13/07/2012 - 11:35

حمدين صباحي: لك التحية../ د. مخلص الصيادي

لو كان لي أن أعمل في مصر لما وفرت أي جهد في دعم حمدين ونموذجه، وفي السعي لأن يكون هذا هو نقطة الانطلاق في بناء نموذج الناصريين في كل مكان

حمدين صباحي: لك التحية../ د. مخلص الصيادي

حمدين صباحي، اسم لم يغب عن ساحة العمل السياسي المصري منذ عقود، باعتباره خصما لنظام أنور السادات، ومن بعده لنظام حسني مبارك، وباعتباره ممثلا للرؤية الناصرية لما جرى ويجري في مصر بعد الانقضاض على نظام جمال عبد الناصر ومشروعه.

كان دائما ذا حضور مميز سياسيا ونضاليا، وكانت له طريقته في التعبير عن هذا التميز، وقبل أن تفجر ثورة الخامس والعشرين من يناير كان أحد صناع إرهاصاتها عبر نضال حركة كفاية ضد نظام مبارك، ثم حين انفجرت الثورة، كان من المقيمين في ميدان التحرير، وحينما رشح نفسه لرئاسة جمهورية مصر العربية، كان أكثر المرشحين تعبيرا عن روح هذه الثورة وعن قواها الشعبية.

الذين تابعوا لقاءاته، وحواراته، ونشاطاته في المعركة الانتخابية، والذين دققوا في برنامجه الانتخابي، وطريقته في التعبير عن هذا البرنامج، تيقنوا أنهم أمام  نموذج قيادي جديد تحتاجه مصر في هذه المرحلة على وجه الخصوص، مرحلة الانعتاق من أنظمة الاستبداد والتبعية والفساد، الى رحاب الديموقراطية، والتنمية والتقدم والأمن. كان في حملته واضحا، شفافا، دقيقا، حاسما في انحيازاته: الاجتماعية والسياسية ، الوطنية والقومية... عفاً وأنيقا في التعبير عن كل ذلك.

صحيح أن حمدين لم ينتقل الى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ـ وتقديري أنه لو انتقل لفاز بها بسهولة ـ لكن ما حققه في الجولة الأولى كان مدهشا، إذ كشف عن انحياز شعبي حر الى جانب برنامج ثورة مستمرة يجمع موجهات ثورة يوليو 1952 الى تطلعات ثورة 25 يناير 2011، وكشف عن اقتناع شعبي بنموذج قيادي قادر على تحقيق هذا الهدف.

وأكد سلوك حمدين ومواقفه وتصريحاته عقب إعلان نتائج الدورة الأولى، وفي مرحلة الدورة الثانية، وفي مواجهة تغول سلطة العسكر على سلطة رئيس الجمهورية قبيل وعقب الإعلان عن فوز محمد مرسى بمنصب الرئاسة، أكد الحكم بأننا أمام شخصية قيادية من نوع جديد، شخصية قادرة على الإمساك بالموقف الصحيح الذي لا يرى إلا مصلحة الشعب والوطن، في أصعب الظروف وأكثرها حرجا، ويملك قدرة التعبير عن هذا الموقف بوضوح وشفافية وأريحية قل نظيرها.

في عدد يوم الأربعاء الحادي عشر من يوليو نشرت الخليج الإماراتية مقابلة مطولة مع الأخ حمدين، عرض فيها رؤيته للمرحلة السابقة، ولتحديات المرحلة الراهنة والقادمة. ولقد قرأت هذه المقابلة بتمعن وتدقيق، لم تفاجئني طروحاته، إذ جاءت على النسق نفسه، لكن أدهشتني قدرته في تقديم النموذج المتميز والفذ في التعامل بين القوى المختلفة والمتنافسة على ساحة العمل السياسي، وشعرت وهو يتحدث عن العلاقة مع الاخوان المسلمين وغيرهم أنني أمام تجسيد حي لروح الموقف الإسلامي والخلق الإسلامي في إدارة الاختلاف، وفي أدب الاختلاف.

في المقابلة ظهر حمدين كقائد شديد الصلابة والتمسك بأفكاره والقيم التي يناضل من أجلها، شديد التمسك بالمعاني الناجمة عن وقوف نحو خمسة ملايين مصري الى جانب برنامجه والى جانبه وقوفا نابعا من اقتناع  حر صادق لا تشوبه شائبة.

