18/09/2012 - 15:33

ما المطلوب الآن في سورية؟.../ سلامة كيلة

منذ بدء الثورة في سوريا والنخب تتلهى ببلورة صيغة "المرحلة الانتقالية"، وصل الأمر إلى التحضير لإعلان حكومات. كان آخرها مجمل النقاشات التي بلورت ما أسمي "اليوم التالي"، أي الخطة التي ستطبق في اليوم التالي لسقوط السلطة. حيث يبدو أن هناك مجموعة تشكلت من بعض أطراف المعارضة عملت بإشراف "دولي" على وضع تصور للمرحلة التالية لسقوط السلطة. وهي الصيغة التي اتبعت في العراق قبل الاحتلال، حيث عكفت "المعارضة" باشراف أمريكي خصوصا على وضع تصوّر لـ"عراق ما بعد صدام"، رغم أن أيا مما جاء فيها لم يطبق بعد أن أصبح العراق محتلا. وسنلمس هنا "استنساخا" للآلية ذاتها يجري، وفي سياق تصوّر "موهوم" حول تدخل عسكري إمبريالي

ما المطلوب الآن في سورية؟.../ سلامة كيلة

منذ بدء الثورة في سوريا والنخب تتلهى ببلورة صيغة "المرحلة الانتقالية"، وصل الأمر إلى التحضير لإعلان حكومات. كان آخرها مجمل النقاشات التي بلورت ما أسمي "اليوم التالي"، أي الخطة التي ستطبق في اليوم التالي لسقوط السلطة. حيث يبدو أن هناك مجموعة تشكلت من بعض أطراف المعارضة عملت بإشراف "دولي" على وضع تصور للمرحلة التالية لسقوط السلطة. وهي الصيغة التي اتبعت في العراق قبل الاحتلال، حيث عكفت "المعارضة" باشراف أمريكي خصوصا على وضع تصوّر لـ"عراق ما بعد صدام"، رغم أن أيا مما جاء فيها لم يطبق بعد أن أصبح العراق محتلا. وسنلمس هنا "استنساخا" للآلية ذاتها يجري، وفي سياق تصوّر "موهوم" حول تدخل عسكري إمبريالي.

في كل الأحوال، "اليوم التالي" العراقي كان يجري التحضير له حينما كان مخططا لجلب معارضة على دبابة أمريكية. في سوريا، هذا أمر محسوم، فلا دبابة أمريكية قادمة إلى سوريا. وبالتالي إن كل هذا الجهد سيبدو نافلا، وبلا معنى من حيث المبدأ، في لحظات تحتاج إلى المجهود الأعلى في مسائل أساسية تخص الثورة بالتحديد. حيث إننا في لحظة "مأزقية"، نتيجة كون السلطة قد ضعفت، وبدا عليها الوهن، لكن لا يبدو أن كل التضحية التي يقوم بها الشعب قد وُضعت في سياق يفضي إلى تحقيق نقلة نوعية تسمح بحسم الصراع. فقد انطلقت الثورة بشكل عفوي، ومن شباب لا ينتمى إلى أحزاب في الغالب، وكان بعيدا عن السياسة نتيجة الاستبداد الطويل من جهة، وتدمير السياسة والثقافة العامة من جهة أخرى، مما جعل أجيالا ليس لديها معرفة سياسية، وهي التي بات عليها الآن أن تجد الحلول السياسية لجملة مشكلات تطرحها الثورة.

●●●

فقد كانت الثورة، وما زالت، بأمسّ الحاجة إلى من يساعد على وضع "إستراتيجية" لمسارها، وأبسط من ذلك من يقدّم "المساعدة" للشباب الثوري الذي يدخل الصراع السياسي لأول مرة، ومن أوسع أبوابه، دون امتلاك وعي سياسي، وبالتالي كان يحتاج إلى وعي وخبرة سياسيتين تقدمان له من "الكادرات" التي امتهنت السياسة لسنوات طويلة، لكي يكون قادرا على إنهاض الثورة وتنظيم فاعليتها، ووضع شعاراتها وأهدافها، والإستراتيجية التي تفضى إلى انتصارها.

المسألة الآن تتعلق بانتصار الثورة وليس بالتأمل فيما يلي سقوط السلطة، لأن الثورة تعاني من مشكلات كبيرة تحتاج إلى حلّ. إنها تعاني من "الفوضى"، ومن التشوش والارتباك. من عدم تنظيم العمل العسكري، والطابع العسكري للصراع، وكيفية خوضه. من غياب أولويات "الحرب"، والإستراتيجية التي تقوم عليها، وهل هي بديل عن النشاط الثوري للشعب أو مكمل له؟ بالتالي من كيفية توحيد كل المجموعات في قوة واحدة، وتحديد دور كل منها، وحدود فاعليته، والأهداف التي يركّز عليها. والأخطار التي نشأت مؤخرا بدخول السلفيين الذين قد يدفعون إلى افتعال صراع طائفي نتيجة "الوعي المبرمج" الذي يحكم نظرتهم، والقائم على أساس أولوية الصراع مع الطوائف في الدين الإسلامي ذاته، وهنا مع "الشيعة الروافض" (ومنهم العلويون). بمعنى أن الثورة تحتاج إلى حلول لمشكلات عملية، وليس إلى تصورات عن مستقبل لن يكون ممكنا دون أن تتجاوز هذه المشكلات العملية، ولهذا تحتاج فعلا سياسيا مرتبطا بها وليس بعيدا عنها، في الموقع والرؤية، والاهتمامات.

●●●

وطبعا هذا الفارق بين الضروري والهامشي هو نتاج انفصال كامل بين المعارضة والشعب، وأيضا المصالح التي تتحكم في قطاع كبير من المعارضة، والتي تدفعها إلى التسابق نحو الوصول إلى السلطة. وهذه الوضعية هي التى حوّلت المعارضة إلى عبء على الثورة، وربما أضرت كثيرا إلى الحدّ الذي يفرض تحميلها مسئولية كبيرة في تأخر انتصار الثورة، ويى تقديم كل الحجج التي تدعم خطاب السلطة، فتخلق إرباكا كبيرا حولها.

الثورة تمضي نحو الانتصار والمعارضة تستعجل السلطة. لكنها لن تصل إليها لأنها ليست جديرة بها. وما سينتج ربما يكون خليطا كما في الثورات الأخرى. لكن الأهم الآن هو انتصار الثورة.

"الشروق"

التعليقات