21/09/2012 - 12:51

العربي الاسرائيلي الذي شُــبّه لهم/ مصطفى طه

من آخر النفق المظلم خرج ياسر عرفات منتفضًا بعد سبع سنوات على السراب الذي أوهموه به على أعتاب أوسلو وقبلها في مدريد ليعود أبو مازن للسرداب ذاته لا من حيث انتهى سابقه، بل من حيث ابتدأ ليعلن خيار المفاوضات خيارًا وحيدًا، وليشكل „الاشتباك السلمي” خارطة طريق تفتح شهية الاحتلال على ابتلاع ما تبقى من ارض وسيادة، وتحوّل أجهزة الأمن الفلسطينية إلى حرس حدود لحماية أمن إسرائيل.

العربي الاسرائيلي الذي شُــبّه لهم/ مصطفى طه

في أكتوبر كانت الهبة في الداخل الفلسطيني من حيث الزمان، ومن المسجد الأقصى المبارك بدأت شرارتها من حيث المكان حين حاول رئيس المعارضة شارون حينها، أن يكرّس السّيادة الاسرائيليّة على القدس الشريف، وهبّ الفلسطينيون لا للدفاع عن حرمة الأقصى الدينية فحسب، وإنما أيضًا عن عروبة القدس والأقصى وفلسطينيتها كقلب نابض في الوجدان العربي والإسلامي معًا.

من الأقصى الشريف كانت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية في الأرض العربية المحتلة سنة 67، ليتفاعل معها فلسطينيو الأرض المحتلة سنة 48 في هبة شعبية كانت هي الثانية أيضًا، أولاهما تفجرت يوم الأرض الخالد سنة 76، ليتفاعل معها فلسطينيو الأرض المحتلة سنة 48، وإذا كان يوم الأرض الأول قد شكل أوّل تمرد شعبي لفلسطينيي الداخل على المؤسسة العنصرية التي حاصرت وجوده، فإن الهبة الشعبية في أكتوبر 2000 شكلت انتفاضة حقيقية لأبناء شعب واحد لم يستطع „الخط الأخضر” أن يفصلهما كروح واحدة رغم الأسلاك الشائكة أو الألغام الناسفة، وبانتفاضتهم نسف فلسطينيو الداخل اصطلاح الجماهير العربية التي خيّل للبعض أن الجمهور هو مجرد مشاهد متفرج وليس جزء من الفعل ورد الفعل، وإذا كانت الهبة سنة 2000 قد كسرت حاجزي الخوف والصمت معًا لفلسطينيي الداخل إلى غير رجعة فإنها بالمقابل حسمت الانتماء الوطني لشعبنا الفلسطيني بما لا يدع مجالاً للشك من ناحية أخرى، وأنهت بذلك الحلقة الأخيرة من مسلسل العربي الإسرائيلي الذي شبّه لهم... ومن هنا كانت الصدمة للمؤسسة التي توهم لها أن خمسين عامًا من القهر كانت كافية لصهر هويتهم القومية والوطنية في القالب الذي صنّع في الماركة الإسرائيلية وطبع بختمها، فغيّرت المؤسسة „قوانين اللعبة” على ما يبدو.

محاولة إعادة تعريف الصهيونية من جديد هو العنوان الأبرز لمرحلة ما بعد هبة 2000، وربط المواطنة بالولاء هو الوسيلة لتبرير القهر، وسلسلة القوانين العنصرية غير المسبوقة هي الأداة، وتصفية ما تبقى من أرض ومسكن وهوية هو الهدف.

محاولة بلورة وعي صهيوني من جديد هو السمة الأبرز ما بعد أكتوبر 2000 للحكومات التي تتصاعد دالتها اليمينية، واليمينية المتطرفة بأغلبية ساحقة ما عادت فيها العنصرية صوت نشاز، بل ما عداها هو تغريد خارج السرب ليكون الوسط فيها على شاكلة „كاديما” التي تفننت في تشريع القوانين العنصرية. „لا مواطنة بلا ولاء”، شعار حزب ليبرمان الانتخابي الذي حصد بفعله خمسة عشر مقعدًا فأصبحت العنصرية مُشرعنة تتربع في أعلى رأس الهرم، وما كان يُهمس خلسة أصبح رسميًا على لسان وزير خارجية ينطق بلسان حكومة على شاكلته، أو هو على شاكلتها، فجوهر الصهيونية لم يتغير بقدر ما فضح، والقبضة الضاربة هي ذاتها ولكن من دون قفازات تخفي أثر ما تقترف من جرائم لأن الرأي العام ما عاد يهمّها، إذ أن رأس الإرهاب العالمي راعيها.

من رؤية سياسية خاطئة لم تستطع استثمار القوة الحقيقية الكامنة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى في مرحلة مختلة التوازن لغير صالحنا في عالم أحادي الجانب ولد اتفاق أوسلو سنة 1993، وما كان يمكن إلا أن يولد مشوهًا وهو الذي فرضه اختلال موازين القوى بما لا يُقاس، ومن انسداد أفق الوهم الذي تبدد، ومن رحم عبثية المفاوضات العبثية انطلقت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 لتعلن من جديد أن خيار المفاوضات كخيار وحيد قد سقط، وتم اغتيال هذا الخيار باغتيال „الختيار”.

من آخر النفق المظلم خرج ياسر عرفات منتفضًا بعد سبع سنوات على السراب الذي أوهموه به على أعتاب أوسلو وقبلها في مدريد ليعود أبو مازن للسرداب ذاته لا من حيث انتهى سابقه، بل من حيث ابتدأ ليعلن خيار المفاوضات خيارًا وحيدًا، وليشكل „الاشتباك السلمي” خارطة طريق تفتح شهية الاحتلال على ابتلاع ما تبقى من ارض وسيادة، وتحوّل أجهزة الأمن الفلسطينية إلى حرس حدود لحماية أمن إسرائيل.

ونحن نقف على أعتاب العقد الثاني من دخول دهاليز أوسلو التي وعدت بالحل النهائي خلال خمس سنوات، ثارت نابلس والخليل وبيت لحم لارتفاع سعر البنزين والقيمة المضافة مطالبة بإسقاط عباس وفياض.. وللبنزين قيمة مضافة هنا قد تحرق ما تبقى من وهم... وقد تفيد الشك على أي حال، ولكن الشك يقطعه اليقين إذا أيقن شعبنا في النهاية أن أفق السراب يمتدّ إلى اللانهاية، فهو أيقن على ما يبدو، أو يكاد.

التعليقات