31/05/2012 - 21:30

إسرائيل إلى الحرب در.. ليس بالضرورة../ ماجد عزام

قال هنري كيسنجر ذات مرة إن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية، وإنما داخلية فقط. هذا التوصيف البليغ والدقيق كان وما زال صحيحاً مع الانتباه إلى أن السياسي الأمريكي المخضرم قاله منذ ثلاثة عقود تقريباً، وقبل أن تتصاعد قوة الأحزاب الدينية والصغيرة ويزداد تأثيرها على الحكومات المتعاقبة يسارية كانت أو يمينية

إسرائيل إلى الحرب در.. ليس بالضرورة../ ماجد عزام

قال هنري كيسنجر ذات مرة إن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية، وإنما داخلية فقط. هذا التوصيف البليغ والدقيق كان وما زال صحيحاً مع الانتباه إلى أن السياسي الأمريكي المخضرم قاله منذ ثلاثة عقود تقريباً، وقبل أن تتصاعد قوة الأحزاب الدينية والصغيرة ويزداد تأثيرها على الحكومات المتعاقبة يسارية كانت أو يمينية.

هذا التوصيف الدقيق يمثل برأيي المدخل لفهم الاتفاق الأخير الذي انضم بموجبه حزب "كديما" إلى الائتلاف الحاكم، وبعكس آراء واجتهادات كثيرة طرحت يجب قراءة القضايا والتحديات الخارجية وتحديداً الملفين الفلسطيني والإيراني من خلال فهم خلفيات وحيثيات وأهداف الاتفاق، وليس العكس حيث لا يستقيم، برأيي، النظر إليه خلال التحديات الخارجية أيا كانت هذه التحديات.

القصة الكاملة لولادة اتفاق نتن ياهو- موفاز عرضها بإسهاب اثنان من كبار المعلقين الإسرائيليين بن كسبيت في "معاريف"، وناحوم برنياع في "يديعوت أحرونوت" - الجمعة 11 أيار - وباختصار يمكن الحديث عن أسباب داخلية بل حزبية وشخصية بحتة. فمن جهة نتن ياهو كانت إهانة مؤتمر الليكود - الأحد 6 أيار - ورفض أعضاء الحزب اختياره رئيساً بالاجماع، وبالتالي تلاشي أي احتمال لإطلاق يده في تشكيل قائمة الحزب للانتخابات، القشة التي قصمت ظهر البعير بعد تلقيه استطلاعات عن احتمال حصول يئير ليبيد وحزبه العلماني الجديد على خمسة عشر مقعداً هذا قبل الانضمام المحتمل لتسيبي ليفني أو بعض رفاقها في كديما، وإمكان تجاوز لحزب العمل مع زعيمته شيلي يحيموفيتش ورايتها الاقتصادية والاجتماعية لحاجز العشرين مقعداً، وتبلغه شخصياً من القيادي السابق في "شاس" ارييه درعي عزم الأخير تأسيس حركة جديدة للتنافس في الانتخابات ضمن يمين الوسط. وبحسبة بسيطة أيقن نتن ياهو أن المقاعد الـ28 لكديما كما الـ13 لحزبي العمل والاستقلال - كتلة باراك - سيتم تقاسمها بشكل رئيس بين حزب علماني متشدد يرفض التنازل في ملف الخدمة العسكرية للمتديين وحزب آخر، يرفع مطالب اقتصادية اجتماعية، ويرفض تقديم تنازلات في مشروع الميزانية للعام القادم، وخلص بالتالي إلى استنتاج مفاده أن التفاهم والتوصل إلى صفقة معقولة مع موفاز المثخن والضعيف أهون كثيراً من الذهاب إلى انتخابات مجهولة والتحاور المضني بعدها مع أحزاب منتشية تحمل أجندات واضحة اقتصادية واجتماعية.

تعاطى موفاز من جهته بنفس المنطق الشخصي والحزبي بعدما فهم أن حزبه ينهار في الاستطلاعات، وقد لا يصل حتى إلى عتبة العشرة مقاعد ما يزيد من احتمالات انشقاق ليفني وفريقها وانضمامهم إلى حزب يئير ليبد الجديد، ويكون بمثابة ضربه قاصمة شخصية سياسية وحزبية له، وبعدما اقتنع من رفاقه وأصدقائه القدامى في الليكود تحديداً صديقه الشخصي وزميله السابق في كديما رئيس الائتلاف الحالي في الكنيست - زئيف الكين - أن نتن ياهو لم يكن متحمساً أصلاً للذهاب إلى الانتخابات وافق على الانضمام للحكومة مقابل تعهدات أو تفاهمات ضبابية وعامة - تتعلق بالملفات الثلاث محل الخلاف الخدمة العسكرية للمتدينين وتغيير نظام الحكم وموازنة العام القادم - تحفظ ماء وجهه من جهة وتغري نواب كديما بالتمتع بمكاسب وامتيازات السلطة، من جهة أخرى، لعام ونصف تقريباً في ظل القناعة السائدة بأن كديما وصل إلى نهاية طريقه كحزب بعد افتقاده إلى برنامج واضح ومحدد وزعيم قوي وكريزماتي، بينما زواله نهائياً بات مسألة وقت فقط.

