09/07/2012 - 12:36

لا تخدم عندهم../ جمال زحالقة

دخل الصراع حول ما يسمى بـ"الخدمة للجميع" مرحلة جديدة بعد إلغاء "لجنة بلسنر" من جهة، وبعد تقديم بلسنر نفسه التوصيات، التي جرى الاتفاق عليها في لجنته منتهية الصلاحية. ويبدو من التوصيات أن الاتجاه السائد هو تشديد شروط الخدمة العسكرية لليهود "الحريديم" وفرض بعض العقوبات على من يتهرب منها، والشروع في تطبيق مخطط فرض "الخدمة الوطنية الإٍسرائيلية" على الشباب العرب

لا تخدم عندهم../ جمال زحالقة

دخل الصراع حول ما يسمى بـ"الخدمة للجميع" مرحلة جديدة بعد إلغاء "لجنة بلسنر" من جهة، وبعد تقديم بلسنر نفسه التوصيات، التي جرى الاتفاق عليها في لجنته منتهية الصلاحية. ويبدو من التوصيات أن الاتجاه السائد هو تشديد شروط الخدمة العسكرية لليهود "الحريديم" وفرض بعض العقوبات على من يتهرب منها، والشروع في تطبيق مخطط فرض "الخدمة الوطنية الإٍسرائيلية" على الشباب العرب.

بعيداً عن الحسابات الانتخابية، التي تؤثر بقوة على مواقف الأحزاب السياسية الإسرائيلية من هذه القضية الشائكة، وبعيداً عن حسابات كسب القوة السياسية لكل طرف، فإن سر اهتمام المؤسسة الإسرائيلية في تجنيد "الحرديم" يعود إلى اعتبارات ديموغرافية، حيث تفيد كل الإحصائيات أن نسبتهم ترتفع باستمرار، وأن نسبة التجنيد للجيش وفق المعايير القائمة ستنخفض إلى أقل من النصف خلال سنوات، وإلى أقل من الربع في المدى المتوسط، ويعد هذا الأمر، بنظر النخبة السياسية والعسكرية والاقتصادية، خطراً داهماً على مستقبل الدولة العبرية. لذا ولهذا السبب هناك مساع محمومة لدمج اليهود الحرديم في الجيش وفي سوق العمل، بعد عشرات السنين من عيشهم في جزر معزولة اجتماعياً واقتصادياً وحضارياً.  وحتى لو توصل نتنياهو إلى حل وسط مع اليهود الحرديم لا يشمل تجنيدهم الشامل، فإن القضية ستطفو على السطح ثانية، حيث أن التوازنات الديموغرافية داخل المجتمع الإسرائيلي تتغير باتجاه مضاد للخدمة في الجيش والمشاركة في سوق العمل، بكل ما يحمله ذلك من نواقيس خطر أمنية واقتصادية على إسرائيل كدولة.

بموازاة النقاش حول تجنيد اليهود الحرديم، طبقاً لقرارات المحكمة العليا الإسرائيلية، عادت القيادات الإسرائيلية من كافة الأحزاب إلى طرح مسألة فرض الخدمة الوطنية الإسرائيلية الإجبارية على الشباب العرب، بعد أن كانت قضية مؤجلة طبقاً لمخطط تجنيد أكبر عدد من الشباب على مدى سنوات، ومن ثم فرضها بالتدريج.  لكن احتدام الجدل حول "قانون طال" وبديله، ومع اقتراب موعد الانتخابات، جر معه موضوع فرض الخدمة على العرب تحت شعار "الخدمة للجميع" وشعار "توزيع العبء على الجميع".  وفق هذا المنطق المواطنون العرب هم جزء من الجميع حين يتعلق الأمر بفرض "خدمة الدولة" عليهم، لكنهم بالتأكيد ليسوا جزء من هذا الجميع حين الحديث عن الحقوق والمصالح.

