07/05/2012 - 13:07

قراءة في مواقف الاحزاب العربية من الثورات العربية (1\2)/ امطانس شحادة

اذ وقفت معظم قيادات الصف الأول في الحزب الشيوعي والجبهة الى جانب النظام السوري، مقابل عدد اقل من كوادر الحزب الى جانب الثورة. موقف الجبهة والحزب الشيوعي الرسمي عكس قبل كل شيء التزامهم الفكري الإيديولوجي الذي ما زال يرى ان العالم مقسم الى معسكرين، الشيوعي والرأسمالي، وان الرأسمالية الغربية وحلفائها من الأنظمة العربية الرجعية هم "رأس الأفعى" والعائق امام تحرر الشعوب العربية. كما التزم الحزب بالموقف الموحد لمؤتمر الاحزاب الشيوعية العالمية الذي وقف الى جانب النظام السوري. هذا الالتزام يفسر موقف الحزب تجاه ثورة تونس ومصر كونهم كانوا ضد المصالح الغربية وموقفه تجاه الثورة السورية التي ستصب بالضرورة في صالح المعسكر الرأسمالي والصهيونية في حال نجاحها وتغيير النظام السوري، وفقا لقرائة الحزب الشيوعي.

قراءة في مواقف الاحزاب العربية من الثورات العربية   (1\2)/ امطانس شحادة

قليلة هي الحالات التي تتفق فيها مدارس العلوم السياسية في تحليل ظاهرة سياسية أو اجتماعية، من حيث الأسباب والمعاني والإسقاطات. وعادة ما تعرض المدارس الفكرية-البحثية المتنافسة تفسيرات مختلفة وأحيانا متناقضة للظاهرة ذاتها، تعود بالأساس الى التزامها الفكري والمفاهيم والأدوات البحثية المستعملة. وأحيانا أخرى يصل مفكرون من نفس المدرسة الفكريّة الى نتائج مختلفة لتحليل ظاهرة سياسية ما بسبب استعمال أدوات بحثية مختلفة او نتيجة لتسليط الضوء على عوامل مختلفة من الظاهرة ذاتها.

هناك مدارس فكرية تتسم بالالتزام الحاد للقوالب النظرية الى درجة التعصب وإخضاع كل الظواهر السياسية والاجتماعية الى حدود النظرية ويكون بمقدورها ان تفسر وفقا لها كل ظاهرة سياسية. في هذه الحالة يقوم اتباع هذه المدارس باستعمال درجة عالية من تبسيط الحالة البحثية والظواهر السياسية المركبة، متغاضين عن مؤشرات تدحض النظرية. على عكس ذلك، تقوم المدارس الفكرية-البحثية الأقل تزمتا وتعصبا للقوالب النظرية الجامدة، بالتعامل مع كافة مركبات وتعقيدات المشهد السياسي، ولا تغفل التفاصيل الدقيقة والتداخل بين المركبات-المتغيرات. 

المقدمة القصيرة اعلاه تفسر، حسب اعتقادي، مواقف الأحزاب العربية في ثلاث محاور سياسية وقعت في العام والنصف الأخيرين، وهي: الثورات العربية؛ وحركة الاحتجاج في المجتمع الإسرائيلي؛ واستحقاق ايلول الفلسطيني. فما يصح في مجال علم الادراك والمعرفة في مدارس العلوم السياسية يصح ايضا في حال الاحزاب السياسية. اذ تعكس مواقف الأحزاب من هذه الاحداث التزامها الايديولوجي الفكري ورؤيتها لذاتها ولموقعها السياسي. لذلك نجد ان اتخاذ الموقف يكون اسهل وأسرع لدى احزاب ذات قوالب فكرية ونظرية صارمة او محافظة كونه يُحدد من خلال القالب النظري ويخضع له. بينما يكون اتخاذ الموقف اكثر تعقيدا في الاطر السياسية التي تجتمع على قيم ومفاهيم عامة دون ان تكون مقيدة بإطار نظري محكم الاغلاق. 

في هذا المقال سوف نتناول مواقف الاحزاب العربية والعربية-اليهودية تجاه الثورات العربية، خاصة السورية، دون ان نقيم مواقف الاحزاب، فهذا لا يدخل ضمن اهداف هذا المقال. وما يهمنا هنا ابراز العلاقة بين الالتزامات الايديولوجية والمواقف السياسية، وتأثير الايدولوجيا على قراءة وتحليل الحدث والموقف منه. وبهذا نختلف مع الادعاءات القائلة ان المواقف تتأثر بالأساس من مصالح شخصية او خلافات حزبية لا تمت للسياسة والايدولوجيا بصلة.
متابعة مواقف الاحزاب العربية من الثورات العربية عامة، والسورية خاصة توضح ان: تعامل الأحزاب العربية مع الثورات العربية اختلف وفقا لجغرافية الثورات وطبيعة النظام في تلك الدولة؛ قراءة ومواقف الاحزاب العربية للثورات العربية عكس بالأساس الالتزام الإيديولوجي الفكري لتلك الأحزاب؛ كافة الأحزاب العربية رحبت وباركت للثورة في تونس وفي مصر وفي اليمن، دون ان تتفق بالضرورة على تفسير أسباب الثورات.

