24/05/2012 - 16:53

بين حكومتين: إسرائيلية وفلسطينية.. ولا عزاء للمصالحة../ د. فايز رشيد

قام وفدان من حركتي فتح وحماس بتوقيع اتفاق مصالحة جديد في القاهرة، وللتمهيد لاجتماع زعيمي الحركتين: عباس ومشعل. مرة أخرى سنكون أمام مظاهرة شكلية عنوانها التصالح وتبويس اللحى والخطابات العرمرمية في المزايدة على أهمية المصالحة ومدى حاجة الساحة الفلسطينية إليها. ثم بعد مغادرة الجميع لعاصمة المعز... تعود حليمة لعادتها القديمة ويبدأ التنابز بالاتهامات والأخرى المضادة وهكذا دواليك!

بين حكومتين: إسرائيلية وفلسطينية..  ولا عزاء للمصالحة../ د. فايز رشيد

قام وفدان من حركتي فتح وحماس بتوقيع اتفاق مصالحة جديد في القاهرة، وللتمهيد لاجتماع زعيمي الحركتين: عباس ومشعل. مرة أخرى سنكون أمام مظاهرة شكلية عنوانها التصالح وتبويس اللحى والخطابات العرمرمية في المزايدة على أهمية المصالحة ومدى حاجة الساحة الفلسطينية إليها. ثم بعد مغادرة الجميع لعاصمة المعز... تعود حليمة لعادتها القديمة ويبدأ التنابز بالاتهامات والأخرى المضادة وهكذا دواليك!

نقول للطرفين: لقد سئم شعبنا مسرحياتكم الهزلية! لقد شبعنا تمثيلا ومصافحة إعلامية، ولن تنطلي علينا حيلكم في توقيع الاتفاقيات الوهمية التي يكون مصيرها أدراج الخزائن والأرشيف، وما يجري على الأرض هو عكس ما تتفقون عليه. عدونا ومن دون تنظير ولا إعلام ولا مصافحات: يفاجئ العالم باتفاق كل أحزابه، كما جرى في الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بين زعيمي الليكود وكاديما: نتنياهو وموفاز. هكذا تكون الخطوات العملية، فوفقا للفلسفة: فإن خطوة عملية واحدة هي أفضل من دستة نظريات.

تشكيل حكومة "الوحدة الوطنية الإسرائيلية" هي قوة جديدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإضافة إلى الأغلبية المطلقة التي يتمتع بها هذا الائتلاف في الكنيست، فإن ذلك يعني أيضاً: تفويضا من غالبية الأحزاب الإسرائيلية لنتنياهو على الإيغال بعيداً في سياساته العدوانية، إن بالنسبة للتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية والتصعيد في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة وصولاً إلى تهديدها المباشر، أو بالنسبة لتعزيز الاستيطان وغلق الطريق نهائياً أمام حل الدولتين، الحل الذي ما يزال يراهن عليه البعض الفلسطيني والعربي (ففي رسالته الجوابية إلى عباس أوضح نتيناهو بشكل لا يقبل مجالاً للشك: أن لا عودة لحدود العام 1967، ولا وقف للاستيطان)، واحتمال توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، بالرغم من كل التحذيرات التي أطلقها مسؤولون عسكريون وأمنيون إسرائيليون، فمن وجهة نظر الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي "الشاباك" يوفال ديسكين" فإن نتنياهو يجر إسرائيل إلى حرب إقليمية". أما رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بيني غانتر فقد قال "إنه لم يثبت حيازة إيران لأسلحة نووية". بالنسبة لرئيس الموساد مئير داغان فهو يقول: "إن فكرة الهجوم الإسرائيلي التحسبي هي تهور إسرائيلي غير مسؤول". رغم كل ذلك فإن كافة المراقبين يصفون حكومة نتنياهو الجديدة "بأنها حكومة الجنرالات والحرب والتطرف"، لذلك ليس من المستبعد لجوء نتنياهو إلى شن حرب في المنطقة.

ما سبق يشكل باختصار: اللوحة البانورامية الإسرائيلية حالياً وعلى المدى القريب المنظور، وفحواها كلمة واحدة هي "العدوان"، وبخاصة أن تجارب حكومات "الوحدة الوطنية" في إسرائيل ارتبطت "بالظروف الصعبة" و(أبرزها الحروب) التي تشنها الدولة الصهيونية.

