04/07/2012 - 09:33

مصر: جمهورية ثانية.. أم ثالثة؟!../ رشاد أبو شاور

لا يمكن تلقي ما جاء في خطاب الرئيس مرسي ببراءة عن الجمهورية الثانية، فالخلط بين سنوات قيادة ناصر و.. خراب التبعية والأمركة وفقدان مصر لدورها وأهميتها.. لا يمكن أن يؤخذ ببراءة، وأحسب أن كثيرين في مصر سيتنبهون للأمر، وسيكون لهم رأي فيه

مصر: جمهورية ثانية.. أم ثالثة؟!../ رشاد أبو شاور

كنت من أوائل من طرحوا أن رئاسة مصر ما بعد الثورة، لا بدّ أن تؤسس للجمهورية الثالثة، ولم يكن هذا مجرّد كلام يلقى على عواهنه، ولذا سررت وأنا أتابع الخطاب المبدئي و المتميّز والواضح للمرشح حامدين صباحي، وهو يؤكد على أنه سيؤسس للجمهورية الثالثة في حال فاز في انتخابات الرئاسة.

لم يكن مستغربا عندي، وعند كثيرين في الوطن العربي الكبير، لا في مصر وحدها، أن حامدين صباحي قد كرر في كل خطاباته، ولقاءاته الصحفية، والجماهيرية، أنه يعد بالجمهورية الثالثة، وبكل ما يعنيه هذا الوعد الذي ينسجم تماما مع برنامجه الإستراتيجي للنهوض بمصر، والسير بها على طريق الاستقلال الاقتصادي، والسياسي، والتعليمي، واستعادة دورها القيادي عربيا، وأفريقيا، وعالميا.

حامدين صباحي ناصري، ولذا بشّر بالجمهورية الثالثة، فهو ينتمي لجوهر مبادئ ثورة 23 يوليو تموز، ولأنه يعرف ويدرك تماما أن مصر تعيش الآن في مطلع القرن الحادي والعشرين، وأنها فقدت البوصلة قسرا ممن انحرفوا عن طريق وخيارات ثورة يوليو، وجروا الخراب ليس على مصر وحدها، بل على الوطن العربي كله، فإنه لا يمكن أن يكون جامد التفكير، كونه لا يعيش في ( جلباب) أبيه، حتى ولو كان الأب بعظمة جمال عبد الناصر، وإنما يتعلّم منه، ويصون إنجازاته التي بوّأت مصر مكانتها العظيمة في ستينات وسبعينات القرن العشرين، وينطلق باستقلالية في قيادته لسفينة مصر العظيمة.

قاد جمال عبد الناصر مصر منذ  1954، وأسس لحقبة جديدة في حياة مصر والوطن العربي. خاض معارك كبرى، وانهزم في معارك كبرى وهو يواجه مخططات الغرب الإمبريالي بقيادة أميركا، بعد هزيمة دول الاستعمار القديم في حرب العدوان الثلاثي عام 56: بريطانيا، وفرنسا.. ومعهما الكيان الصهيوني.. ولكنه لم ينكسر، ولم يرفع الراية البيضاء، بل أعاد البناء، ووضع مصر على طريق العبور والتحرير.

كانت الجمهورية الأولى، جمهورية التأميمات، والإصلاح الزراعي، ومجانية التعليم، وبناء السد العالي، والنهوض بالصناعة المصرية: كل يوم مصنع، وهو ما عنى وجود ( طبقة) عاملة.. ليس شعارا، وإنما حقيقة واقعية.

الجمهورية الأولى نهجت الدفاع عن كل شعب عربي يثور.. ولذا قاتلت لحماية ثورة اليمن، وهناك واجهت الرجعية العربية ممثلة برأسها: السعودية، وما زجت بهم من مرتزقة جمعتهم من كل العالم، خشية من امتداد ثورة اليمن إلى داخل المملكة النفطية.

الجمهورية الأولى بقيادة ناصر وقفت بحزم مع سورية التي استهدفتها تركيا بحشد جيوشها على حدودها، وكانت تركيا مخلب القط في مخططات أمريكا، ومحاولة فرض حلف بغداد على سورية، وجرها لتكون تابعة.

والجمهورية الأولى أعلنت الانحياز لثورة شعب العراق في تموز1958، وبالسلاح كما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر من شرفة قصر الضيافة في دمشق أمام ألوف السوريين أبناء الإقليم الشمالي في أيام الوحدة المبكرة.

الجمهورية الأولى كانت في مقدمة دول عدم الانحياز التي شكلت قوة مهابة، اختارت أن تكون مع الشعوب في مواجهة الاستعمار، ولكنها كانت على صداقة مع الاتحاد السوفييتي، دون تبعية تضيّع الاستقلالية والسيادة الوطنية والقومية.

ليس ضروريا أن تكون ناصريا حتى تنادي بالجمهورية الثالثة، فما دمت ترفض التبعية، وتريد لمصر أن تكون رائدة وسيدة ومستقلة، فهذا يعني أن تنحاز للجمهورية الثالثة التي سيكون من أولى مهماتها إنهاء حقبة السادات الانفتاحية و 30سنة فساد وخراب من حكم مبارك، وهو ما يعني إعادة مصر إلى دورها، وموقعها، وقيمتها.

