23/08/2012 - 14:00

الجدل الإسرائيلي حول إيران../ د. فايز رشيد

ضرب البرنامج النووي الإيراني هو الموضوع الأكثر جدلاً ليس بين القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية فقط، وإنما على صعيد الشارع أيضاً. هذه القضية هي من قضايا الاختلاف بين وجهتي نظر متعارضتين: الأولى تقف مع توجيه الضربة، والأخرى تقف الضد من هذه المغامرة غير المحسوبة النتائج والتداعيات. ربما أن هذا الاختلاف يعتبر الأبرز في تاريخ الكيان الصهيوني. في كل الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد الأمة العربية (بضمنهم الفلسطينيون) كان هناك شبه إجماع إسرائيلي على القيام بها، وصولاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من كافة ألوان الطيف السياسي. الحرب المقترحة على إيران لا ولن تتميز بهذه الإيجابية، لذلك فإن الاختلاف يصب في صالح عدم توجيه الضربة

الجدل الإسرائيلي حول إيران../ د. فايز رشيد

ضرب البرنامج النووي الإيراني هو الموضوع الأكثر جدلاً ليس بين القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية فقط، وإنما على صعيد الشارع أيضاً. هذه القضية هي من قضايا الاختلاف بين وجهتي نظر متعارضتين: الأولى تقف مع توجيه الضربة، والأخرى تقف الضد من هذه المغامرة غير المحسوبة النتائج والتداعيات. ربما أن هذا الاختلاف يعتبر الأبرز في تاريخ الكيان الصهيوني. في كل الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد الأمة العربية (بضمنهم الفلسطينيون) كان هناك شبه إجماع إسرائيلي على القيام بها، وصولاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من كافة ألوان الطيف السياسي. الحرب المقترحة على إيران لا ولن تتميز بهذه الإيجابية، لذلك فإن الاختلاف يصب في صالح عدم توجيه الضربة.

نتنياهو من أول المتحمسين إلى الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وإزالتها عن الخريطة، بحيث يكون من المتعذر على إيران استئناف نشاطاتها النووية. كما يهدف رئيس الوزراء الصهيوني إلى تحجيم دور إيران المتعاظم في المنطقة، والذي يشكل مع الدور التركي لاعبين جديدين في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عكس ما تطمح إليه الدولة الصهيونية بأن يظل دورها هو الحاسم والمقرر في المنطقة وفق تصورات رسمتها مع الولايات المتحدة لشرق أوسط جديد.

نتنياهو ومنذ نجاحه في تشكيل حكومة ائتلافية مع الأحزاب الدينية واليمينية (وصولاً إلى الفاشية) اعتبر البرنامج النووي الإيراني التحدي والخطر الأول الذي يجابه وجود إسرائيل. جاء ذلك في خطاب له في جامعة "بار إيلان". مؤخراً طلب نتنياهو من حكومته (وقد أقرّت ذلك) منحه صلاحيات مطلقة تسمح باتخاذه القرارات منفرداَ بما فيها قرار اعلان الحرب، ودون انتظار رأي الحكومة أو مجلس الوزراء المصغر (الذي غالباً ما يعمل في حالات الطوارئ والقضايا الساخنة). نتنياهو وفقاً للعديدين من المراقبين والكتّاب "أصبح ملكاً متوجاً على الدولة"، فلم يحصل ولا لمرة واحدة في تاريخ إسرائيل أن جرى إعطاء رئيس وزراء كل هذه الصلاحيات، فوفقاً لها يستطيع نتنياهو: تحديد جدول أعمال الوزارة، وحتى منع وزراء من طرح أسئلة في حالات معينة، إضافة إلى تأخير طرح ما لا يراه مناسباً من القضايا وعدم التصويت عليها، حتى يضمن الأغلبية التي يريدها، ومنع الوزراء من التعليق الإعلامي على الحدث المعني. إن أبرز من يقف مع نتنياهو في توجيه الضربة لإيران: إيهود باراك وزير الدفاع، رئيس الموساد السابق أفرايم هاليفي الذي قال في تصريح له: "لو كنت إيرانياً لعشت في خوف طيلة الأسابيع القادمة". من المؤيدين أيضاً: كافة الأحزاب اليمينية والدينية والفاشية الداخلة في الائتلاف، وغير أولئك أيضاً.

نتنياهو يريد توريط الولايات المتحدة مع إسرائيل في هذا الهجوم، من خلال الحملة المنظمة التي يقوم بها اللوبي الصهيوني في أمريكا، والهادفة إلى تعظيم الدور الإيراني في تهديد إسرائيل والولايات المتحدة، وعدم انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية حتى توجيه الضربة، فأوباما وإدارته الحالية مع تشديد العقوبات على إيران، وقد اتخذ الكونغرس الأمريكي مؤخراً سلسلة منها. لا يشك أحد في أن الرئيس أوباما سيصادق عليها وتعتمدها الإدارة الأمريكية الحالية، كذلك العديد من الدول الأوروبية، باستثناء بعض الدول (ربما) والتي تريد للانتخابات الأمريكية أن تجري بسلاسة وأن لا ترى نفسها متورطة في حرب بسبب إسرائيل، وستكون أمام تحديات كبيرة أيضاً: احتمال أن تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز، ذلك سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار النفط، وإمكانية حدوث دمار شامل في المنطقة، فإيران ستضرب كافة الأهداف الأمريكية فيها، ودمار في إسرائيل بسبب الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، وإمكانية اشتراك حزب الله وسوريا في الحرب وما سيسببه ذلك من احتمالات ونتائج غير محسوبة.

