22/06/2012 - 09:31

اللحم الرخيص../ ظافر الخطيب

يستعر مزيج الحماس والغضب في هذه اللحظة، هو إحساس متماه يعجز العقل عن إدراكه أو التحكم به، ليس من طلقاتٍ لجندي أصاب عين الهدف فأزاح جمجمةً فلسطينية لشاب كان همه فقط أن يقول اعذرني أيها الجندي لست من فتح الإسلام، ولا من القاعدة أو حتى جماعة النصرة والجهاد، أنا فقط فلسطيني قرفان، قرفت الحصار ونظام التصاريح، قرفت المعابر، كرهت نظراتٍ مستبدة، كرهت السجن والقيادات والممارسات، كرهت مضطبة الاتهام، كرهت حتى فلسطينيتي، فاعذرني أيها الجندي، اعذر صوتي، وصرخاتي وحتى حجارتي فهي إن رمت فهي الى الفراغ وطائشة، لا تصيب مقتلاً، لا تهز أمناً ولا تخدش سلماً أهلياً فتقرر حرباً أهلية.... حجارتي أيها الجندي في معرض الرصاص والقنابل والصواريخ هي مجرد نكتة..

اللحم الرخيص../ ظافر الخطيب

المكان: نهرالبارد
الزمان: في مساحة بين مستوى الغضب والحاجة إلى مقاربات عقلو جبانية
الزمان مرة أخرى: بين الوجع والغضب، في زمن انفجار الجمجمة

يستعر مزيج الحماس والغضب في هذه اللحظة، هو إحساس متماه يعجز العقل عن إدراكه أو التحكم به، ليس من طلقاتٍ لجندي أصاب عين الهدف فأزاح جمجمةً فلسطينية لشاب كان همه فقط أن يقول اعذرني أيها الجندي لست من فتح الإسلام، ولا من القاعدة أو حتى جماعة النصرة والجهاد، أنا فقط فلسطيني قرفان، قرفت الحصار ونظام التصاريح، قرفت المعابر، كرهت نظراتٍ مستبدة، كرهت السجن والقيادات والممارسات، كرهت مضطبة الاتهام، كرهت  حتى فلسطينيتي، فاعذرني أيها الجندي، اعذر صوتي، وصرخاتي وحتى حجارتي فهي إن رمت فهي الى الفراغ  وطائشة، لا تصيب مقتلاً، لا تهز أمناً ولا تخدش سلماً أهلياً فتقرر حرباً أهلية.... حجارتي أيها الجندي في معرض الرصاص والقنابل والصواريخ هي مجرد نكتة..

كلا لست معذوراً أو مغفورا ذنبك، فأنت نفسك الغريب، حتى وإن تهافت سلمنا الأهلي و تداعى أمننا الوطني، وإن كنت حقاً ما تقوله في القرف من كل شيء، فلتعذرني جمجتمك أن أحدث فيها انفجارٌ، إن كنت قد تعودت الموت فإني لم أتعود بعد الغياب، أنت وسيلةً أؤكد فيها حضوري أو حتى وجودي. أعرف أنك ضحية، وأعرف أنك لست مداناّ، لكني أعرف أنني أيضاً ضحية، فماذا لو تنازلت ضحية لضحية، لينتصر أحدٌ منا، وطالما أن انتصارك مستحيل فدعني انتصر بتأكيد حضوري...

الحوار  بين جمجمةٍ محاصرة، وبندقية مكبوتة، هو حوارً متوازنٌ جداً، يتأكد فيها الفلسطيني من حضوره حتى بالموت، وأحمد ابن المخيم المدمر الساكن على وجع الغياب الأول عن فلسطين، لم يهرب بارودة أو طلقة، ولم ينتهك الحياد الإيجابي والسلبي، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء مشاهدة المشاهد المتواترة عبر الجزيرة أو العربية، هو ضد الاستبداد والظلم وقهر الشعوب، لكنه لا يستطيع أن يكون مع أمريكا وإسرائيل والعربان الغاربة، لذلك لاذ بالصمت وقرر الابتعاد عن الفضائيات ونشرات الأخبار.

وأحمد المظلوم، ابن المخيم المدمر، وصاحب الوجع القادم مع التاريخ، والذاهب نحو المستقبل، لم يكن مصاباً بداء تأكيد الحضور، لكنه لا يحب الظلم ولا القهر، يستشعر الإذلال اليومي، يضع هذه الأحاسيس في أعمق دواخله، كي يستعيدها متى شاء و في اللحظة التي يقرر، هذه هي القاعدة الفلسطينية الثابتة على مرّ التاريخ، لا تنفس غضبك، راكم إسقاط الممارسات المذلة عند المعابر.

غداً، حين يحمل أخوة احمد جثمانه على الأكف، سيطلقون زناد الحنجرة البشرية، يقولونها لا مدوية، لا للقتل ولا للجوع، لا للذل ولا للقهر، فهل من يسمع أو يستقبل تلك الصرخات، هل من يفهم أو يستوعب، أن هذا اللحم الرخيص جداً والمعروض في سوق النخاسة، من حقه أن يكتب رسالة إدانة لكل من يهمه الأمر.......
 

التعليقات