31/05/2012 - 21:40

الثورة المصرية المختطفة../ د. فايز رشيد

بوضوح نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية ووصول محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين وأحمد شفيق (آخر رئيس وزراء في عهد مبارك) إلى جولة الإعادة في 16 و 17 يونيو المقبل، تتحدد خيارات الشعب المصري بين أمرين: أحلاهما مُرُّ، فاختيار مرسي يصب في استراتيجية الإخوان المسلمين، واختيار شفيق يصب في مجرى العودة إلى عهد مبارك بكل سلبياته في المجالات المختلفة، فالرجل هو صنيعة الرئيس السابق، بالرغم من وعوده بإعادة الثورة إلى أصحابها، وبالرغم من تصريحه: بأنه لن يقوم بإعادة إنتاج النظام السابق

الثورة المصرية المختطفة../ د. فايز رشيد

بوضوح نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية ووصول محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين وأحمد شفيق (آخر رئيس وزراء في عهد مبارك) إلى جولة الإعادة في 16 و 17 يونيو المقبل، تتحدد خيارات الشعب المصري بين أمرين: أحلاهما مُرُّ، فاختيار مرسي يصب في استراتيجية الإخوان المسلمين، واختيار شفيق يصب في مجرى العودة إلى عهد مبارك بكل سلبياته في المجالات المختلفة، فالرجل هو صنيعة الرئيس السابق، بالرغم من وعوده بإعادة الثورة إلى أصحابها، وبالرغم من تصريحه: بأنه لن يقوم بإعادة إنتاج النظام السابق.

ما أفرزته نتائج انتخابات الجولة الأولى: تمتين الوضع السياسي للإخوان المسلمين الذين سيطروا بالمعنى الفعلي على مجلسي الشعب والشورى. صحيح أنهم في انتخابات الرئاسة لم يحققوا ما حصلوا عليه في الانتخابات التشريعية السابقة، لكن احتمال فوز مرشحهم محمد مرسي بمنصب الرئاسة هو أمر قائم. بالطبع لا بد من احترام خيارات الشعب المصري في انتخاباته، لكن من جهة ثانية فإن الإخوان المسلمين في مصر لا يؤمنون بالشراكة مع القوى الوطنية الأخرى ولا بالائتلاف معها، كما أنهم يلحسون وعودهم ببساطة فهم وعدوا من قبل بعدم عزمهم على إنزال مرشح لهم في انتخابات الرئاسة، لكنهم تخلوا عن هذا الوعد، فبالتالي فإن كل وعودهم الحالية بعدم اللجوء إلى إقامة دولة دينية في حالة سيطرتهم على السلطتين التشريعية والتنفيذية ستكون مجالاً لانسحابهم من هذا الوعد.

الأخوان المسلمون ينطلقون من أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة، وبالتالي في حملة الانتخابات الرئاسية أفتى شيوخهم بأن كل من لن ينتخب محمد مرسي فسوف يرتكب معصية ومآله إلى النار. بمثل هذه الخلفية ومنها ينطلقون في رؤية الآخر، الإخوان المسلمون في مصر لم يستفيدوا من درس أشقائهم في تونس، الذين أيدوا مرشحاً قومياً لمنصب رئيس الجمهورية من خارج صفوفهم ومن قوة وطنية أخرى. إخوان مصر يخطئون كثيراً إن اعتقدوا بأنهم هم ولا أحد غيرهم من يمتلكون النظرة الصحيحة في إنشاء جمهورية مصر الثانية.

ما زال الطريق مفتوحا أمامهم للتحالف مع القوى الوطنية والقومية والشبابية واليسارية الأخرى على برنامج وطني قومي طموح لبناء مصر حرّة ديموقراطية عربية جديدة، برنامج ذو قواسم مشتركة. إن إحدى مهمات الرئيس القادم: جعل مصر تأخذ دورها الوطني والقومي العربي، فزعيم مصر في عهد الرئيس عبد الناصر كان زعيماً للعرب، ومصر هي الجغرافيا والبعد الديموغرافي والإمكانيات لتكون دولة رائدة للشقيقات العربيات.

الإخوان المسلمون مطالبون بفتح حوار مع الإخوة الأقباط، الذين في تحليلات كثيرة لمراقبين للانتخابات الأخيرة كانوا وراء المرشح أحمد شفيق للوصول إلى المركز الثاني بسبب خشيتهم من الدولة الدينية القادمة التي سينشؤها الإخوان المسلمون في حالة فوز مرسي. الحوار مع الأقباط هو حاجة ماسّة وموضوعية وواجبة حكماً، لطمأنتهم على حريتهم ومصريتهم وعروبتهم وعلى تطبيق الديموقراطية والحرص على حقوق الإنسان، بغض النظر عن الدين والجنس والعرق واللون. الورقة القبطية جرى استعمالها من قبل أطراف خارجية عديدة كان هدفها ولا يزال: تخريب وحدة النسيج الوطني للشعب المصري.

