12/05/2012 - 12:38

ماذا نفعل باللجام إذا كنّا لا نملك فرسًا؟../ زهير أندراوس

حتى كتابة هذه السطور، قامت الجرّافات الإسرائيليّة بهدم القرية العربيّة في النقب، العراقيب، 37 مرّة. وهذه القرية، بحسب المفاهيم العنصريّة الصهيونيّة، غير معترفٍ بها من قبل الدولة العبريّة، وهذا المصطلح، هو من ابتكار واختراع العقول الفاشيّة، ناهيك عنّه لا توجد دولة في العالم قاطبة تستعمل هذا التعريف، ولكن في إسرائيل، كما في إسرائيل، الواقع يفوق الخيال دائمًا وربّما أبدًا

ماذا نفعل باللجام إذا كنّا لا نملك فرسًا؟../ زهير أندراوس

حتى كتابة هذه السطور، قامت الجرّافات الإسرائيليّة بهدم القرية العربيّة في النقب، العراقيب، 37 مرّة. وهذه القرية، بحسب المفاهيم العنصريّة الصهيونيّة، غير معترفٍ بها من قبل الدولة العبريّة، وهذا المصطلح، هو من ابتكار واختراع العقول الفاشيّة، ناهيك عنّه لا توجد دولة في العالم قاطبة تستعمل هذا التعريف، ولكن في إسرائيل، كما في إسرائيل، الواقع يفوق الخيال دائمًا وربّما أبدًا.

على النقيض، في المستوطنة الاحتلاليّة في الضفة الغربيّة، "بيت إيل"، أقام لصوص الأرض والعرض، الذين يُطلق عليهم نعت المستوطنين، وفق معجم دولة الأكثريّة اليهوديّة، خمسة بيوت على أرضٍ فلسطينيّةٍ خاصّةٍ، بدون الحصول على التراخيص من ما يُطلق عليها اسم الإدارة المدنيّة في المناطق التي احتلت في عدوان حزيران/ يونيو من العام 1967، وقامت الدنيا ولم تقعد: رئيس الوزراء المتطرف، والذي بات بعد تشكيل حكومة الحرب الوطنيّة، الحاكم بأمر الله، يُناور ويُراوغ للتخلص من قرار المحكمة العليا الإسرائيليّة، الذي أمهل الحكومة حتى الفاتح من تموز (يوليو) القادم لهدم البيوت غير المرخّصة، ولكي تلتف من تُطلق على نفسها الديمقراطيّة الوحيدة في الصحراء العربيّة، وهذا بطبيعة الحال كذب وهراء، يقترح بنيامين نتنياهو، سنّ قانون التفافيّ، يُمكنّه من التملص من تنفيذ قرار المحكمة العليا. ألمْ يقُل شكسبير: الرحمة جوهر القانون، ولا يستخدم القانون بقسوةٍ إلا للطغاة.

***

بكل صدقٍ وأمانةٍ، لا أشعر بأيّ شيء حيّال هؤلاء اللصوص، ولا أُعوّل على الحكومة الإسرائيليّة، لأنّ ما قام على باطل فهو باطل، ولكن مع ذلك يتبادر في هذا السياق إلى الأذهان السؤال الاستنكاريّ التالي: بالإضافة إلى كون الاحتلال أعلى درجات الإرهاب، يجب التنويه إلى أنّه وفق المواثيق والمعاهدات الدوليّة هو احتلال غير شرعيّ، يُسمح للشعب الذي يئن تحت نيره النضال بكافة أشكال المقاومة لكنسه، وبالتالي إذا كان الاحتلال ليس شرعيًا، فما هو المنطق بالتوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيليّة لتحصيل الحقوق المسلوبة من الشعب الفلسطينيّ، خصوصًا في المناطق المحتلّة؟

