13/07/2012 - 12:30

احذَر أن تزرع إسرائيل برأسك/ رأفت حرب

لا أريد هنا أن أتنكر للحقيقة المزروعة في رأس المجتمع العربي عن ماهية الهوية الدرزية في أعين الدروز ذاتهم ، هذا ما ورثوه عن آبائهم، كانت البدلة العسكرية هي الموضة الجديدة للشاب الدرزي، ولست أريد أن ادخل في الأسباب لأنني وان دخلت سيطال إصبع الاتهام الجميع وأولهم العرب أنفسهم إسلام ومسيحيين!

احذَر أن تزرع إسرائيل برأسك/ رأفت حرب

في طريقي إلى السجن العسكري شعرت بألم في الضمير!

كان قد مر على قراري بان لا اخدم في جيش الاحتلال والّا انخرط في صفوفه أكثر من عام، رغم كل ما مررت به من ترددات وشكوك, ولكن التصادم لم يحتدم سوى في الأيام الاخيره. كل يريد أن يقرر ما يليق وما لا يليق - حسب منظوره الخاص - مارّين بالقانون إلى العادات ثم إلى التعليم والمستقبل حتى الطائفة والمجتمع!

كان همي هنا أن لا الحق ركب الجهل الذي غرقنا به منذ ثلاثة وستين عاماً وأكثر.
فكان الرد – مني ومنهم -: وما همك!

خرجت من البيت قاصدا حريتي – وفي قاموسهم.. سجني- حملت مبادئي على ظهري وتوجهت إلى سجونهم، توهموا أنني كغيري لم أفق بعد، فقد كانوا ما زالوا منتشين بإيمانهم بان الدروز إخوانهم بالنضال إلا أنهم لم يفيقوا من التنويم بعيد المدى خاصتهم!

فرفضت..
ولدهشتي لم أكن وحدي .. كان مثلي الكثير ممن كان قد أفاق قبلي بأشواط!

كان سجنهم الروتيني سيفا ذا حدين، إضافة إلى غمدِ مهترئ تآكل بعضه ففاق أخواته حده!

الحدّ الصدئ – حد الدولة!

وهو الحد المفهوم ضمناً, الذي أكل فينا ولا زال ينهش بتاريخنا وأصلنا وانتمائنا حتى ملأت عيونه غشاشة السيادة فأصبحنا بنظره العبيد المرتزقة, لهم الحق في أن يختاروا المصير والمسار وما لنا سوى أن ننفذ.

فأصبحنا مدفعاً موجهاً أولا إلى صدورنا الجاهلة وعقولنا الفارغة من كل حسِ منطقي , والموجه بعدها لأخوتنا, وحتى أصبحنا سجانين لأصحاب الحقّ, وحتى أصبحنا كلاب الحدود وظيفتنا وهمنا النباح في أروقه القدس وعلى ضفاف الجدار الفاصل!
وفي السجن كما في الجيش, إلا أنه معاكس بالطريقة مشابه بالهدف وبالنتيجة!

لا نرى غير المذلة والاحتقار لكوننا عرب أولا ولكوننا دروز خائنين لتاريخنا المشرف في "حلف الدم" المزعوم والأخوّة والبطولة والشرف التي مات من اجلها مئات " الشهداء" في حروب إسرائيل ودفاعاً عنها - وفقهم !

ولكن إنّ غداً لناظره قريب, مقولة تحقّقت.. إذ لم يبقَ لهم كالذي مضى. فقد ملّ الدروز وعودهم بالمساواة والعدل والأرض والبناء المرخص والتعليم والمنح. ولكنني أومن بشيء واحد فقط مما كانوا يعدوننا به:- التفضيل المصحح !

أجل أعادونا إلى أصلنا وأصلحوا من أمرنا (البعض منا)!

الحدّ المسنن  - حد العرب!