سنوات حكم السادات الانفتاحية والاستتباعية، وسنوات حكم مبارك.. دمّرت مصر، وأفقدتها استقلالها، وهي سنوات انحراف عن نهج ثورة 23 تموز، ومبادئها، وكل ما حاربت من أجله، وما بنته، وأسست له.

سنوات السادات مبارك هي سنوات تخريب مسار ثورة يوليو تموز، ولذا فهي سنوات الجمهورية الثانية التي بدأت مع مساء يوم 6 أكتوبر كما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل، لأن السادات منذ مساء ذلك اليوم، يوم عبور جيش مصر العظيم.. جيش حرب الاستنزاف، الجيش الذي أعاد بناءه جمال عبد الناصر بعد هزيمة حزيران 67.. بدأ الرهان على أمريكا، ووضع في يدها كل أوراق الحل برعاية ( الصديق العزيز) هنري كيسنجر وزير خارجية أميركا اليهودي الصهيوني.. والتي توجت باتفاقيات كامب ديفد!

الجمهورية الثالثة لا تعني أبدا نسخ ثورة سمات جمهورية ثورة يوليو الأولى، فليس هذا هو المطلوب، ولكنها ينبغي أن تكون جمهورية التغيير، والقطع مع الجمهورية الثانية، واستئناف مسيرة العدل الاجتماعي بين أبناء مصر، والرعاية الصحية، والنهوض باقتصاد مصر، وإنهاء البطالة، والارتقاء بالتعليم الذي انهار في زمن مبارك تحديدا، ورعاية الفلاّح المصري الذي أنصفته ثورة يوليو، وتخليص مصر من المديونية والتبعية الاقتصادية والعيش على الدعم الأمريكي المشروط والابتزازي...

مصر انتخبت رئيسا لها، هو الدكتور محمد مرسي ( إخوان مسلمون)، والرجل أعلن على منبر جامعة القاهرة، وهو يؤدي القسم لثالث مرّة في يوم واحد، بأن - وهذا في خطابه الذي أراده شاملاً - مصر تنتقل إلى الجمهورية الثانية!

الجمهورية الثانية كما قصد بها الرئيس مرسي تعني أن الستين السنة الماضية، كلها جمهورية واحدة، هي جمهورية الضبّاط، جمهورية ثورة يوليو، وهنا يكون المضمر في كلامه- نذكّر بأنه من قيادة الأخوان المسلمين - أن الأخوان يستعيدون دورا سرق منهم منذ العام 1954، وأن الجمهورية الثانية هي جمهوريتهم!

لا يمكن تلقي ما جاء في خطاب الرئيس مرسي ببراءة عن الجمهورية الثانية، فالخلط بين سنوات قيادة ناصر و.. خراب التبعية والأمركة وفقدان مصر لدورها وأهميتها.. لا يمكن أن يؤخذ ببراءة، وأحسب أن كثيرين في مصر سيتنبهون للأمر، وسيكون لهم رأي فيه.

من يريد التأسيس للجمهورية الثالثة سيمد يده لكل القوى السياسية في مصر، لأن مصر تحتاج للكثير، وشعبها الصابر الذي عانى على مدى 40 سنة هي أعوام الانفتاح الساداتي، والتبلد والفساد المباركي.. يحتاج للكثير، والكثير جدا، وعلى كافة الصعد، فهو جائع، وشبابه يعانون من البطالة، والرعاية الصحية مفقودة.. وهو قبل هذا يحتاج لدستور يجمع وينصف كل أهل مصر، ليبنوا دولتهم المدنية الديمقراطية، دولة العدالة، والمساواة، وسيادة القانون...

لهذا مدّ حامدين صباحي يده لكافة القوى الثورية التي منحته ملايين الأصوات في صناديق الاقتراع، هو الفقير جدا ماليا، والذي لا يدعمه حزب عمره ثمانون عاما، يمتلك المليارات التي يدير بها  الشركات والمؤسسات، والمضاربات.

إذا أراد الرئيس مرسي، وأراد حزبه، النجاح الحقيقي في الرئاسة، فلا بد من مد اليد لكافة القوى الثورية، فبناء مصر يستدعي برنامجا نهضويا شاملاً، وابتعادا عن الأنانية، والاستفادة من دروس ومنجزات الجمهورية الأولى، جمهورية ثورة يوليو بنقائها، والتخلي عن الأحقاد والضغائن التي تأخذ إلى الخسران والبوار.

أمّا إذا فشل الرئيس مرسي، ولأسباب أُخرى غير خافية، فإن مصر سترتد إلى الجمهورية الثانية، لتكون امتدادا لحكم السادات ومبارك.. وهنا ستكون المجابهة بين قوى الثورة المنتمية للعمال والفلاحين والطلبة والمثقفين الثوريين.. وقوى التخلف والتبعية وارتهان مصر واستتباعها، أي قوى الثورة المضادة التي تآمرت على منجزات ثورة يوليو، أي على الجمهورية الأولى.
 

التعليقات