الحركة الإسلامية رأت انها ثورات للحركات الإسلامية سوف تفضي في نهاية المطاف بحكم إسلامي؛ ورأي الحزب الشيوعي الإسرائيلي انها ثورات انتفضت فيها الطبقة الفقيرة ضد النظام الرأسمالي الفاسد، ورأي التجمع الوطني انها ثورات قومية ستؤدي الى يقظة قومية عروبية ديمقراطية تقف الى جانب الممانعة والمقاومة؛ الإجماع في دعم ثورات تونس ومصر واليمن، بدء يتصدع في حالة الثورة الليبية بسبب التدخل العسكري الأجنبي، وتحول الى خلافات وتناقضات حادة بين الأحزاب في حالة الثورة السورية، وفي بعض الحالات الى خلافات داخلية في الأحزاب نفسها. 

مواقف الاحزاب
الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي: وقفت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وشريكها الحزب الشيوعي الإسرائيلي الى جانب ثورة تونس ومصر واليمن، والى جانب الثورة في ليبيا في بدايتها. لكن هذا الموقف اختلف تماما تجاه الثورة السورية. اذ وقفت معظم قيادات الصف الأول في الحزب الشيوعي والجبهة الى جانب النظام السوري، مقابل عدد اقل من كوادر الحزب الى جانب الثورة. موقف الجبهة والحزب الشيوعي الرسمي عكس قبل كل شيء التزامهم الفكري الإيديولوجي الذي ما زال يرى ان العالم مقسم الى معسكرين، الشيوعي والرأسمالي، وان الرأسمالية الغربية وحلفائها من الأنظمة العربية الرجعية هم "رأس الأفعى" والعائق امام تحرر الشعوب العربية. كما التزم الحزب بالموقف الموحد لمؤتمر الاحزاب الشيوعية العالمية الذي وقف الى جانب النظام السوري. هذا الالتزام يفسر موقف الحزب تجاه ثورة تونس ومصر كونهم كانوا ضد المصالح الغربية وموقفه تجاه الثورة السورية التي ستصب بالضرورة في صالح المعسكر الرأسمالي والصهيونية في حال نجاحها وتغيير النظام السوري، وفقا لقرائة الحزب الشيوعي. 

هذا الالتزام الايديولوجي يؤدي الى تجاهل عدة مركبات في حالة الثورة السورية. فعلى سبيل المثال يتجاهل الحزب ان احد محركات الثورة السورية كان السياسية الاقتصادية النيو-ليبرالية الرأسمالية للنظام وتوزيع ممتلكات الدولة على المقربين وتحويل املاك القطاع الخاص لشركات القطاع الخاص المقربة من العائلة الحاكمة بأثمان بخسه، وتراجع الوظائف الاجتماعية والاقتصادية للدولة، بالإضافة الى الفساد. هذا التجاهل يأتي، كما وضحنا، ليمهد اخضاع الواقع للنظرية والقوالب الفكرية ويتعامل مع الظاهرة السياسية بدرجة تبسيط عالية ليسهل اتخاذ الموقف. 

الحركات الإسلامية: موقف الحركات الإسلامية لم يكن واضحا مع بداية الثورات في تونس ومصر. لكن بعد انتصار ثورة تونس ومصر، وبداية بروز امكانية سيطرة الحركات الاسلامية والتيارات الاسلامية في مصر وتونس، بواسطة استعمال ادوات ديمقراطية وفرتها الثورات، توضح موقف الحركات الاسلامية ورفعوا السقف الخطابي الداعم للثورات في العالم العربي كونها -ولو لم تكن إسلامية خالصة في بداياتها- تشير الى بداية مرحلة تولي الحركات الإسلامية السلطة في الدول العربي.