الإخوان المسلمون في حواراتهم المباشرة وغير المباشرة طمأنوا الأمريكيين بأنهم لن يقوموا بإلغاء اتفاقية كمب ديفيد مع إسرائيل، لأنهم سيوجهون مهامهم نحو التخلص من الأزمات الاقتصادية والأخرى الكثيرة التي تمر بها مصر. كان الأجدر بهم الإجابة على التساؤل الأمريكي حول كمب ديفيد: بأنهم سيخضعون مصير هذه الاتفاقية إلى استفتاء شعبي مصري، وهذا حق ديموقراطي لا يجادل فيه أحد. نقول ذلك لأن شعار: ضرورة إلغاء هذه الاتفاقية ارتفع على ألسنة وأيادي جماهير الثورة المصرية، لكن من الواضح أن الإخوان المسلمين أرادوا طمأنة الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية بأنهم لن يقوموا بإلغاء الاتفاقية.

المرشح أحمد شفيق بحصوله على المركز الثاني أصاب نجاحاً كبيراً وهو ما لم يكن متوقعاً فهو المحسوب على عهد الرئيس المخلوع. دلالات حصوله على هذا المركز: أن الحزب الوطني (حزب مبارك وشفيق) وبرغم القرار القضائي بحلّه لا يزال فاعلاً هو وبقايا النظام القديم وفلوله، والذين يحنون إلى العهد السابق، وإرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء، وإلحاق مصر بالركب الأمريكي-الإسرائيلي-الغربي. قلنا منذ البداية أن إزاحة الرئيس وبعض المحسوبين عليه من مناصبهم لا يعني تحقيق أهداف الثورة، فأهدافها تتحقق عندما يجري التغيير الجذري (الثوري) في بنية النظام، وليس في إزاحة بعض قادته من مناصبهم.

الآن ستنصب جهود المرشحين مرسي وشفيق على الاستفادة من جماهير المرشَحينْ: حمدين صبحي وعبد المنعم أبو الفتوح، ومن غير المستبعد إغراء كل منهما بمنصب نائب الرئيس، لكن إلى أي مدى ستنجح هذه الجهود؟ ذلك مرهون بموقفي صباحي وأبو الفتوح في الإصرار على اتفاق (قبل الموافقة ) ذي برنامج واضح وطني قومي بعيد عن الاستئثار والهيمنة الفئوية سواء من الإخوان المسلمين أو من أحمد شفيق وتياره.

المرشح الثالث في نتائج الانتخابات: هو المرشح الناصري الشعبي الوطني القومي العربي اليساري: حمدين صباحي. والمستغرب ليس مثلما يقول معظم المراقبين بأنه وصل إلى المركز الثالث! حمدين صباحي وبغض النظر عن حجم حزبه وعدم وجود قاعدة جماهيرية واسعة له في أوساط الشعب المصري، لكنه ناصري، والناصرية ما زالت تحتل قاعدة عريضة لدى الشعب المصري، لكل ذلك كان من الطبيعي أن يحرز موقعا متقدما في النتائج، ونستغرب أنه لم يحقق المركز الأول! هذه القاعدة الناصرية لا يمكن تجاهلها، ويجب أن لا يتم ذلك سواء من قبل الإخوان المسلمين أو من جهة أحمد شفيق وتياره، حمدين صباحي يتهم السلطة المصرية الحالية بإدخال 900 ألف ورقة انتخابية في صناديق الاقتراع لتأييد أحمد شفيق. وسيقوم محاميه برفع دعوى قضائية احتجاجاً على عدم نزاهة الانتخابات، لكن هذا الطعن تم رده. من المنتظر في الشهر القادم أن ينظر القضاء المصري للبت في شرعية المرشح أحمد شفيق باعتباره أحد رموز النظام السابق. المحكمة العلياهي التي ستقرر بعد أن أجازت له المحكمة الابتدائية بالحق في الترشيح.

يُسجّل أيضاً لعبد المنعم أبو الفتوح (المنشق عن الإخوان المسلمين) وصفه لإسرائيل بالعدو وليس (الخصم) مثلما وصفها عمرو موسى في مناظرتهما المشتركة قبيل الانتخابات.

يبقى القول: أيّاً كان رئيس مصر القادم مرسي أو شفيق، فإن الدلالة ستظل واحدة وهي: أن الثورة المصرية جرى اختطافها.
 

التعليقات