01/10/2012 - 10:36

إلغاء أوسلو.. والمطلوب../ د. فايز رشيد

لا يُعرف ما إذا كانت السلطة الفلسطينية جادة في عملية البحث في اتفاقية أوسلو وإمكانية إلغائها، أم لا؟ مؤخراً ذكرت تسريبات فلسطينية: أن الرئيس محمود عباس طلب من قيادة منظمة التحرير، والسلطة البحث جدياً في إلغاء الاتفاقية المشؤومة، وحل السلطة. إنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها عباس عن حل السلطة، وسبق له أن حدّد مواعيد زمنية لحلها، ولم يلتزم بما تعهد به. لكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها عن إلغاء أوسلو

إلغاء أوسلو.. والمطلوب../ د. فايز رشيد

لا يُعرف ما إذا كانت السلطة الفلسطينية جادة في عملية البحث في اتفاقية أوسلو وإمكانية إلغائها، أم لا؟ مؤخراً ذكرت تسريبات فلسطينية: أن الرئيس محمود عباس طلب من قيادة منظمة التحرير، والسلطة البحث جدياً في إلغاء الاتفاقية المشؤومة، وحل السلطة. إنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها عباس عن حل السلطة، وسبق له أن حدّد مواعيد زمنية لحلها، ولم يلتزم بما تعهد به. لكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها عن إلغاء أوسلو.

عملياً، فإن إسرائيل تجاوزت الاتفاقية الموقعة مع المنظمة، وشارون أعلن وفاتها، بالرغم من أن اتفاقية أوسلو جاءت لمصلحة إسرائيل، لكنها أبقت على الالتزامات الفلسطينية فيها، وتحديداً فيما يتعلق بالتنسيق الأمني مع إسرائيل.

من ناحية ثانية: لقد ثبت بالملموس استحالة إقامة حل الدولتين، فالاستيطان الإسرائيلي على أشدّه، كذلك هي مصادرة الأرض، وبناء الجدار العنصري، وارتكاب كافة أشكال العدوان بحق الفلسطينيين. لقد مضى موعد الحل النهائي في عام 1999 (وفقاً للاتفاقية) منذ ثلاثة عشرة عاما.

بقيت سلطة الحكم الذاتي كما هي عليه، بل أن مسؤولياتها الإدارية تصغر يوماً بعد يوم، بفعل المزيد من مصادرة الأراضي من قبل إسرائيل. ‘ن إحدى أهم الحقائق كذلك: أن عشرين عاماً من المفاوضات مع إسرائيل لم تؤد إلا إلى المزيد من تهميش الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتقزيم السلطة، فلا إمكانية للمراهنة على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على أراضي عام 1967 بما في ذلك القدس. هذا الأمر قلّص الخيارات أمام السلطة وعباس تحديداً (صاحب إستراتيجية المفاوضات) وجعلها محددة بخيارين: إما التعامل مع الواقع والقبول به على علاّته، أو القيام بحركة سياسية لافتة للنظر مثل: حل السلطة وإمكانية الغاء اتفاقية أوسلو. لا نعتقد أن الرئيس عباس جاد في المسألتين، بل يهدف في نهاية الأمر إلى محاولة رفع وتيرة الضغط الدولي على إسرائيل، للقبول بالحقوق الفلسطينية. الخيار الأخير مستحيل التحقيق في ظل التزام الولايات المتحدة بالحل الإسرائيلي للتسوية.

الضغوط عملياً تُمارس على السلطة وليس على إسرائيل: لنبذ العنف والإرهاب والقبول بالمحددات الإسرائيلية للتسوية. في هذا السياق تصب رؤى اللجنة الرباعية، هذه القضية تحشر الرئيس عباس في زواية ضيقة وتحدد خياراته السياسية أيضاً. الحل العملي الوحيد لخروج عباس من المأزق هو: إلغاء اتفاقية أوسلو وتحمل تبعات ما يترتب على هذا الإلغاء، وكذلك حل السلطة: باعتبارها الإفراز الأكبر لهذه الاتفاقية. لا يستقيم هذا الحل مع بقاء عباس والسلطة في استراتيجية المفاوضات مع إسرائيل، فنكون والحالة هذه كمن يدفن رأسه في الرمال كي يقول: لا أرى!

إلغاء أوسلو وحل السلطة يتوجب أن يُتبعا بالعودة إلى إستراتيجية النضال الوطني الفلسطينية. وأساسها المركزي، المتمثل في: أن الفلسطينيين يخوضون معركة التحرر الوطني، بما تقتضيه هذه المرحلة من مقاومة (...... ......) ضد مغتصبي الأرض والحقوق، والعدو الصهيوني ليس استثناءاً من بين كل المستعمرين والمعتدين، بل هو أشدّهم ضراوة، وهو ما يقتضي أن يكون النضال الفلسطيني موجعاً لهذا العدو، مركزاً على نقاط ضعفه، وما أكثرها. عندما نطالب بالعودة إلى هذه الإستراتيجية لا نطالب بالشيء المستحيل، بل بالقضية التي أثبتت جدواها وفاعليتها، والتي انتهجتها كل فصائل النضال الوطني على صعيد العالم أجمع: في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وبقدر هذا النضال الفعلي على الأرض يكون التناسب طردياً مع تأييد المجتمع الدولي للحقوق الوطنية الفلسطينية.

من يريد إلغاء اتفاقية أوسلو وحل السلطة عليه: أن يعيد للوحدة الوطنية الفلسطينية أَلَقها وتجسيدها الفعلي على أرض الواقع. كل محاولات المصالحة اصطدمت بعقبة عنوانها الرئيسي: تقاسم السلطة والنفوذ. إعادة إحياء المشروع الوطني الفلسطيني سيكون القاعدة التي ترتكز عليها الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولن يستطيع مطلق تنظيم فلسطيني في هذه الحالة النأي بعيداً لا عن النضال، ولا عن المشروع الوطني، ولا عن الإجماع الفلسطيني، الذي كان أساساً صلباً لمرحلة طويلة في النضال الوطني.

إلغاء اتفاق أوسلو وحل السلطة يقتضيان: إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، هذه التي جرى تهميش مقصود لها منذ تشكيل السلطة. ذلك بالرغم من أن المنظمة هي الجامع والقاسم المشترك بين الجماهير الفلسطينية في الوطن والشتات، فذوي العقول والرؤى الضيقة والقاصرة: هم فعلاً أولئك الذين يعتقدون بأن السلطة هي البديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، فستة ملايين فلسطيني وفلسطينية ما زالوا في الشتات ينتظرون العودة إلى وطنهم، وجزء أساسي من الشعب يعيش في منطقة 48. أما السلطة فهي المسؤولة عن القضايا الحياتية للفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967 (وللأسف السلطة تحولت إلى سلطتين وهما محتلتان بالطبع). إحياء منظمة التحرير الفلسطينية يتوجب أن يتم على أسس جديدة: مشاركة الجميع على أساس التمثيل النسبي. العودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني بكل بنوده السابقة، وإلغاء البنود التي جرى شطبها في دورة المجلس الوطني في غزة عام 1996.

إن الساحة الفلسطينية إذا ما أنجزت هذه القضايا المفصلية بعد إلغاء اتفاقية أوسلو وحل السلطة، فستستقطب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، باعتبارها: الحاضنة للنضال الوطني الفلسطيني والحامية له، المؤثرة فعلاً وإيجاباً في حل كافة إشكالات ما يترتب من أعباء ومن ضمنها، المالية بعد حل السلطة. بقي القول: أن نهج أوسلو قد مات، مات، مات.

التعليقات