08/11/2012 - 10:08

التنازلات وأصالة رد شعبنا../ د. فايز رشيد

مهما حاول مستشارو محمود عباس تلطيف تصريحاته، فإن ما قاله للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي كان واضحاً وفي منتهى الدقة، إنه يتخلى عن حق العودة تخلياً تاماً. إنه يُسقط حق الشعب الفلسطيني في المقاومة حتى الشعبية منها، والانتفاضة هي أحد أشكال هذه المقاومة. منذ زمن طويل: اعتبر عباس المقاومة (إرهاباً)!. لم يسبق لشخص أو مسؤول (من المفترض لحركة تحرر وطني) أن وصف مقاومة شعبه لمحتلي أرضه ومغتصبي إرادته (بالإرهاب) إلا محمود عباس، فالمقاومة من وجهة نظره: لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الويلات والكوارث والتدمير. محمود عباس نال شهادة الدكتوراة من موسكو عن رسالته حول "الحركة الصهيونية". من المفترض أن يكون قد عرف هذه الحركة العنصرية على حقيقتها. هذه التي اعتبرتها غالبية دول العالم في قرار واضح للأمم المتحدة "شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"

التنازلات وأصالة رد شعبنا../ د. فايز رشيد

مهما حاول مستشارو محمود عباس تلطيف تصريحاته، فإن ما قاله للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي كان واضحاً وفي منتهى الدقة، إنه يتخلى عن حق العودة تخلياً تاماً. إنه يُسقط حق الشعب الفلسطيني في المقاومة حتى الشعبية منها، والانتفاضة هي أحد أشكال هذه المقاومة. منذ زمن طويل: اعتبر عباس المقاومة (إرهاباً)!. لم يسبق لشخص أو مسؤول (من المفترض لحركة تحرر وطني) أن وصف مقاومة شعبه لمحتلي أرضه ومغتصبي إرادته (بالإرهاب) إلا محمود عباس، فالمقاومة من وجهة نظره: لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الويلات والكوارث والتدمير. محمود عباس نال شهادة الدكتوراة من موسكو عن رسالته حول "الحركة الصهيونية". من المفترض أن يكون قد عرف هذه الحركة العنصرية على حقيقتها. هذه التي اعتبرتها غالبية دول العالم في قرار واضح للأمم المتحدة "شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". 

بدلاً من المعرفة المفترضة والتي يتوجب أن تؤسس لمقاومة هذه الحركة وصنيعتها إسرائيل، لا يكتفي محمود عباس بانصياعه هو لتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية جمعاء، بل يحرص على جر الشعب الفلسطيني إلى موقعه بالانصياع لها هو الآخر، من خلال التنازل عن الثوابت الفلسطينية المتمثلة في الحقوق الوطنية الفلسطينية.

يفتخر محمود عباس بأنه مهندس لاتفاقيات أوسلو، وهو يعتبر منذ نشأته الأولى: أن الدبلوماسية والسياسة والمفاوضات هي التي تُعيد الحقوق الوطنية إلى أصحابها! لم يعتبر من عشرين سنة من المفاوضات الفاشلة مع الكيان الصهيوني، والتي لم تجلب سوى المزيد من الويلات والكوارث للفلسطينيين: إن من حيث: زيادة الاستيطان ومصادرة الأرض وهدم البيوت، والمزيد من المجازر والعدوان والاغتيالات والاعتقالات بحق شعبنا وأمتنا، والمزيد من التنكر للحقوق الفلسطينية، والمزيد من اللاءات لهذه الحقوق، والاشتراطات الجديدة على الفلسطينيين والعرب من أجل عودة المفاوضات معهم. محمود عباس يذهب إلى الأمم المتحدة ويقدم طلباً باسم منظمة التحرير لنيل الاعتراف من الجمعية العامة بفلسطين كدولة مراقبة (غير عضو) ليس بسبب أهمية هذا المقعد فحسب وإنما ليقوم بالتفاوض مع إسرائيل من موقع "رئيس" لدولة محتلة. هذا ما ضمنّه رسالته التي بعث بها إلى الرئيس أوباما. عباس أكد أيضاً على هذه القضية في مقابلته مع التلفزيون الإسرائيلي.

محمود عباس وفي عام 1995 خاض جولات عديدة من المفاوضات مع وزير العمل في حكومة رابين يوسي بيلين، واتفق معه على بنود شكلت تنازلاً من قبله عن حق العودة: عُرف الاتفاق بين المسؤولين باسم ورقة: عباس-بيلين.

كان من المفترض أن يعلن إسحق رابين بنود هذا الاتفاق، إلا أنه أغتيل قبل الإعلان عنها في عام 1995. الاتفاق تسربت بنوده إلى الصحافة الإسرائيلية وينص على: إرجاع بضعة آلاف إلى إسرائيل. إرجاع من يريد العودة إلى مناطق السلطة الفلسطينية. توطين من يرفض العودة حيث يقيم. منذ تلك اللحظة فعلياً تخلى عباس عن حق العودة غير أنه آنذاك لم يقع في المسؤولية الفلسطينية الأولى. الآن يمارس عباس تنكره لحق العودة عن سابق تصميم واصرار فهو في موقع رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة فتح. محمود عباس يؤمن بمرجعية أوسلو بدلاً من مرجعية الأمم المتحدة حول الحقوق الفلسطينية ومنها القرار رقم 194 والذي ينص على حق العودة للاجئين.