نتنياهو وإسرائيل عموماً يلعبان بورقة التنافس بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة. وقد أعطى المرشح الجمهوري رومني ضوءاً أخضر لإسرائيل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، عندما زارها مؤخراً، بما يعني: أنه حتى لو قامت إسرائيل بتوجيه الضربة العسكرية لإيران، فلن تلقى لوماً ولا تعنيفاً من الولايات المتحدة. الأخيرة ربما ستجد نفسها مضطرة لمناصرة إسرائيل والمشاركة في العمليات العسكرية، فقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي بانيتا في تصريح سابق له قبل شهرين: "بأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بإغلاق مضيق هرمز". كتّاب ومحللون سياسيون أمريكيون يصبون في صالح مشاركة الولايات المتحدة في توجيه الضربة مثل الكاتب الأمريكي ديفيد كرست، الذي يضرب على وتر "المصالح الأمريكية في المنطقة" بما يتوجب حمايتها من خلال تغيير النظام في طهران أيضاً، وليس الاكتفاء فقط بضرب برنامجها النووي".

على الصعيد الإسرائيلي الداخلي: قررت الحكومة البدء بتدريبات سميت "بتحصين الجبهة الداخلية" تستمر لمدة أسبوع كامل وفي مركز هذه التدريبات، ضمان إرسال مئات آلاف الرسائل الإلكترونية وعبر الهواتف الخليوية، لإبلاغ الجمهور بالمطلوب في حالات الطوارئ. إضافة إلى التدريبات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي وهي كثيرة تقام بين الفينة والأخرى. كذلك تدريبات الدفاع المدني وإمكانية مواجهة الصواريخ والأسلحة الكيماوية. حسب المصادر الإسرائيلية فإن كل هذه التدريبات تتدرج في إطار الاستعدادات لاحتمال شن عدوان على إيران.

من أهم المعارضين لتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى إيران: حزب كاديما الذي يقوده وزير الدفاع الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز، والذي انسحب مؤخراً من الائتلاف الحكومي. الحزب يقود حملة ساخن ضد نتنياهو متهماً إياه بالتصرف بعدم المسؤولية في الملف الإيراني. من المعارضين أيضاً للحرب: رئيس دولة الكيان شمعون بيريز ورؤساء الموساد والشاباك وهيئة الأركان الذين يرفضون الهجوم والتفرد في اتخاذ قرار الحرب. هؤلاء أيضاً لهم وزنهم الكبير في الشارع الإسرائيلي. المعارضون للحرب هم ضد أن تخوضها اسرائيل منفردة لكنهم مع الضربة اذا تم تنسيق ذلك مع الولايات المتحدة ومشاركتها.

أهم الصحف الإسرائيلية: "يديعوت أحرونوت" وهآرتس" و"معاريف" تكتب بشكل شبه يومي عن مخاطر الحرب. "يديعوت أحرونوت" كتبت مثلاً عن المليارات الأخيرة التي رصدتها إسرائيل لتطوير سلاح الجو، لكنها تستطرد: "إنه ليس مضموناً أن الطائرات الإسرائيلية قادرة على تنفيذ العملية كاملة، والعودة من دون أضرار إن كان على مستوى الذخيرة أو التزود بالوقود". وأضافت: إن هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية هو أكثر تعقيداً من الهجوم على المنشآت النووية العراقية في االعام 1981. "هآرتس" كتبت عن أن أكثر من نصف السكان في إسرائيل من دون ملاجئ، حتى الكثير من الموجود لا يصلح للاستعمال. "معاريف" نقلت تصريحاً لمسؤول في وزارة الصحة قال فيه: "إن عملية إقامة أقسام خاصة في المستشفيات محصنة وقادرة على مواجهة أسلحة كيماوية وغير تقليدية أخرى تحتاج لثلاث سنوات أخرى". إدارة المطافئ صرّحت بأنه ليس لديها القدرة لمواجهة سلسلة من الحرائق في آن واحد وكذا بالنسبة لدمار البنية التحيتية.

مما سبق يتضح أن احتمالات القيام بضربة مساوية تقريباً للأخرى التي لا تتوقعها، لكن أصحاب الرؤوس الحامية في تل أبيب لا يعملون بمتقضى قوانين المنطق، الأمر الذي يجعل من احتمال الهجوم الإسرائيلي قائماً بنسبة أكبر من عدم حدوثها.

التعليقات