14/06/2012 - 17:56

المحنة السورية والانتخابات المصرية.. الطريق الثالث / د. عمر سعيد

نكأت المحنة السورية الراهنة وملابسات الانتخابات المصرية الأخيرة، جرحا أليما غائرا في وعي أمتنا المعاصر ومشروعها النهضوي الكسيح، فالتهبت الأجواء وتلوث الفضاء

المحنة السورية والانتخابات المصرية.. الطريق الثالث / د. عمر سعيد

نكأت المحنة السورية الراهنة وملابسات الانتخابات المصرية الأخيرة، جرحا أليما غائرا في وعي أمتنا المعاصر ومشروعها النهضوي الكسيح، فالتهبت الأجواء وتلوث الفضاء، فالتقى الجمعان بعصيهم الغليظة مجددا في "مبارزة حرة" متحللة برعونة لافتة من وطأة المسؤولية التاريخية، ومجافية بجهالة محزنة لأبسط ضوابط عقدنا الاجتماعي، في اندفاع ثأري مدمر لإعادة إنتاج المنازلة الكبرى بين التيارين الإسلامي والقومي - العلماني التي خبرنا ويلاتها إبان وبعد الحقبة الناصرية.

التقارب بين التيارين الإسلامي والقومي في ظل أنظمة الاستبداد كان "هدنة هشّة" سرعان ما تهاوت

هذه الغفلة التاريخية البائسة أظهرت بالوقائع أن غالبية النخب الثقافية والسياسية والدينية التي ينبغي أن يعول عليها، لم تفقه معنى دورها الحقيقي في حماية وتطوير الأفق الجمعي للأمة، ولم تذوت فعليا دروس تلك التجربة المرة، كما أظهرت أن انحسار الصراع بين التيارين في العقدين الأخيرين إنما تحقق "بفضل" أنظمة الاستبداد نفسها لوقوعهما تحت سطوته وقمعه الغاشم، وما ذاك التقارب سوى "هدنة هشة" سرعان ما تهاوت، فعاد كل طرف ينبش في ترسانته العتيقة لاستحضار عوامل الشحن "العقائدي" ليرفعه بوجه الآخر على نحو مأساوي، غير آبهين بأثره في تبديد روح الثورة وأجوائها الانفتاحية وتخريب الوعي الانتهاضي لدى أجيالنا الصاعدة.

مهما تعددت الأسباب وراء سهولة تشكل ذلك الاستقطاب المريع والمفارق لقواعد المنطق، ومهما أشرنا بأصابع الاتهام نحو أطراف خارجية معادية أو جهات انتهازية ومتطرفة داخلية، أو حملناه على كاهل ثقافة الجهل والخرافة... الخ، إلا أنه، برأيي، ما كان لهذا الشرخ غير المندمل أن يتحقق لولا تلك القطيعة المتخفية والناجزة فعليا في مجتمعاتنا بين نخب وأنصار التيارين، لدرجة قد تظهرهما منتميين لمجتمعين منعزلين تكاد تغيب عنهما أهم المشتركات الثقافية والرموز الوطنية الجامعة.

ولست أبالغ إذا ادعيت أن طبيعة الانقسام الحالي يفوق بحدته ويختلف بجوهره عن كافة الانقسامات التي استحوذت على مجتمعاتنا عبر الحقب التاريخية السابقة، وأن علاجه مرتهن إلى حد بعيد بعمليات إصلاح وتحديث جريئة للفكر الديني والعقل الفقهي من جهة، ونقد تصحيحي شامل لمواقف التيار العلماني بصلته مع التراث والدين من ناحية مقابلة.

الخطاب الديني المعاصر: هل أفلح في الإفلات من قبضة المنهج السردي الانفعالي في تعامله مع التاريخ؟