نميل إلى الترجيح، مع أننّا لا نزعم فهمنا لا في القانون الإسرائيليّ ولا في الدوليّ، أنّ التوجه الفلسطينيّ إلى العليا الإسرائيليّة بالقدس الغربيّة، هو إضفاء الشرعيّة عليها، هذا من ناحية، أمّا من الناحية الأخرى، فإنّ اللجوء إلى محكمتهم العليا يفسح المجال أمامهم بالإدّعاء أمام الرأي العام المحليّ والعالميّ أنّهم فعلاً دولة ديمقراطيّة، تُطبق القوانين وتفصل بين القضاء وقراراته وبين السلطة التنفيذيّة، مع أنّه على أرض الواقع، الأمور مغايرة تمامًا، ذلك أنّ المشروع الاستعماريّ للأرض الفلسطينيّة ما زال مستمرًا، وبوتيرةٍ عاليةٍ على الرغم من المحكمة العليا، كما أنّه من الأهمية بمكان، التشديد على أنّ حكومات إسرائيل المتعاقبة، منذ النكبة التي نُحيي ذكراها يوم الثلاثاء، في الخامس عشر من الشهر الجاري، وحتى اليوم وغدًا وبعد غدٍ، دعمت وما زالت وستبقى تدعم هذا المشروع الكولونياليّ، لأنّ أطماعها لا تعرف الحدود ولا تعترف بالجغرافية، فالعالم العربيّ برمته بات مستهدفًا من قبلها، ناهيك عن كونه مستباحًا من قبل مخابراتها.

***

ولا حاجة في هذه العجالة إلى التفحص والتمحيص، يكفينا في هذا المقام العودة إلى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كانت الدولة العبريّة فتيّة، فقد اتخذت المحكمة العليا الإسرائيليّة قرارًا في حينه وُصف بالتاريخيّ والذي أمر الحكومة بإعادة مهجري القريتين العربيتين في الشمال، إقرت وبرعم، القرار، بطبيعة الحال لم يُنفّذ من قبل الحكومات الإسرائيليّة حتى اليوم، ولا تلوح في الأفُق أمكانية تنفيذه، لكي لا يُشكّل سابقة تُلزم دولة الاحتلال بإعادة من قامت بتشريدهم من قراهم ومدنهم في عام النكبة، وهنا لا نتحدث عن حق العودة، الذي نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدوليّ، والذي يحمل الرقم 194، إننّا نتحدث عن اللاجئين في وطنهم، هؤلاء من أبناء شعبنا، الذين طُردوا من أرضهم، ولكنّهم بطرقٍ وبأساليب لن نتطرق إليها في هذا المقال، تمكنوا من البقاء في فلسطين، ولكنّهم يسكنون في قرى عربيّة أخرى، وينظرون من بعيد إلى قراهم ومدنهم التي أقامت عليها إسرائيل المستوطنات لاستيعاب من يُطلق عليهم القادمين الجدد، هؤلاء اللاجئين في وطنهم، وليس دولتهم، يبلغ عددهم حوالي 400 ألف. فلماذا لا تسمح دولة جميع مستوطنيها وقنّاصيها وفاشييها لهم بالعودة إلى ديارهم؟

قبل فترة وجيزة، قمت بزيارةٍ إلى قرية برعم المهجّرة، لقد حوّلوها إلى محمية طبيعيّة، يُلزمونك بدفع مبلغٍ من المال حتى يسمحوا لك بزيارة قريةٍ عربيّةٍ فلسطينيّةٍ، طردوا أهلها والآن يجبون ثمن الدخول إلى أطلالها.

***

والشيء بالشيء يُذكر، والعلم بالشيء خير من الجهل به: منذ إقامتها في العام 1948 بقرارٍ من الأمم المتحدّة، تتبوأ الدولة العبريّة المكان الأوّل في عدم تنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة، التي قررت إقامتها، أكثر من ستين قرارٍ صادرٍ عن الأمم المتحدّة ومجلس الأمن الدوليّ لم تُنفّذ من قبل الحكومات الإسرائيليّة المتتالية، إنّها دولة مارقة بامتيازٍ ومعربدة بتفوقٍ، وتُحاول بشتى الطرق والوسائل إقناع العالم الغربيّ "المتنوّر" بأنّها الضحيّة وليس الجلّاد، كما استطاعت أنْ تُسوّق لهم روايتها الكاذبة بأنّ فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وعلينا التذكير هنا، هذا إذا نفعت الذكرى، بأنّ محكمة العدل الدوليّة في لاهاي اتخذت قرارًا جاء فيه أنّ جدار العزل العنصريّ ليس قانونيًا وعلى إسرائيل إزالته فورًا ودفع التعويضات للفلسطينيين الذين تضرروا منه، الردّ الإسرائيليّ اتسم بطبيعة الحال بالعنجهية والتحدي، فلم تُطبّق قرار المحكمة، بل تجاهلته وواصلت بناء الجدار غير أبهة بالشرعيّة الدوليّة، ومرّة أخرى، التي قررت إقامتها في العام 1948، وهنا نرى لزامًا على أنفسنا أنْ نسأل أنفسنا: إذا كانت هذه الدولة وموبقاتها لا تحترم أعلى هيئة قضائيّة تابعة لها، فكيف ستحترم قرارات صادرة عن محافل دوليّة؟ بكلمات أخرى، إذا رفضت تنفيذ قرارات المحكمة العليا الإسرائيليّة "قلعة الديمقراطيّة"، فما الذي سيدفعها إلى إخراج قرار لاهاي إلى حيّز التنفيذ؟

