02/07/2012 - 10:14

"إخوان" مصر: مغالبة الآخرين أم مشاركتهم؟../ علي جرادات

بفوز "الإخوان" بمنصب رئيس الدولة المصرية لأول مرة في تاريخهم وتاريخها تدخل مصر الدولة طوراً جديداً من التنازع ينذر باحتمالات وتطورات ومفاجآت متعددة، تطال مستقبلها، نظام حكم ومجتمعاً وهوية ودوراً عربياً وإقليمياً ودولياً

بفوز "الإخوان" بمنصب رئيس الدولة المصرية لأول مرة في تاريخهم وتاريخها تدخل مصر الدولة طوراً جديداً من التنازع ينذر باحتمالات وتطورات ومفاجآت متعددة، تطال مستقبلها، نظام حكم ومجتمعاً وهوية ودوراً عربياً وإقليمياً ودولياً، إذ في عداد الرغبات "البريئة" اعتبار فوز"الإخوان" بانتخابات الرئاسة، تتويجاً لتداعيات ثورة شعبية فجرت تناقضات معقدة يتعذر معها حشْر مآل حركتها في مطلقات الأبيض والأسود القاصرة عن تمثُّلِ اللوحة المركبة بعناصرها المتنوعة وألوانها المختلفة وحراك اصطفافاتها بسرعة لافتة تشي بها اليوم واقعتا استباق "المجلس العسكري" إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بإصدار "إعلان دستوري مكمِّل" يعيد له سلطة التشريع بعد أن حكمت المحكمة الدستورية بحل "مجلس الشعب"، ويعطيه صلاحية التحكم في إعادة تشكيل لجنة إعداد الدستور المتوقع حلها بقرار قضائي، ويحد من سلطات رئيس الجمهورية في مجالات كثيرة؛ ومبادرة "الإخوان" إلى تحريك "الميدان"، رغم فوزهم بمنصب رئاسة الجمهورية، ما يشير إلى أن كلاً من الطرفين يحاول استخدام أوراق قوته، ذلك ارتباطاً بحقيقتين:
            
1: حقيقة أن فوز مرشح "الإخوان" جاء بأقل من ربع أصوات الناخبين المقيدين في السجلات في انتخابات قاطعها نصفهم تعبيراً عن رفْضه لكلا مرشحيْ جولة الإعادة؛ وأن نصف المصوتين له لم يكن من قبيل التأييد لبرنامجه، بل تعبيراً عن رفْض برنامج منافسه الذي حاز النسبة ذاتها تقريباً، وبالأسباب ذاتها أيضاً؛ وأن مجموع ما حصل عليه مرشحون آخرون في انتخابات الجولة الأولى جاء مساوياً تقريباً لمجموع ما حصل عليه المرشحان اللذان تنافسا في جولة الإعادة؛ وأن مجموع ما حصل عليه "شفيق" و"صباحي" و"أبو الفتوح" و"موسى" ومرشحون آخرون في الجولة الأولى يتجاوز ما حصل عليه مرشح "الإخوان" بنسبة الثلثين على الأقل، ما يشير إلى أن تحوُّلاً هائلاً قد طرأ على موازين القوى في المجتمع السياسي والمدني المصري قياساً بما كانت عليه عند إجراء الانتخابات البرلمانية قبل شهور، وبالتالي فإن "الإخوان"، برغم فوزهم بمنصب الرئاسة قد صاروا، (شاؤوا أم أبوا)، مضطرين أكثر من أي وقت مضى لمواجهة تحدي الكف عن سياسة المغالبة، والتوجه، (بالأفعال قبل الأقوال)، إلى سياسة المشاركة لإقناع بقية القوى بالتعاون معهم على قاعدة القواسم المشتركة، فهل يفعلون ذلك امتثالاً لحقائق موازين القوى على الأرض، أم سيواصلون مناورات تيارهم "الصقري" الرامي إلى الإنفراد في قطف ثمار الثورة بعد إطاحة الرئيس المصري السابق قبل 16 شهراً؟