حكومة الوحدة الوطنية الأولى شكلها بن غوريون في عام 1948 بعيد إنشاء الدولة الصهيونية وجمعت بين صفوفها كافة الأحزاب الإسرائيلية باستثناء الحزب الشيوعي. الثانية تشكلت في أعقاب حرب 1967 ورأسها ليفي أشكول. موشيه دايان كان فيها وزيراً للدفاع. الحكومة الثالثة تشكلت خلال حرب الاستنزاف في عام 1969 برئاسة غولدة مائير، وضمت بين صفوفها: مناحيم بيغن. الرابعة تشكلت في عام 1984 ورئاسة الوزراء آنذاك تمت بالتناوب بين شيمون بيريز وإسحق شامير، وجاء تشكيل هذه الحكومة في أعقاب حرب لبنان. الحكومة الخامسة تشكلت في عام 1988 برئاسة إسحق شامير، وإسحق رابين تسلم حقيبة الدفاع فيها، الحكومة السادسة تشكلت في عام 1990 بعد حرب الخليج الأولى وقبيل مؤتمر مدريد. أما السابعة فهي تشكلت في هذا العام، الأمر الذي يمكن الاشتمام منه: بأن هذا الائتلاف سيشكل حكومة حرب/حروب جديدة، فهذا هو حصيلة السياسات التصعيدية للحكومة الصهيونية.

تشكلت حكومة الائتلاف الحالية برغم أن موازين القوى في الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني تميل لصالح إسرائيل، وبرغم أن ليست ثمة أخطار تتهدد وجود هذه الدولة، فالأخطار التي يرددها قادة هذا الكيان وأبرزهم نتنياهو هي أخطار مفترضة وليس عليها من أدلة في واقع الأمر. إسرائيل هي الدولة المعتدية وليس المعتدى عليها، وهي التي ما تزال تحتل أراضي فلسطين وأراضي من سوريا ومن لبنان. تشكلت حكومة الوحدة الوطنية في الدولة الصهيونية برغم التناقضات الكثيرة القائمة في الشارع الصهيوني بين اليهود الشرقيين والغربيين واليهود العرب والروس وغيرهم وغيرهم. تتشكل حكومات الوحدة الوطنية في إسرائيل رغم اختلافات الأحزاب في سياسات الشأن الداخلي. أما بالنسبة للفلسطينيين والعرب، فكل الأحزاب الصهيونية تتفق على العداء لهم ومحاربتهم. صحيح أنها وحدة حكومة وليست وحدة شارع بسبب التناقضات الكثيرة القائمة في فسيفساء هذا الشارع، لكنها تظل نوعا من الوحدة السياسية للأحزاب في حكومة.

تشكيل الحكومة الفلسطينية الأخيرة جاء كآخر مسمار يضرب في نعش المصالحة، فإن كانت ثمة آمال قبل تشكيلها، فبعده انعدمت هذه الآمال.

بالمقابل، فنحن في الساحة الفلسطينية ما نزال منقسمين سياسياً وجغرافياً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، برغم أن المنطقتين ما زالتا محتلتين من قبل العدو الصهيوني. الاستيطان يجري على أشده، والتنكر الصهيوني للحقوق الوطنية الفلسطينية يزداد يوماً بعد يوم، وتُفرض شروطاً إسرائيلية جديدة علينا صباح كل يوم حتى "تتكرم إسرائيل" وتوافق على التفاوض مع الفلسطينيين والعرب. و"السلام" الذي تريده إسرائيل هو "سلام مقابل السلام"، و"ليس سلاماَ مقابل الأرض". إسرائيل اعتدت على الفلسطينيين والعرب عشرات بل مئات المرات، فهي التي شنت حروبها العدوانية على مصر وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان، ودمّرت أهدافاً في العراق وفي تونس وفي سوريا، وقصفت طائرة مدنية ليبية واغتالت فلسطينيين وعرباً في مختلف الدول العربية والعالمية.

احتمالات قوية وكثيرة تؤشر على إمكانية اقتراف حرب عدوانية على قطاع غزة وعلى لبنان وربما على سوريا وعلى إيران. ورغم أن عوامل الوحدة بيننا أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة متوفرة كثيرا وهذه ليست متوفرة للجانب الصهيوني، رغم ذلك ما زلنا عاجزين عن تجاوز الانقسام في الساحة الفلسطينية رغم كل الأخطار والمخاطر التي تحيق بنا جميعاً، ورغم كل المؤشرات ما نزال نفتقد إلى استراتيجية فلسطينية وعربية جديدة تأخذ معطيات الواقع وإمكانية مواجهة إسرائيل بعين الاعتبار..... ألا يعتبر الأمر مفارقة؟ نعم فان الفرق كبير بين إحساس عدونا بتجميع قواه وإحساسنا بذلك. ألا يثبت ما نقول تشكيل حكومتهم وتشكيل حكومتنا!
 

التعليقات