وخارج السجن كنا الخائنين البائعين عروبتنا بابخس سعر، فشُتمنا واحتُقرنا وقفل علينا خلف ألف باب، متناسين دور أجدادنا وآباء أجدادنا ممن آووا في بيوتهم إخوانهم العرب (وهذا واجب لا جدال فيه) يوم هُجّروا ووقفوا صفاً أمامهم لمنعهم من ترك بيوتهم وأراضيهم، فتمثل بذالك الوفاء والإخلاص والأخوّة بالأرض والقضية!

كنت أخاف حين أزور عكا أو سخنين أو ألناصره من القول "أنا درزيّ", فللشتيمة دائماً سبيل في أفواه المجانين, أولئك الذين تربوا على الحقد والإيمان بأن من باع فلسطين هم الدروز وحدهم متناسين الدلائل والحقائق بأن من خانهم ومن باعهم ،هي تلك الفئة التي تاجرت بالدين واقحمته في الحلبة السياسية (آل سعود نموذجا).

ولكن بعد سجني لم أعد أخاف شيئًا, سقط من على كتفَيّ رعب الاعتراف, رعب كان قد دُقّ بأكتافنا رغماً عنا وسُجل على جبيننا: خائنون!
لست أعلم إن كان هذا مرض ألمّ بنا أم ماذا, دائماً ننظر إلى غيرنا وننسب إليه الحق كل الحق ونصفه بأبشع الصفات. ولكن.. لحظة, لننظر الى ما ينضح به كأسنا, نقتل بعضنا بعضاً ونصدر الفتاوي ونبيح القتل, نسرق وننهب ونغتصب, أنظروا.. كلنا مذنب!

غمدنا التلفان – مخبأ بعمامة وعباءة!

وما يفوق كُل ما ذكر أعلاه هو أنّ عددنا في السجن كان يفوق الخمسين - كل لأسبابه - ولم يسأل بنا ولا بأحوالنا احد من وجهائنا، بل كُدّسنا فوق بعضنا البعض كمعلبات حرب، لا رأينا شيخ يسأل بحالنا ولا ممثّل من الطّائفة يطمئن علينا، كأن عداوتنا كانت لهم وليس لأسيادهم!

فكان أن خرجت من سجني، رضيت فابتسمت، نعم أستطيع الآن أن افتخر، دوّنت في صفحات عروبتنا سطراً آخر!
إلا أن البيعة لرؤسائنا من روحية - دينية- إلى سياسية إلى اجتماعية انقلبت موازينها في رأسي رأسا على عقب!

كفر أن يمثلني هؤلاء، وكفر مني أيضا أن أرضى بهم، فتارةً يدّعي احدهم - واكبر مرتشيهم - أننا و" بصدق" سبط من أسباط اليهود الضائعين حتى كاد أن يجهش بالبكاء من كثرة تأثره باكتشاف فخريّ كهذا، اكتفى بأن يقسم به.

وتارة أخرى يدعي غيره أن لا فرار لنا من الاندماج بعباءة الدولة حتى لا نرى أنفسنا بعد حين نعد أسواط الحقد والكراهية على جلودنا!
وآخر يُزعّم فيزعم التسامح والخير والمحبة والعدل ، إنه لكبير الكاذبين وأخطرهم ، من اختبأ تحت عبائة "شيخ" وهو البعيد كلّ البعد عن الدين!

وهنا سأوجه كلمتي لهؤلاء, كفاكم تجارة بنا، كفاكم لعباً بعقولنا فنحن لا نثور، فالمرض ومهما طال الزمن لا بد أن يأتي ذلك يوم الذي سيأكل فيه نفسه.

لست أهدف هنا لأن أعيد التاريخ الدرزي الحافل بالمواقف البطولية المشرفة لأصحابها في النضال الوطني وفي الدفاع عن الأرض والوطن والقضية، فنحن شئنا أم أبينا، رضيتم أم تنكرتم، عربٌ أقحاح سطرنا على صفحات العروبة اشرف المواقف وأنبلها مروراً بكمال جنبلاط إلى سلطان باشا الأطرش وغيرهم الكثير!