انبهار الحركات الإسلامية بنتائج الثورات في مصر وتونس، زادهم حماسا وثقة بالنفس في حتمية التحول الإسلامي في المنطقة، مما رفع مستوى هجومهم على النظام السوري والإيمان انه في حال انتصرت الثورة هناك سيكون هذا في صالح الحركات الإسلامية. لذلك نجد ان تفسيرات ومواقف الحركات الإسلامية من الثورات كانت مشبعة بنغمة دينية وأحيانا طائفية، خاصة في حالة الثورة السورية، متجاهلة في كثير من الحالات الدور الاساسي لتيارات يسارية وعلمانية في اندلاع الثورات وكذلك الابعاد الطبقية والقومية ومسألة الحريات. كما تغيب الحركات الاسلامية عن تفسيرها للثورات قيم الديمقراطية والليبرالية والحرية التي من اجلها خرج الشباب العربي الى الشارع. اي ان الحركات الاسلامية تتغاضى عن اي مؤشرات لا تنسجم مع رؤيتها وتحليلها للثورات وتخضع الواقع لفكرها ونهجها وقيمها.

بالاضافة، نجد ان مواقف الحركات الاسلامية وتصريحات قياداتها توضح رؤية الحركات لذاتها ولدورها، اذ تتعامل الحركة على انها جزء من الحركات الاسلامية في المنطقة وملزمة بمواقف الحركات الإسلامية، مما يرفع منسوب الثقة بالنفس والشعور بالقوة لدى الحركات الاسلامية في الداخل. 

التجمع الوطني الديمقراطي: دعم التجمع الوطني الديمقراطي الثورات في تونس ومصر من منطلقات قومية ديمقراطية وعن قناعة ان هذه الثورات وما سيأتي بعدها ستؤدي الى نهضة قومية عروبية ديمقراطية جديدة. وقد وضع التجمع الابعاد الطبقية والدينية، حتى ولو اعترف بوجودها ودورها في اندلاع الثورات، من حيث الاهمية والتأثير بعد الاسباب القومية والديمقراطية والعروبية والمطلب بالتحرر. ونجد ان البديهية التي سادت دعم ثورة تونس ومصر واليمن وليبا، تحولت، كون التجمع حزب قومي ديمقراطي غير مقيد بإطار فكري إيديولوجي جامد، الى تروي ومن ثم الى نقاشات واختلافات بالنسبة للثورة السورية.

فقد كان داخل التجمع من رجح كفة الالتزام بالقيم الديمقراطية وحق الشعوب العربية في التخلص من الانظمة القمعية، والوقوف الى جانب الثورات الشعبية في اي دولة كانت، وايضا في الحالة السورية. ورأت هذه الفئة ان التحرر الديمقراطي وإعطاء الشعوب العربية حق وحرية التعبير والتأثير سيؤدي بالضرورة الى مستقبل قومي عروبي، وان ذلك لن يتناقض مع مكانة سورية في محور الممانعة. من الجهة الاخرى كان هناك من رجح كفة القيم القومية والحاجة الى دعم النظام السوري بسبب مكانته في محور الممانعة وتاريخه في دعم حركات ألمقاومة، والاكتفاء بالمطالبة بإصلاحات ديمقراطية دون مطلب تغيير النظام، خاصة على أثر التحولات على ارض الواقع ودخول الدول العربية الرجعية في صف المعارضة بشكل واضح ومواقف الدول الغربية، وبسبب تصريحات جزء من المعارضة السورية (المجلس الوطني السوري) ضد المقاومة اللبنانية ومغازلتهم إسرائيل والغرب، ومطالبتهم بالتدخل الأجنبي في سوريا. 

النقاش داخل التجمع تأثر من عدم وجود اطار نظري ملزم ومحكم الإغلاق، مما يتيح الامكانية لفئات تتفق على قيم ومبادئ ونهج قومي ديمقراطي ان تختلف احيانا حول اهمية وترتيب التفاصيل في المشهد السياسي الخاضع للنقاش، كونهم كمجموعة يتعاملوا مع مجمل تفاصيل المشهد ومركباته، اي بدرجة تبسيط قليلة للغاية. في هذه الحال يكون اتخاذ الموقف اصعب وأكثر تعقيدا، بشرط ان لا يتحول التنوع والاختلاف الى تعصب للمواقف والاراء.

حاولت في هذا المقال ان اقدّم قراءة مقتضبة في مواقف الاحزاب العربية من الثورات العربية عامة والسورية خاصة، وإبراز اهمية البعد الايديولوجي في اتخاذ المواقف السياسية وقراءة الأحداث، وكيف تقوم احزاب سياسية ومدارس فكرية بتقييم وقراءة مختلفة للحدث ذاته، كونها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بطبيعة الالتزام الفكري النظري لتلك الاحزاب. وبهذا اساهم بشكل متواضع بإعادة البعد الفكري الايديولوجي للنقاشات بين وداخل الاحزاب العربية والتيارات الفكرية. 

التعليقات