لم يكن المجتمع الإسلامي الأول متربعا فوق قوانين الواقع الحياتي، أو حصينا بوجه الصراعات السياسية والفكرية أو حتى الاحتراب الدموي، بيد أن جميع أطراف الصراع وقتها كانت تستظل بعباءة الفكر الديني السائد، وتسبح في فضاء مرجعي واجتماعي واحد، حيث تستمد شرعية الاختلاف من خلال عمليات تأويل للنص القرآني المقدس وأخبار السيرة النبوية الشريفة، وهكذا فإن أدوات الصراع الأيدولوجية (الفقه والمجادلة الفكرية)، كانت هي المتغير الوحيد في المشهد المرجعي العام. لهذا عينه، فإن العقل السلفي، والذي يعتمد في بنيانه المعرفي على الاستحضار والتكرار والتقليد، سيستمر في إفراز المضادات الفقهية اللاعقلانية في مواجهة الظواهر والمفاهيم الاجتماعية التي تولدت في السياق التاريخي اللاحق، ما دامت تلك المفاهيم طارئة وتفتقر لسند قطعي أو قياسي في التراث الفقهي لأسلافنا. هذا الاستلاب الزماني تحديدا هو الذي وقف وراء استمرار تلك النزعة الصدامية تجاه القومية الناصرية حينذاك، والتي اعتبرت ظاهرة تعدد المرجعيات نوعا من الشرك بالله، والأحزاب غير الإسلامية مجرد طواغيت وأصنام ينبغي تحطيمها.

أسوق ذلك معتمدا على أن الخطاب الديني المعاصر، بمجمله، لم يفلح في الإفلات من قبضة المنهج السردي التبجيلي الانفعالي في تعامله مع التاريخ، فظلت ريشته ترسم صورة متخيلة شديدة النقاء للمجتمع الإسلامي الأول، تكاد تخلو من كل أشكال الصراعات الاجتماعية والتناقضات الفكرية، متحاشيا بهذا تسجيل أي نقد جدي لهذا التاريخ، وإن فعل فإنه حتما سيرده لتفسيرات غير علمية لا تسمن ولا تغني عن جوع، وغالبا ما تنسب لعوامل خارجية تتضمن طعنًا حتى في صحة الحدث التاريخي كما وصل إلينا (تزييف مستشرقين، عداء للإسلام... إلخ)، وفي الحالات الأفضل يردون الأسباب لخطأ إنساني يجب أن لا نكثر الإمعان فيه.

تعدد المرجعيات: بدء تشكل المعازل الاجتماعية وتشظي بنية الثقافة العامة الجامعة

يعرف جميعنا أن ذاك التجانس المرجعي المديد، ما كان قادرا أن يصمد بوجه استحقاقات العصر الحديث، بعد أن تعرض لهزة حضارية عنيفة زحزحت قواعده وغيرت ثوابته التقليدية حينما انتصب أمام المجتمعات العربية الإسلامية المنهكة تحد جديد، بات يعرف بإشكالية الأصالة والحداثة، وهو التحدي الذي أنتجه انهيار وتراجع المجتمع أمام انتصارات الحضارة الغربية التي جاءت إلى ديارنا بصورة جلاد محتل وصاحبة ثقافة حية وغنية.

 منذ هذه اللحظة، تعددت المرجعيات وبدأت معها عملية تشكل المعازل الاجتماعية. وفي ضوء تبعات ثقافة القبيلة وإرثها ضارب الجذور في المزاج السياسي التاريخي لدينا، وفي ظل غياب صارخ لقنوات التثاقف والتلاقح المعرفي بين التشكيلات السياسية والنخب الفكرية والمجتمعية المختلفة، فإن عملية التراكم المعرفي والانبناء المجتمعي لن يكتب لها الوجود بالمعنى الحقيقي، فتصبح ظاهرة الاختلاف والتنوع حينها أشبه بحصون ثقافية يعيش تفاصيلها كل طرف في عالم خاص من القيم والحقائق المطلقة، ويتمتع أصحابها بمنظومات ومقاييس اجتماعية قيمية تكاد لا تتصل بالأخرى، فتختفي حتى فرص التواصل في فضاء المدينة / القرية العام، حيث لكل جهة أمكنة خاصة بأتباعها للالتقاء... وهكذا تتشظى بنية الثقافة العامة الناظمة لذوقنا والمحددة لشخصيتنا الوطنية، وينقسم المجتمع في حالة بائسة من التشرذم والاستقطاب، فتغيب عن سمائه الرموز والمعايير الثقافية الجامعة ويتبخر الهمّ المشترك، ويصبح لكل رهط رموزه الخاصة في الأدب والسياسة والتاريخ والفن... وبهذه الطريقة تضيع المنجزات العامة وتتآكل في طاحونة التناحر العدمي، فيسهل عندها تحول الاختلاف الطبيعي إلى حرب ضروس.