جل ما أريده هو أن نقول كلمة حق، آن للعرب جميعهم من إسلام ومسيحيين ودروز أن يفهموا أن ما كان من سلخ العرب عن بعض وإتباع سياسة فرق تسد ما هو إلا نهج الكيان الإسرائيلي في إبقائنا ضعفاء حتى تجاه أنفسنا وليظفر هو في البقاء وفي السيادة!

إنني لأفخر بانتمائي الدرزي أولاً ولكنني لأزداد فخراً في انتمائي العربي، أنا منكم فكفى تخوين وكفى تضييق عانينا الأمريّن، بقينا على سندان واحد وأخذت المطارق تنزل علينا من كل حدب وصو!

فالشاب الدرزي غير واعٍ كفاية لكي يفهم ما يدور حوله، لا بيئة تساعد، ولا ثقافة ولا مجتمع، ولا مسئولون ولا بيوت توعيه أو برامج، ولا احتواء منكم، بقدر ما هو نفور.

فثلاثة أجيال متتالية من التجهيل كانت كفيله في أن يصبح الميول للدولة أمراً وراثياً محض، يولد الطفل في بيت لأب في إحدى المراتب المرموقة بالجيش، وان لم يكن والده كان واحد من أقاربه، بعدها يبدأ مشواره - المحدود - في التعليم حيث المناهج تعمل وبمساعدة الفاسدين على زرع روح الاستقلالية للمفهوم الدرزي ونزع كل مزايانا الوراثية التي تربطنا بالعرب والعروبة، فيتخرج الشاب مغسول الدماغ معتقداً أن مكاننا الوحيد الذي نحافظ به على أنفسنا هو اللباس العسكري والبندقية، حتى بات هذا حلم كل درزي في الارتقاء لمراتب "الرجولة"!

بعدها يحين دوره في أن يعطي واجبه في خدمة دولته التي تربى على حبها والولاء لها، فيتعلم على أيدي المغرضين الحقد والكراهية والعنصرية، حتى يصوب سلاحه دون تردد لأعداء "دولته" – إخوانه – إيماناً منه بأن هذا هو الحق وهذا هو الصواب !

لذلك فالحل واضح وجليّ, نحن بحاجه إلى حضن نشعر بالدفء فيه, حضن إذا أمنّا ونمنا به نصحو فنلقى أنفسنا أمة متوحّدة منخرطة مع أبناء شعبها وقد أيقنت الخطة الصهيونية وعملت متحدة على إجهاضها!

الكبار يموتون والصغار يعودون!

لا أريد هنا أن أتنكر للحقيقة المزروعة في رأس المجتمع العربي عن ماهية الهوية الدرزية في أعين الدروز ذاتهم ، هذا ما ورثوه عن آبائهم، كانت البدلة العسكرية هي الموضة الجديدة للشاب الدرزي، ولست أريد أن ادخل في الأسباب لأنني وان دخلت سيطال إصبع الاتهام الجميع وأولهم العرب أنفسهم إسلام ومسيحيين!

إلا أنني أريد تسليط الضوء على الجيل الجديد الذي عاد أدراجه إلى حضن شعبه، فقد بتنا نشهد موجة كبيرة من الوعي الوطني من جهة والأكاديمي من جهة أخرى وفي الحالتين النتيجة واحدة: لا خدمة في صفوف الجيش. ولهذا كل ما نحتاجه هو دعم وأذن صاغية ويد ممدودة وحضن مفتوح لاحتضان ودعم هؤلاء الشباب لا احتقارهم ولا تخوينهم!

قضيتنا واحده وهمنا واحد, لن نثبت أنفسنا إلا إذا أعدنا نسج قميصنا الفلسطيني المزركش بطوائفه جميعها لا ينقص منها واحدة، وإلا بقينا ثلاثة وستين عاماً أخر ننظر واحدنا إلى الآخر ثم نطأطئ خجلاً, لا نستحق أن يكون لنا وطن ما دمنا لا نستطيع أن نتقبل غيرنا ونفهمه!
 

التعليقات