14/06/2012 - 15:28

إملأ الفراغ بالجملة المناسبة../ ظافر الخطيب

محاولة اللعب على هامش انشغال مراكز القوى العالمية، هروباً إلى الأمام، أو فتحاً لثغرةٍ في جدار اليأس تفضي إلى أمل ما ينعش أفكار الحل والدولة، هي محاولات خادعة أو أقله فاشلة طالما أنها لا تؤدي الى تسويات حقيقية بأفق إستراتيجي تجذر الوحدة وتنتج وعيا جمعياً

إملأ الفراغ بالجملة المناسبة../ ظافر الخطيب

محاولة اللعب على هامش انشغال مراكز القوى العالمية، هروباً إلى الأمام، أو فتحاً لثغرةٍ في جدار اليأس تفضي إلى أمل ما ينعش أفكار الحل والدولة، هي محاولات خادعة أو أقله فاشلة طالما أنها لا تؤدي الى تسويات حقيقية بأفق إستراتيجي تجذر الوحدة وتنتج وعيا جمعياً.

يمكن نقد التجربتين اللبنانية والفلسطينية، باعتبارهما نموذجين على هذه المحاولات، في الأولى تنتج طاولة حوار بمبادئ لا تعدو كونها تجميعا لمتفق عليه نظرياً بين كافة القوى وإن كان بتفسيرات مختلفة لا تلبث أن تأتي الأيام لتوضح المتفق عليه من التفسيرات المختلفة، ليتبين بعدها أن ما تشهده الساحة اللبنانية الآن و ربما حتى وقت قصير، لا يعدو كونه عملية تنفيس لمستوى احتقان، يكاد يخرج عن السيطرة ليوقع البلد في قطوع كبير ليس لأحدٍ قبلٌ به، كما أنه لا يجد حاضنة ترعاه وتمده بأسباب القوة على المستوى الدولي، خاصة مع توضح الأولويات الأمريكية المتجهة المرتبكة أمام قواعد لعبة عالمية جديدة تفرض نفسها وتأخذ بعين الآعتبار قوى أخرى باتت أكثر وضوحا وشراسة في التعبير عن مصالحها.

المحاولة اللبنانية هنا هي كسب للوقت أو لعبٌ عليه، لكنها أبداً لا تعني أن الأطراف باتت في وضعية القادر على إنتاج تسوية حقيقية، لاسيما، أن الأفكار الوحيدة الجدية بأفق حل دائم للأزمات اللبنانية (إلغاء الطائفية السياسية، اعتماد قانون النسبية، المؤتمر الوطني التأسيسي)، هي أفكار مرفوضة من قبل قوى أساسية وازنة في قوى الاختلال اللبناني، وعليه فإن لبنان ما زال وسيظل أسيراً لمعادلة استخدام مسيطر عليه للمذهبية وللمجموعات العصبية المتفلتة، وهو استخدام يحمل مخاطر كبيرة، كونه خطوة اضافية نحو انفجار غير متحكم به، وهي مخاطر جدية قد يمنعها توازن قوى، وقد يؤكدها توازن قوى آخر.

أما في النموذج الفلسطيني، فإن الأمر لا يختلف كثيراً، اللقاءات ونتائجها من حكومات انتقالية إلى انتخابات جديدة، ليست إلا خداعاً جديداً، حتى الآن لم يقدم الطرفان، ما يؤكد الخروج من منطق استخدام الوقت بشكل متذ اك، لرؤية التوازنات الجديدة التي يكاد الربيع العربي ينتجها، وفي حسابات أحد طرفي النزاع أنه قد يؤدي إلى أرباح تؤكد خياره ومشروعه بعد أن كسب مشروعيته، أو منطق ربح الوقت للوصول إلى حد أدنى من الخسائر تؤدي إلى الحفاظ على قدر من المشروعية لطرف آخر.