مسؤولية التيار الاسلامي: مخاطر الهيمنة والاحتكار والإقصاء

بهذا المعنى عموما، فإن مسؤولية التيار الإسلامي في درء مخاطر الانزلاق ربما أوفر، ذلك لأنه يبدو أكثر ضلوعا في إنتاج مناخات التعبئة والشحن الحالية، ويظهر إصرارا ملحوظا على انتهاك التوافقات المرعية بين التيارات الفاعلة، مدفوعا بكثير من الغرور الذي تعاظم في أعقاب النجاحات الانتخابية التي حققها عربيا، وربما استقر تشخيصه للواقع الجديد على أنه اللحظة الأنسب لاستكمال وصايته السياسية على رقاب الأمة بأي ثمن. هذا التقييم يستمد منطقه من حقيقة أنه عندما يحتكر التيار الديني المهيمن فهم مقاصد الشريعة، ويستفرد لنفسه بمفاتيح التأويل، ويستبعد من دائرة الشرعية والمشاركة حتى أي جهة إصلاحية خارجة عن تشكيلاته التنظيمية، فلن يعود، ساعتها، غريبا عليه اقتناعه أن عالمه الفكري واجتهاده الفقهي السياسي مطابق لمقصود النص المقدس، وبذلك لن يقيم لحضور التيارات الأخرى وزنا، وتصبح حتى أبسط حملاته السياسية اليومية ذات بعد عقائدي ديني.

هذا ما بتنا نلمسه في الواقع المصري، وما نشهد عليه في خطابهم الإعلامي من الصراع الدائر في سوريا، ولئلا أفهم على نحو خاطئ، ينبغي أن أؤكد المفروغ منه، وهو أن نقدي هذا لا يتناول جوهر وطبيعة الموقف من المحنة السورية، فذاك اجتهاد مشروع ويحتمل الاختلاف في إطار البيت الوطني الواحد.

التيار الاسلامي في فلسطين: المحنة السورية وإعادة تنصيص التاريخ وأصوله الأولى

الخطاب الإعلامي السياسي التجييشي الذي اعتمده التيار الإسلامي في ديارنا تخطى أبسط الثوابت، ودخل بمضمونه ودلالاته وتداعياته في دوائر المحظور قطعا بكل ما في الكلمة من معنى، حيث لا يتورع عن إظهار الصراع الدائر في سوريا على أنه قتال بين الدين والكفر، بين الفضيلة والرذيلة، وبين الإسلام والقومية، وهو ينطوي، كما يبدو من لحن الخطاب، على ثأر عقائدي مؤجل ضد "رؤوس الكفر" المنشقين عن الإسلام، وقد حان قطافها وتنتظر الحسم بين أهل السنة وبين الطائفة العلوية (النصيرية) المستبدة، التي تقبض على عنق المجتمع السوري بوسائل البطش والتنكيل، مدفوعة بحقد طائفي يستمد حيويته من حوادث دموية تاريخية.

ومن أطرف المفارقات أن "يكشف" لنا أصحاب الخطاب أيضا، أن وقوف حزب الله وإيران لجانب النظام السوري لا علاقة له برفض الهيمنة الصهيونية الأمريكية، بل هو ببساطة دعم مذهبي معاد لأهل السنة، ما كان سيبدو على حالته تلك لو أن بشار الأسد كان سنيا!

لهذا، فقد استدعت التيارات الاسلامية منظومات اللعن والتكفير الجاهزة، وأطلقتها من فوق منابر المساجد، مستنجدة بقاموس لا ينضب من العبارات والتشبيهات القاسية والمهينة، والتي لا تليق بتيار ديني دعوي وشيوخ نجلهم ونحترمهم، مترافقة مع إعادة تنصيص للتاريخ ولأصوله الأولى، دون أن تولي اهتماما ولو بسيطا للتداعيات الخطيرة المفتتة والهدامة المترتبة على هذا الصنف من الخطاب المنفلت من عقاله على وحدة المجتمعات العربية، وعلى سلامة العيش المشترك وآماله في النهضة، لما يسكنه من تحريض طائفي واستلاب جامح عن روح عصرنا الذي لم يعد يتفهم مثل هذا التوجه إلا باعتباره دعوة لاغتيال ونفي الآخر.