***

وبما أنّ المثل يقول إنّ شرُ البليّة ما يُضحك، نستذكر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، الذي أشبعنا محاضرات عن أنّ المحرقة لن تتكرر مرّة أخرى، ونحن نوافقه على ذلك، وأنّ الرئيس الإيرانيّ، محمود أحمدي نجاد، هو أخطر من هتلر، لأنّه، بحسب نتنياهو، يدعو على الملأ إلى محو الدولة العبريّة عن الخارطة، وهو ما نرفضه نحن، جملةً وتفصيلاً، قلبًا وقالبًا، نستذكر أنّ نتنياهو، الذي يرى نصف الإسرائيليين أنّه الأنسب والأوفر حظًا لمواصلة قيادة دولة الاحتلال، يرغي ويزبد، ويُهدد بالتوجه إلى محكمة العدل الدوليّة في لاهاي بدعوى قضائيّة ضدّ نجاد بسبب تصريحاته التي باتت ممجوجة بأنّه يُريد القضاء على إسرائيل، أيْ أنّ هذا الانتهازيّ لا يُنفّذ قرارات محكمة العدل الدوليّة، ولكنّه لا يتورع عن اللجوء إليها. وبالمناسبة، إيران لا تقدر عسكريًا على إخراج تهديدها إلى حيّز التنفيذ، ومن ناحية أخرى، فإننّا بعد سبر أغوار ظاهرة نجاد نجزم أنّه بتصريحاته، التي لا رصيد لها، يُقدّم من حيث يدري أوْ لا يدري، أكبر خدمة للدعاية الإسرائيليّة، وربّما يُمهّد الطريق لعملية عسكريّة إسرائيليّة لضرب المنشآت النوويّة الفارسيّة، والتي سيُسوغها أركان تل أبيب بأنّ من يُريد أنْ يقتلك، أقتله قبل أنْ يفعل ذلك.

***

من خلال متابعتنا للالتماسات المقدّمة من قبل الفلسطينيين في الضفة الغربيّة المحتلّة إلى المحكمة العليا الإسرائيليّة نتوصل إلى نتيجة بأنّها لا تخدم القضية بالمرّة، هذا إنْ لم تكن سببًا في رفع الأضرار، أو لا تُسمن ولا تغني من جوع، وعليه، نطرح اجتهادنا التالي: علينا، نحن أبناء الشعب العربيّ الفلسطينيّ العمل بكلّ الطرق والوسائل لاستنزاف إسرائيل قضائيًا، وهذا الأمر يُمكن تحقيقه فقط عن طريق المحكمة الدوليّة في لاهاي، أيْ تدويل القضيّة، لكشف حقيقة الدولة العبريّة، ذلك أنّه في زمن العولمة والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام، يُمكننا استمالة الرأي العام لصالحنا وسحب البساط المزيّف، الذي تستعمله تل أبيب، أيْ المحكمة العليا، لأنّ الشعوب الغربيّة لن تواصل السكوت على جرائم الاحتلال، لعلمها بأنّ الساكت عن الحق هو شيطان أخرس، وإنْ بقيت هذه الشعوب على حالها، أي لا تُميّّز الغث والسمين، بين الرّديء والجيّد، وتُفسد السّمين بالغثّ وتُرقّع الجديد بالرّثّ، فعلى الدنيا السلام، نقول ذلك، لأنّ الأحرار يؤمنون بمن معه الحق، والعبيد يؤمنون بمن معه القوة، فلا تتعّجب من دفاع الأحرار عن الضحية دائمًا، ودفاع العبيد عن الجلاد دائمًا.

التعليقات