2: حقيقة أن سيطرة "الإخوان" على الجهاز البيروقراطي للدولة المصرية بعد الفوز برئاستها غير ممكنة من دون التحكم بمؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة، بوصفها أهم أدوات القوة في أية دولة، فما بالك حين يتعلق الأمر بالدولة المصرية التي أدارها الجيش عملياً منذ ثورة يوليو العام 1952، وتولى إدارتها رسمياً منذ مساهمته في تنحية رئيسها السابق، ما يفسِّر عودة "الإخوان" إلى "الميدان"، لكن السؤال: هل هي عودة من يريد استكمال إنجاز مطالب الثورة وفقاً لمشيئة "شباب" "الميدان" وبقية القوى السياسية، أم هي عودة من يريد استخدامها لمغالبة "المجلس العسكري" بهدف السيطرة على جميع مفاصل الدولة وسلطاتها وفقاً لمشيئة "صقور" "الإخوان" ومناوراتهم التي لم تعد خافية على أحد منذ أن ساهموا في إنجاح خيار "الانتخابات لا الدستور أولاً"؟

   على أية حال، ثمة مداخل أخرى لقراءة ما يحدث في مصر بعد فوز "الإخوان" بمنصب رئيس الجمهورية، ولكن أغلبها يندرج في إطار السؤالين السابقين، وما ينجم عن إجابة "الإخوان" عليهما من تداعيات لا تؤثر في كيفية حل التناقضات الداخلية فقط، بل وتحدد أيضاً كيفية تأثير تدخلات الولايات المتحدة الرامية لإبقاء مصر ملحقة وتابعة لسياستها، وملتزمة باتفاقية كامب ديفيد مع "إسرائيل"، المطلوب ضمان تفوقها على ما عداها من دول المنطقة، وأولاها مصر بوصفها الدولة العربية الأكبر والأكثر رسوخاً، ذلك لأن من شأن لجوء "الإخوان" إلى خيار مواصلة سياسة المغالبة، سواء مع بقية القوى السياسية، أو مع "المجلس العسكري"، أن يؤدي إلى تسعير التناقضات الداخلية وإطالة أمد تداعياتها، ما يجبرهم، بوعي أو من دون وعي، على "تليين" مواقفهم تجاه مقتضيات رضا الولايات المتحدة وملحقاتها دولياً وإقليمياً عن تسلمهم لرئاسة الجمهورية، خاصة وأنهم الفائزون بها بأقل من ربع أصوات الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي، فضلاً عما لا يزال بيد "المجلس العسكري" من أوراق قوة، لن يستطيع "الإخوان" انتزاعها إلا بالتفاهم والتوافق معه، بينما من شأن لجوئهم، إلى خيار سياسة المشاركة مع "المجلس العسكري" وبقية القوى السياسية، أن يؤدي إلى تخفيف حدة التناقضات الداخلية وتقصير أمد تداعياتها، ما يساهم في جمع الصف الوطني، ويزيد من قدرته على مواجهة أية تدخلات خارجية، وتمكين مصر الدولة من النهوض ثانية على طريق استعادة دورها ومكانتها اللائقين بأهميتها ووزنها عربياً وإقليمياً ودولياً، هذا عدا ما تفضي إليه سياسة المشاركة من مضاعفة للجهود وتفعيل للطاقات وتجميع للقوى الوطنية، قط دونها لن يتمكن أي منها بمفرده، مهما بلغت قوته، من التغلب على تحديات إرث سياسي واقتصادي واجتماعي ثقيل، أنجبته ثلاثة عقود من احتكار الحقل السياسي، وانتفض الشعب المصري ضده بالملايين تنادي بمطالب الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والوطنية، مطالب يخطئ مَن يظن أن تحقيق بُعدِها الديمقراطي بمعناه السياسي الليبرالي، (الذي لم يكتمل بعد)، سيغلق الطريق على أبعادها القومية والتنموية الوطنية المستقلة والاجتماعية بعد أن لم يعد بمقدور الشعب المصري العيش بالطريقة القديمة، وبعد أن بلغت معاناته حداً لا يمكن احتماله، ما طوى صفحة احتكار السياسي بايدولوجيا "سلطان غشوم خير من فتنة تدوم" لمصلحة التنامي المطرد لثقافة "أعجب لمن لا يجد القوت في بيته، ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه". ما تقدم هو تحليل للمشهد المصري الآن، أما ما سيحدث فعلاً فيتوقف على قرار "الإخوان": هل سيشاركون الآخرين أم يغالبونهم!                   

التعليقات