لو راجعنا الادعاءات الإسرائيلية بشأن الخدمة الوطنية الإسرائيلية، نجد أنها كلها بغض النظر عن يسار ويمين، تفترض أن علاقة المواطن العربي بالدولة وعلاقة الدولة بالمواطن العربي، هي علاقة طبيعية عادية.  يعترف البعض، بالحد الأقصى، أنه تشوب هذه العلاقة "الطبيعية" شوائب معينة مثل "بعض التمييز" وما يسمى "مظاهر عنصرية" وما يسمى "فجوات" وما يطلق عليه "لا مساواة في بعض المجالات" الخ...

على هذا الأساس، تأتي ردة الفعل في الرأي العام الإسرائيلي باستغراب واستهجان رفض المواطنين العرب وممثليهم للخدمة المدنية، حيث لا يتفهم أحد، وحتى يفهم، لماذا يعارض المواطن العربي خدمة بلده أو مدرسته أو المستشفى الذي يتلقى فيه العلاج.  أكثر من ذلك، هناك من يحاججنا بأن "الخدمة" هي الطريق للمساواة والحصول على الحقوق، فلماذا ترفضون يا عرب؟

للأسف الشديد يقع بعض العرب، وتحديداً بعض القيادات العربية، في فخ "العلاقة الطبيعية وشوائبها"، ويقولون بأن تحقيق المساواة أو حتى التقدم على درب المساواة كاف لقبول "الخدمة"، ويقول آخرون إن علينا أن نبحث عن بديل يقينا شر الخدمة ويبقى لنا "خيرها". كلاهما، من حيث يدري أو لا يدري، يقع في المصيدة وكلاهما يفتح الشباك لدخول الخدمة المدنية، ولا قيمة عندها لإغلاق الباب عليها والإعلان عن رفضها.

لسنا مواطنين لهم علاقة عادية وطبيعية بالدولة، والدولة تعرف نفسها أنها ليست دولة هذا الجزء من مواطنيها. والأهم من ذلك أننا جزء من شعب شرد من وطنه، والدولة قامت على خراب بيته، وذاكرتنا التاريخية وواقعنا الحالي لا يسمحان لنا بتطبيع العلاقة مع الدولة العبرية. فالخدمة المدنية بمفهومها الشامل والإستراتيجي، هو عملياً فقدان لذاكرتنا وقطيعة مع تاريخنا وتنكر لهويتنا ومجافاة لإنسانيتنا وأخلاقنا.

من الواضح أن الدولة تستغل مشروع "الخدمة" لتشويه الهوية الوطنية وسلب الحقوق المدنية. تبدأ الخدمة الوطنية الإسرائيلية بسلب الحقوق المدنية، وتعرضها كصفقة شبه تجارية: "قم بالخدمة نعيد لك ما أخذناه منك من حقوق".

حتى نفشل هذا المشروع الخبيث، علينا أن نلتزم بأمرين، الأول رفض قاطع للمشروع: "الخدمة العسكرية مرفوضة وبديلها مرفوض، والخدمة المدنية مرفوضة وبديلها مرفوض أيضاً، والثاني: "موقف موحد لا مكان فيه للتأتأة أو للتردد أو التغريد خارج السرب".

المطلوب إذن موقف حازم وموحد، وهنا على الجميع الالتزام بذلك بالأخص في مواجهة الدولة. علينا أن ننتبه أننا لا نخوض النقاشات وحدنا، بل الأهم من ذلك أن نواجه الخطر الداهم. النقاش شرعي والنقد مطلوب وصحي، ولكن وفي هذه الظروف بالذات يجب أن لا نقوم بتفريق صفوفنا ولا نفتح ثغرات بيننا، فهي ستكون حتماً منفذاً للخدمة الوطنية الإسرائيلية.

إذا كان البعض يريد ان يطرح بديلاً للخدمة، فهذا خطأ بنظرنا، لكننا نطلب منه أن يؤجل بديله ليجري بحثه بعيداً عن السيف المسلط على رقابنا، ومن يريد أن يخوض غمار النقاشات الصعبة، فليؤجل ذلك قليلاً، حتى نستطيع معاً أن نفشل مشروع الخدمة الوطنية الإسرائيلية.

التعليقات