إبّان وجود عرفات في هرم السلطة الفلسطينية ضغطت الولايات المتحدة على الاخير لإحداث منصب رئيس الوزراء للسلطة، وتسلم عباس هذا المنصب. اختلف مع عرفات وقبع في منزله. أطلق عليه عرفات لقب "كرزاي فلسطين". بعد تسلمه لرئاسة السلطة الفلسطينية: كان من أبرز القرارات التي اتخذها: اعتبار الأجهزة العسكرية للفصائل الفلسطينية: منظمات غير مشروعة، منع حمل السلاح للفصائل تحت طائلة السجن. قام بجمع الأسلحة، وقام باعتقال كل من يحاول القيام بعمليات مسلحة ضد إسرائيل.هذا هو التاريخ الحقيقي لعباس.

أيدرك محمود عباس: أن إسقاطه لحق العودة ينزع الغطاء عن أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948؟ فهؤلاء الذين يتمسكون بفلسطينيتهم وقوميتهم العربية والذين حافظوا على انتمائهم وثقافتهم وتصدوا لكل مخططات التهويد والأسرلة،هؤلاء بحاجة إلى الغطاء الذي يشكله حق العودة والشعب الفلسطيني عموماً، فهم جزء أصيل منه.

بعد إسقاط حق العودة سيتفنن اليمين الإسرائيلي في اختراع الوسائل لإجراء ترانسفير قسري لأهلنا في منطقة 48، و خلق ظروف اقتصادية-اجتماعية-سياسية غاية في الصعوبة لدفعهم إلى الهجرة. ألا يدرك عباس أن إسقاط حق العودة يصب في خانة الاعتراف بيهودية إسرائيل؟ إن كان لا يدرك كل هذه التداعيات فهذه مصيبة، وإن كان يدرك فالمصيبة أعظم. 

لعل من أحد قوانين الصراع من أجل نيل الحقوق، أن من يتنازل عن جزء بسيط من حقوقه، سيفرض عليه الطرف الآخر( بمزيد من ابتزازه) التنازل الثاني والثالث.... وهكذا دواليك! حتى يؤدي به إلى الهاوية. لقد انطلقت الثورة الفلسطينية من أجل تحرير كل الوطن الفلسطيني من النهر إلى البحر، ثم بدأ سلم التنازلات: الاعتراف بدولة إسرائيل، بناء دولة على أية بقعة ينزاح عنها الاحتلال، إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، إمكانية تعديل الحدود، التنازل عن حق العودة! نخشى ما نخشاه أن يكون التنازل القادم لعباس عن إقامة الدولة على أراضي عام 67، والتعامل مع مشاريع قديمة-جديدة عنوانها الرئيسي: تبديد الحقوق الفلسطينية والهوية الفلسطينية وإذابتها من خلال الدعوة إلى إقامة كونفدرالية مع هذه الدولة أو تلك؟. عباس يريد إلهاء الفلسطينيين بإنجاز سياسي هنا أو هناك.

لقد كان الأحرى بعباس في الذكرى الــ95 لوعد بلفور المشؤوم، وفي الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال"أبو جهاد" وفي الوقت الذي تقصف فيه إسرائيل يومياً قطاع غزة، وفي الوقت الذي تصادق فيه إسرائيل على المزيد من المخططات الاستيطانية وتهويد القدس ومحاولة هدم المسجد الأقصى... كان الأحرى به أن لا يدلي بتصريحات في مقابلة مع قناة تلفزيونية صهيونية، وأن يعلن انتهاء المفاوضات مع إسرائيل والإصرار على المقاومة بكل أشكالها ووسائلها. والتمسك بحق العودة وكل الحقوق الوطنية الفلسطينية الأخرى. بدلاً من كل ذلك تنازل طائعاً عن حق العودة. المقربون منه يحاولون تميع تصريحاته بالقول: "بأن هذه التصريحات موجهة إلى الشارع الإسرائيلي" و(كأن على الفلسطينيين إغلاق آذانهم).

ألا يدرك هؤلاء استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي تشير إلى: أن اليمين الصهيوني سيحقق المزيد من المكتسبات بعد الانتخابات التشريعية القادمة؟ ألم يعتبروا من تجربة نشر بنود المبادرة العربية كإعلانات في الصحف الإسرائيلية والتي كانت نتائجها حصد اليمين للمزيد من المقاعد؟.

ليس من حق عباس التنازل لا عن حق العودة ولا عن أي من الحقوق الوطنية الفلسطينية. الرد عليه جاء من تفاعل شعبنا في الوطن والشتات وبكل قطاعاته مع تصريحات عباس، وتمثل الرد في الرفض المطلق من تسعة ملايين فلسطيني للتنازل عن حق العودة، والإصرار على التمسك بهذا الحق. إضافة إلى أن الأمة العربية بكاملها تقف مع الحقوق الوطنية الفلسطينية ومنها: حق العودة.

إذا تعب محمود عباس فليستقل من مناصبه ويرتاح وليسلم الراية إلى غيره، ولتجر محاسبته من كافة الهيئات التي يرأسها، فحق العودة لا يسقط بالتقادم، وهو مقدس، مقدس، مقدس.

التعليقات