ومع هذه الصلابة بدا حمدين متواضعا حييا لا يرضى لنفسه ولا لمن يخالف الرأي مواقف الزلل أو التهاون، إنه في حديثه عن الرئيس مرسي،  يؤسس لمفهوم غير مسبوق من المعارضة، وكذلك في موقفه من الإخوان المسلمين والقوى اليسياسية الأخرى، معارضة أساسها اختلاف الرؤية لمواقع المصالح والبرامج، مع التأييد لكل ما يمكن أن يعطي خيرا للوطن، للأمة، للمستقبل.

أي أنه يعلي شأن معارضة الموقف، وليس معارضة الموقع، فهو أينما وجد الموقف الصحيح، والقرار الصحيح، والتعبير الصحيح،  أيده لا يضيره في ذلك أن يكون من صنع ذلك خصومه أو منافسوه السياسيون، وهذا هو المفهوم الصحيح والقويم الإنساني والإسلامي لمعنى المعارضة.

وحينما تحدث عن ضرورة بناء حركة شعبية تستوعب ذلك الحجم من التأييد الذي حصل عليه في انتخابات المرحلة الأولى، حركة تؤسس لعهد قادم تكون فيه هي القائدة للسلطة والمجتمع، فإنه كان يعبر عن توق شعبي يخرج الحياة السياسية المصرية من حالة الاستقطاب التي شهدتها خلال هذه المرحلة، ويطلق طاقاتها في اتجاه ما أراده فعليا ثوار الخامس والعشرين من يناير.

حمدين صباحي في هذه المقابلة يتطلع إلى بناء حركة شعبية واسعة، تضم كل من انطلق من ثورة يناير ورأى فيها امتدادا أصيلا لجوهر ثورة يوليو: الخيارات والانحيازات والاستهدافات، والقوى الاجتماعية التي ترى مصلحتها في هذا كله، وكذلك القوى السياسية التي تستند إلى الأساس الاجتماعي ذاته.

إنه هنا يحدد الأساس الموضوعي الاجتماعي لهذه الحركة أيا ما كانت تجلياتها السياسية، أو إطاراتها التنظيمية، وفي هذا التطلع من حقه على جميع الناصريين أن يقفوا معه وإلى جانبه، وأن يساعدوه على إطلاق هذه الحركة باعتبارها حركة المستقبل، حركة الثورة العربية في هذا العصر، حركة قوى العمل الرئيسية في المجتمع المصري، وبل وفي المجتمع العربي في هذه المرحلة.

في مقابلته مع الخليج حدد المعنى الحقيقي لانتصار ثورة يناير، وقد جاء هذا المعنى متطابقا مع الأساس الموضوعي للربيع العربي، وهو إعادة الناس إلى ساحة العمل السياسي، واعتماد الديموقراطية طريقا للتغيير، وإزالة كل ما يعيق هذه الديموقراطية من نظم أو قوانين أو مؤسسات أو أجهزة، وحينما تحقق الثورة ذلك تكون قد نجحت، اليوم يأتي مرسي، وغدا يأتي حمدين، وبعد غد يقيم الناس هذا الرئيس أو ذاك، أو هذا النائب أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك، فيحكم على أدائه، في إطار أفكاره نفسها، أو يحكم على أفكاره في إطار أدائه وممارساته.

واستنادا إلى هذه المعيار الموضوعي في تقييم نجاح الثورة كان موقفه الحاسم ضد المجلس العسكري وإعلانه الدستوري المكمل، وضد كل شكل من أشكال الحد من سلطة رئيس الجمهورية لصالح مجلس عسكري لا مكانة له في دستور البلاد أو في بنية الدولة الديموقراطية.

مهم للحركة الوطنية المصرية، وللحركة الديموقراطية في مصر، ولحركة القومية العربية، أن ينجح مسعى حمدين صباحي، وأن ينجح نموذجه في العمل السياسي، سواء كان هو على رأس السلطة، أو على رأس تكتل برلماني أم لم يكن، ففي ذلك بداية حقيقية لاستعادة مصر لدورها على مختلف المستويات ولاستعادة الأمة العربية لدورها.

وما هو مهم لمصر وللأمة العربية هو بالتأكيد بالغ الأهمية للحركة الناصرية في مصر وفي الوطن العربي، ومن هنا يصبح العمل الجاد لنجاح هذا النموذج ضرورة لا بد من العمل لأجلها، ولو كان لي أن أعمل في مصر لما وفرت أي جهد في دعم حمدين ونموذجه، وفي السعي لأن يكون هذا هو نقطة الانطلاق في بناء نموذج الناصريين في كل مكان. 
 

التعليقات