الحركة الاسلامية والمسافة من السلفية التكفيرية

لقد ظهر، في معمعان هذه الحملة أيضا، بعض قادة الحركة الإسلامية في بلادنا وكأنهم ينتمون بالكامل للفكر السلفي التكفيري، ولا يقيمون احتراما في وعيهم للسياقات التاريخية التي أوصلت الإنسانية لهذا التشكل والتنوع في مرجعياته، ما يدحض ادعاءهم في احترام الحركات والتشكيلات السياسية المجتمعية من أحزاب قومية واشتراكية ولبرالية...، والتي تعرض في خطبهم بصفتها مجرد تعبير عن حالة من الضياع، تشكلت في غفلة من ضعف الأمة، ولعبت دورا معيقا كأدوات متذيلة للاستعمار الثقافي لإبعاد المجتمع عن دينه وتاريخه.

في أتون حماستهم تلك، والتي توحي كما لو أنهم في مهمة مقدسة لتدشين قواعد الدين الإسلامي من جديد، يغفل هؤلاء أنهم بذلك ينزعون الشرعية حصرا عن المعارضة السورية العلمانية وغير الإسلامية... ويوحون للآخرين باستحالة التحالف معهم.

تعدد المرجعيات وغنى الأفكار ضرورة لاغتناء المجتمع وإخراجه من هامش الشلل إلى صدارة الفعل الحضاري

لا يمكن لنا، إسلاميين كنا أم علمانيين، أن نقبل التسليم بمثل هذا الخطاب التدميري، حيث أن مجتمعاتنا بحالتها الراهنة وتنوعها الفكري لم تعد تطيق سماع مثل هذه النبرة النشاز، ولا ترضى استباحة وعيها وضميرها ولحمتها عبر تخريجات دينية مفارقة للقيم الإسلامية السمحاء والوعي الإنساني العصري، الذي يرى بتعدد المرجعيات وغنى الأفكار ليس أمرا طبيعيا فحسب في هذا الزمان، وإنما حالة صحية وضرورية، يتطلب أن تدلي بدلوها في مشوار التثاقف المتبادل من أجل اغتناء المجتمع أخلاقيا وثقافيا وماديا، واستخراج إمكانياته المكنونة للانطلاق من هامش الشلل إلى صدارة الفعل الحضاري.

إخوان مصر: ثمن تجاهل التعددية والاستئثار

في سياق مقارن مع تداعيات هذه المعضلة، فلا أحد يستطيع إنكار الميزات العقلانية الراجحة التي يتمتع بها غالبية قادة تيار الإخوان في مصر من ناحية دورهم الفكري المجتمعي والنضالي في مواجهة آلة القمع والاستبداد لنظام المخلوع حسني مبارك، هذا فضلا عن خطابهم المدرك والواعي لمؤامرات تحطيم ركائز وحدة مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث تجلى ذلك في رفضهم التقسيمات المذهبية التي يسوقها بعض حكام العرب العملاء، ومن ورائهم مشايخ النفط والغاز، والسلاطين من الحركة الوهابية السلفية وغيرها.

وبالرغم عن ذلك الرصيد الواضح، يكفي دلالة هنا أن نلحظ كيف أضاع الإخوان المسلمون في مصر، وفي فترة لا تزيد عن أربعة شهور، نصف الثقة الجماهيرية الواسعة التي منحها إياها الشعب المصري في الانتخابات التشريعية، وذلك حينما تجاهلوا وزن وقيمة التعددية في المجتمع المصري، وتنكروا لحقيقة أن الثورة قد انطلقت ونجحت بفضل من لم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم على شكل أحزاب، وأنه لا يمكن الاستئثار بالحكم على حساب من بذل دماءه الزكية، وأن ثقافة الاستكبار والانتهازية السياسية ومغازلة الأمريكي ومداهنته، والحنث بالوعود، وعدم إنصاف الآخر في ظل مجتمع ثوري قيد التشكل، حتما ستجعل صاحبها يدفع الثمن غاليا وهذا ما حصل في انتخابات الرئاسة.