إذن بناء على المعطيات السابقة والمؤكدة فقد مثلت المسائل السياسية الداخلية وحتى الشخصية والحزبية الضيقة الخلفية الأساس لإلغاء الانتخابات المبكرة وانضمام كديما إلى الائتلاف الحكومي الحالي. ومع ذلك يبدو التساؤل مشروعاً عن كيفية مقاربة حكومة رؤساء الأركان الثلاث – باراك موفاز يعلون - حكومة خريجي دورية رئاسة الأركان الثلاث - نتن ياهو باراك موفاز - للملفات والتحديات الخارجية، وهل سيتم تغليب الخيارات العكسرية على الخيارات الأخرى تحديداً تجاه الملفين الفلسطيني والإيراني.

أعتقد أن الإجابة لا، قاطعة على الأقل تجاه الملف الفلسطيني، كون نتن ياهو يتباهى دائماً بإزاحته الملف الفلسطيني عن جدول الأعمال الاقليمي والدولي، ناهيك عن الوضع الراهن المريح جدا لإسرائيل والتي ربما لم تكن تحلم به أصلاً والمتمثل بتهدئة في قطاع غزة، ورسائل وتنسيق أمني في الضفة الغربية، وانقسام فلسطيني، يكاد يستحوذ على جل اهتمام وانشغال الفصائل والتنظيمات والسلطة أو بالأحرى السلطتين في الضفة وغزة.

في المقابل، فإن الإجابة ليست نعم قاطعة تجاه الملف الإيراني. وطوال الوقت كان الخيار العسكري أسير عوامل تترجم أو تعبر عن إجماع إسرائيلي باعتباره آخر الحلول، ولا يمكن حدوثه بمعزل عن الموقف الأمريكي واستطراداً الأوروبي، وفق قاعدة بن غوريون الشهيرة: إسرائيل لا تذهب إلى الحرب دون دعم تنسيق ضوء أخضر أو حتى برتقالي من القوة الدولية العظمى. وعوضاً عن ذلك يتباهى نتن ياهو أيضاً بنجاحه في وضع الملف الإيراني على رأس جدول الأعمال الغربي والدولي، كما بوضع الخيار العسكري على الطاولة بشكل جدي وليس نظري فقط، وهو ما تجلى في التصريح اللافت لرئيس الأركان الجنرال بيني غينتس عن مناورات مشتركة إسرائلية أمريكية أوروبية تتعلق بالاستعداد لاحتمال توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وفي كل الأحوال ورغم المناورات السياسية الإعلامية وحتى العسكرية فإن ثمة قناعة لا يتم التعبير عنها دائماً، وتشير إلى عجز إسرائيل وحدها عن توجيه ضربة مجدية ومؤثرة ضد تلك المنشآت، وأن واشنطن وحدها قادرة على ذلك، وهذه الأخيرة لن تبادر للخيار العسكري قبل استنفاذ الخيارات الأخرى وحكماً ليس في عام الانتخابات مع الانتباه إلى التقدير الرسمي الأمريكي وحتى الإسرائيلي، الذى يرى في طهران لاعباً عاقلاً - ليس بالضرورة وفق المعايير الغربية - لم وربما لن يتخذ قرار حيازة أسلحة نووية قياساً إلى الثمن بل الأثمان الباهظة لذلك داخلياً وخارجياً.

في الأخير، جرى الاتفاق الحكومي الإسرائيلي الأخير بناء لحاجات ومعطيات داخلية بحتة. ووجود هذا الكم الكبير من الجنرالات لا يعني بالضرورة الانحياز المطلق للخيار العسكري مع الانتباه إلى ميل حكومات اليمين التقليدي إلى المراوحة في المكان، وعدم طرح مبادرت سياسية جدية وإدارة بل وصيانة الوضع الميداني بأقصى درجة ممكنة من الحذر، وعدم تجاهل تصور نتن ياهو القائل بضرورة عدم القيام بأي مبادرة أو تحرك إلى الأمام أقله فلسطينياً وعربياً إلى حين اتضاح آفاق الربيع العربي وميدان التحرير المتنقل من دولة إلى أخرى.
 

التعليقات