولا أن تشارك الرجل أي مجالات الفن والظهور في العامة.
 
وقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : 13]. وبذلك ينتفي التمييز العنصري، وتنفتح أبواب الوحدة الإنسانية البعيدة عن التعصب للجنس أو اللون أو الفكرة، أو العصبية الجاهلية بكل صورها، وبذلك تُزال الحواجز الجنسية والفكرية بين العباد وتوثق بينهم الوحدة الإنسانية على رغم من اختلاف المشارب الفكرية والمعتقدات بين التقدمية منها والدينية.
 
وقد اسلفنا في مقالات سابقة التحذير من مغبة الشمولية والغيبية في التفكير وما تؤدي أليه من نفي للأخر كما كتب العلامة العربي أبن خلدون وأشار إلى تلك  المناهج التفكيرية التيتدعو إليها اتجاهات ليس من أجل الإيمان بشرع الله وسنة نبيه،ولكن من أجل اعتلاء سدة الحكم ورئاسة بلا محاسب أو معقب من أحد،استناداً إلى أن الحكم الديني حكم استبدادي لا يقبل المناقشة لأنه يستمد شرعيته من السماء المنزهة عن الخطأ أو النقص،ولا يستمد هذه الشرعية من القانون الوضعي الذي يحتمل الصواب والخطأ،ويمكن مناقشته وتغييره وفق حاجات البشر.
 
أخيرا نذكر إن الحركة الإسلامية اعتلت قيادة بلدية أم الفحم عن طريق دخولها معتركِ الانتخابات أحد أهم معالم الديمقراطية. وتقوم الحياة الديمقراطية على الإقرار بحالة الاختلاف والتنازع والصراع بين البشر. إذ أن الديمقراطية نظام اختلاف وضبط للتنازع. ويكمن الفرق بين الاختلاف الديمقراطي والاختلاف غير الديمقراطي في كيفية إدارة الاختلاف. وتتماثل الحالة غير الديمقراطية مع معالجة الاختلاف عن طريق العنف، واحتكار الحقيقة، وإقصاء الرأي الأخر، والتصفية الجسدية للمعارض، وتحريم التعددية، والوحدة الفوقية المفروضة بالقوة والإكراه ومصادرة الحق في الاختلاف.
 
سويةً نجابه ونهزم عصابات التخلف والتملك التي تحاولُ الأستحواذ على حريتنا في المدينة منذ سنوات ، إذ أن سياط الجندِ لا تزيدُ حملة المبادئ والأفكار إلا تفانيا وإصراراٌ.

التعليقات