الطريق الثالث: تحالف الإسلامي الإصلاحي والقومي الديموقراطي

المتتبع للحوارات والنقاشات السياسية للمثقفين المصريين، سيلمس بالأكيد أن أصداء الصراع السوري ومفرداته وعصبياته التي انقسمت بين قومي وليبرالي وإسلامي وسلفي و... وجدت لها ترجمات كثيرة في المجتمع المصري الثائر وأشعلت لدى قطاعات كثيرة، الشبابية على وجه الخصوص، مخاوف مشروعة من أن يسد أفقهم المستقبلي والحداثي على يد أوصياء الدين والفكر، كل هذا أسهم في دفع الناخب المصري إلى إعادة ترتيب أوراقه بما يعكس ويخدم التنوع المجتمعي والفكري بحيث فاز التياران الإسلامي الإصلاحي والقومي الديمقراطي بنسبة عالية من الأصوات، وشقا معالم الطريق الثالث الذي ينشده المجتمع المصري والمجتمعات العربية عموما.

إن هذا التحالف المتنامي (ما بين الإسلامي الإصلاحي والقومي الديمقراطي)، هو ما سعت لتحقيقه كل تيارات النهضة في المجتمعات الحديثة، وهو الصيغة الأمثل، وقد تكون هي المعادلة الذهبية لإنهاء القطيعة الكبرى بين الفكر الإسلامي والقومي الذي دفع مجتمعنا جراءها أعز التضحيات.

انتخابات الرئاسة المصرية: فرصة بناء ثقة متبادلة بين قوى المجتمع، وضرورة دعم مرشح الإخوان

مع هذا، وما دمنا على أبواب استحقاق رئاسي فوري وخيار واضح بين الفلول والإخوان، فعلينا رفض واستبعاد مبررات من يدفع باتجاه المقاطعة أو الحياد، أو دعم مرشح الفلول، بحجة قطع الطريق على الاندفاعة الإخوانية للتحكم بكافة أجهزة الحكم والسلطة، والذي سيفضي بحسابهم لانتكاس التيارات العلمانية وإلى مزيد من التطرف الديني وخنق الحريات العامة والخاصة، متذرعين ببعض مواقف الإخوان الانتهازية التي ظهرت إبان الثورة وبعدها، فضلا عن إرث الصراع القومي الإسلامي المعروف.

لكن ينبغي لنا الإقرار أن الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من كل اللوم والنقد وصحة أغلب ما يشاع، إلا أنهم بوجه عام يمثلون مركبا عضويا في مشروعنا النهضوي، ورافدا هاما في تيار الثورة والتغيير، وعليه فإن المطلوب في هذه اللحظة الفارقة تاريخيا، أن تفتح القنوات وتمد الجسور للتحاور وإنجاز ائتلاف شامل مبني على صيغة عميقة من التفاهمات المشتركة التي تضمن مزيدا من القوة لتيار الثورة، وتزيل أهم المخاوف، وتؤمن مشاركة فعلية في إدارة شؤون البلاد على قاعدة الإفادة من التجارب السابقة من ناحية أولى، وتقطع الطريق الملتوية على الفلول وأجهزتها المتخفية والمنبثة في الكثير من الدوائر المجتمعية والسلطوية، وتدفع باتجاه محاصرة نهجها وأزلامها بالكامل.

قد يكون هذا هو القرار الأصعب الذي يواجه حسابات قيادة التيار القومي التي تخشى على مستقبل حركتها من ردات فعل مناصريها ومحازبيها، والتي بطبيعة الحال غالبا ما تكون مرتكزة على حسابات عاطفية وآنية، غير أن القرارات المصيرية تبنى على الرؤية العميقة التي تستجلي الأفق والمستقبل، وتضبطها مصلحة الأمة، وهو الموقف الذي تواجهه اليوم تيارات القومية والإصلاحية، وعليها أن تستجمع شجاعتها وتحسم أمرها بهذا الاتجاه دون تلعثم أو تردد، وسيكون لهذه الوقفة التاريخية نتائج هامة وبعيدة المدى على أنماط التعامل والثقة المتبادلة بين قوى المجتمع الحية والطليعية، لطالما انتظرتها شعوبنا بشوق، وقد تجسد بهذه الخطوة مثالا يحتذى به لكافة مجتمعاتنا العربية.

التعليقات