ما يؤكد ذلك، أن هذه المحاولات مثلها مثل النموذج اللبناني، غير مؤسسة على مشروع سياسي إستراتيجي، بل على توازنات تبحث عن تأكيد سيطرة أو استعادة سيطرة، إذ أن أفكار الوحدة يجب أن تؤكد على استعادة القضية إلى أبنائها، وذلك لا يتم إلا من خلال استعادة الشعب بمجموعه إلى العملية النضالية بعيداً عن أوهام التسوية، فالجوهر الأساسي للعملية النضالية هو اعتبارها بمجملها عملية تحرر وطني، وعليه فإن أي محاولة لا تفضي إلى استعادة الشعب الفلسطيني لا إلى السلطتين كتعبير عن مركزي القوة والسيطرة، بل إلى مجمل عملية التحرر الوطني.

يمكن رؤية الانفصال العامودي الحاد المحاولات الخادعة (لقاءات القاهرة وقراراتها)، وبين أوضاع الشعب الفلسطيني، الذي بات يتجه إلى كونه شعوباً فلسطينية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الخصوصيات التي تميزه على مستوى الجغرافيا، باتت تفترق كثيراً بحيث يصبح البحث عن الجامع المشترك عملية عقيمة، طالما أن البوصلة لم تعد إزالة الاحتلال واستعادة فلسطين.

معنى الحديث، أن القوى المتحاورة، لا يجدر بها القفز عن واقع الشعب الفلسطيني، ومقدار الانفصال الذي تحقق بعد هذه السنوات الطويلة من التخلي ومن الإبتعاد عن جوهر الصراع. المرجعيات الفلسطينية بمختلف اتجاهاتها لم تلتفت حتى الآن لا إلى هذا الواقع، ولا إلى ذلك الاختلاف، لم ترصد عمليات التحول التاريخي التي أنتجت تمايزات، ولم ترصده وهي تنتج اتفاقياتها وقراراتها، هذا على فرض أنها اتفاقيات جدية وقرارات حقيقية.

إن التاريخ والصراع كما الغاية والهدف، هما عوامل وحدة الشعب الفلسطيني، وهي عوامل عابرة للعواطف والمشاعر والأناشيد الوطنية (الفصائلية)، يمكن فحص هذه العوامل، و تأكيد حضورها أو غيابها الطويل عن الفلسطينيين، بدون هذه العوامل يعود الفلسطينيون إلى وحدات متناثرة، كل وحدة لها خصوصيتها، وتخضع بدورها لمميزات وخصوصيات المجتمع الذي يحتضن هذه الوحدات.

لا يمكن للخطابات الطويلة والإنشاء الممل فيها، أن يستلب الحقيقة من التاريخ والواقع، فجملة الممارسات حتى الآن، ممارسات تشبه حركة البهلوان، قفزٌ على الحبال أو استعراض، وأي عملية لا تستند إلى قراءة واقع الشعب الفلسطيني وحركته التاريخية، هي إسقاط مضر، لأنه قد يخدم مراكز قوة دون أن يفيد الشعب الفلسطيني ويعطيه من أسباب القوة ما تمكنه من تجاوز هذه المرحلة كونها من أخطر المراحل باعتباره أنتج خاصيات جديدة تعارض فرادته التاريخية.

ما هو مؤكد حتى الآن أن هناك علاقة بين توفر إرادة وطنية حقيقية والقدرة على إنتاج تسويات وطنية تجمع وتوحد الكل المختلف في بوتقة الشعب الواحد، والعكس صحيح، ودون امتلاك القدرة على مواجهة الذات بحقيقتها، يصبح كل فعل متفق عليه بين مركزي القوة، هو فعل غير متوازن ومؤقت. ولئن جاء الحراك الحواري اللبناني، بفعل الانذار الذي أطلقه الاقتصاديون في لبنان عن انهيار اقتصادي قادم، وعلى وقع الخسائر المحتملة للقطاع السياحي الشريان الحيوي في الاقتصاد اللبناني، فإن حركة المفاوضات الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، تبدو وكأنها على قاعدة املأ الفراغ بالجملة المناسبة أو بالحركة النسبية.
 

التعليقات