26/05/2012 - 10:43

ليس قصرا على الناصرة بل على كل واحد منا../ حنين زعبي

نحن كشعب بحاجة لإنجاح حملة التبرع، ليس فقط لبناء وحدة القسطرة، بل أيضا لبناء عنصر المسوؤلية الذاتية في شبابنا وشعبنا

ليس قصرا على الناصرة بل على كل واحد منا../ حنين زعبي

يحتاج شعبنا إلى حملة المستشفى الإنجليزي للتبرع بـ10 شيكل جديد لبناء وحدة قسطرة، ليس أقل مما يحتاج المستشفى الإنجليزي لهذه الحملة. "المستشفى الإنجليزي"، رغم ملكيته وإدارته اللتين تعودان لـ"جمعية التبشير الطبية في أدنبره"، ليس إنجليزيا وإن درجنا على هذا الإسم، بل هو مستشفى عربي، بطواقم عربية، منفتح لكافة التخصصات والمهنيين، وهو يخدم سوية مع مستشفيات الناصرة، أكثر من 150 ألف نسمة، من سكان الناصرة ومحيطها. ورغم بدايته التي شغرتها كوادر وكفاءات أجنبية، حيث كانت شعبة التمريض والطواقم الطبية جميعها من خارج البلاد، تشغل مستشفيات الناصرة اليوم كوادر محلية تتحمل مسؤولية كافة الأقسام، وتلبي بالإضافة إلى الاحتياجات الطبية والصحية، مراكز تشغيل لأكثر من 1000 عامل.

ربما تكون مستشفيات الناصرة ابنة الأكثر من قرن من الزمان، هي الأقدم وهي الوحيدة التي تستطيع أن تحكي تاريخ الناصرة والمنطقة. وهي قصة تطور قطعتها الحرب العالمية الأولى، حيث تمت مصادرة بناياتها لتوضع تحت الاشراف العسكري، وأقيمت فيها البرّاكيات للجنود تحت إشراف الحكومة العثمانية. ثم ابتلت المستشفيات مرة أخرى مع الحرب العالمية الثانية وقيام إسرائيل ووضعت المستشفيات أمام المزيد من التحديات، حيث خسرت تلك المستشفيات طواقمها المهنية من أطباء وممرضين بسبب التهجير القسري الذي تعرض له شعبنا، ولم يبق، في المستشفى الإنجليزي مثلا، سوى طبيبان أجنبيان، استمرا مع عدد محدود من الممرضات إضافة الى عمال محليين، أخذا بعين الاعتبار أن الناصرة كانت ملاذا لـ 20 ألف هجروا خلال النكبة من القرى المجاورة.

وتحكي مستشفيات الناصرة قصة شعبنا، ليس تاريخيا فقط بل سياسيا وإداريا أيضا، فهي تحكي قصة شعب، لم يمهله التاريخ لتطوير مؤسساته الخاصة، التي بادر إليها آخرون، ورغم ذلك قامت تلك المستشفيات بتطوير ذاتها بمساعدات محلية وعالمية، أدت بها إلى أن تحتل مكانة بارزة في خارطة الخدمات الصحية المتاحة لشعبنا. بدأت المستفيات جميعها كغرفة واحدة تحوي 3-4 أسرة، ويرد في موقع المستشفى الإنجليزي أنه "في عام 1861 كانت هذه العيادة –عيادة الإنجليزي- هي المركز الطبي الوحيد ما بين بيروت لبنان والقدس في الجنوب"، ثم تطورت هذه العيادة وكبرت وأصبحت تحتوي على ثمانية أسرة، وبعد وقت قصير تم استئجار مبنيين قريبين، وتمت إقامة مدرسة للتمريض عام 1924، ومع الوقت استلمت الطواقم المهنية العربية إدارة وتخصصات العمل الطبي في المستشفى بشكل كامل.

ومستشفيات الناصرة
تحكي قصة شعب، لا تقوم الدولة بتطوير مؤسساته الذاتية، ولا تدعمه حتى من ضرائب المواطنين العرب، وتستثنيه بالكامل من ميزانيات وزارة الصحة المقدمة للمستشفيات في إسرائيل، حتى الخاصة منها.

وتحكي مستشفيات الناصرة قصة شعبنا، بطيء الحركة، قليل المبادرة، ضعيف الارتباط بحيزه العام. صحيح أن "المستشفى الانجليزي" هو مؤسسة عربية بالكامل، دون أن يحمل ذلك التعبير التعصب الذي نعرفه في مصطلح " مؤسسة يهودية"، بل بمعنى مؤسسة عربية، مرتبطة بمحيطها، واعية بإنسانية مسؤوليتها، وعلى قدر من الوعي الوطني بأهمية استقلاليتها، ولا ننسى دورها خلال الانتفاضة الثانية في استقبال جرحاها، وفي محاولة إنقاذ شهدائها، وهي تستقبل مرضى من غزة المحاصرة دون مقابل، قدر المستطاع. لكنها ما زالت تدار باعتماد كبير على تبرعات أجنبية، وهي تعكس بذلك عدم قدرتنا كشعب على تحمل المسؤولية الاقتصادية لإدارة مؤسساتنا.

وأمامنا، امتحان عيني: لقد بدأ المستشفى الإنجليزي بحملة تبرعات لإقامة وحدة القسطرة، وهو يحتاج لجمع 5 ملايين شيكل جديد، حيث يعمل المستشفى دون هذه الوحدة منذ إقامته قبل 150 عاما. ومن المعروف أن نسبة أمراض القلب لدى العرب أعلى من نسبتها العامة، كما أن نسبة أمراض القلب في منطقة الناصرة أعلى من نسبتها في بقية المناطق، بالإضافة لذلك النوبة القلبية الأولى تحدث في جيل صغير نسبيا جيل الـ50 عاما بينما في مجتمعات أخرى تحدث في جيل 85 عاما. وقد جند المستشفى حتى اليوم ما يقارب المليون شيكل، وهو الآن يحتاج من شعبه إلى 4 ملايين أخرى، وزارة الصحة لا تمنح المستشفى أي ميزانية لتطوير هذه الوحدة، لقد قامت فقط بمنح الترخيص للوحدة.

وهنا أرجع لما قلته في بداية حديثي: نحن كشعب بحاجة لإنجاح حملة التبرع، ليس فقط لبناء وحدة القسطرة، بل أيضا لبناء عنصر المسوؤلية الذاتية في شبابنا وشعبنا. نحن بحاجة لإعادة بناء ارتباطنا بالحيز العام، نحن بحاجة لترجمة ما نؤمن به من عنصر مركزي في بناء ذاتنا، ألا وهو بناء واستقلالية مؤسساتنا. وغالبا ما تكون هذه مهمة جسيمة، خاصة أننا نتكلم عن مجتمع 50% منه تحت خط الفقر، وأصحاب المصالح الخاصة الكبيرة فيه يعدون على الأصابع، وقسم منهم يعتمد على منطق غير صحيح، من أن رأس المال عليه أن يتصرف بشكل غير وطني، مع أننا نعلم أن ما بنى إسرائيل هي "رؤوس أموال صهيونية". لكن حملة القسطرة، هي حملة تستطيع بسهولة أن تدخل لكل بيت من بيوتنا العربية، فقط اتصل بالرقم 1890، وأرسل رسالة نصية بالعدد 10، عندها تكون قد تبرعت في بناء وحدة القسطرة، وعندها تكون قد علمت أن مهاما جسيمة قد تنجح بخطوات صغيرة. فلنقم بها جميعنا.

 

التعليقات