03/12/2012 - 00:56

التجمع ؛ مشروع لنهضة مجتمع/ حنين زعبي

انطلاقا من ذلك، وخلافا لباقي الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست لا يطالب التجمع بالعدالة من النظام، بل هو يطالب بنظام عادل. وبكلمات أخرى، العدالة هي ليست مطلبا نوجهه للنظام في إسرائيل، بل هي جوهر النظام الذي نطالب به في البلاد. وهذا ما جعل التجمع يحدث انقلابا في الخطاب السياسي وفي علاقة ” المحاسبة والمحاكمة” بين ابن البلاد وبين الدولة.

التجمع ؛ مشروع لنهضة مجتمع/ حنين زعبي

في إسرائيل يُتهم الحزب الوحيد الذي يبني مشروعه وطرحه السياسي على أساس مدني ديمقراطي ”دولة المواطنين” بالقومجية. وتوصف الأحزاب التي تبني رؤيتها السياسية على أساس قومي إقصائي ”دولتان لشعبين” (شعبان مختلفان ومعرفان قوميا: شعب يهودي وشعب عربي)، بالأحزاب الديمقراطية إذا كانت صهيونية، و”معتدلة” إذا كانت عربية (الحزب الشيوعي).   

بهذا لا تكمن قوة التجمع بتحديه الأخلاقي وبجرأة كوادره وقياداته وبمواقفه السياسية المبدئية التي لا تحتكم لعلاقات القوة سواء تلك داخل إسرائيل أو تلك الإقليمية والدولية فقط - بخلاف باقي الأحزاب السياسية العربية التي تحتكم في المواقف الصعبة لموازين القوى إسرائيليا وأمريكيا-، بل تكمن قوته بالأساس في استناده إلى مشروع يجرد الصهيونية أيديولوجية النظام وجوهره، من شرعيته الأخلاقية. 

وما كنا لنفعل ذلك - تجريد النظام من شرعية أخلاقية بصفته نظام لجزء من المواطنين، إلا بالاستناد على شرعية أخلاقية أخرى. لا تجرد ”الشرعية” (غير الشرعية) إلا بشرعية أخرى، وليس بالقوة، أو بموازين القوى.

والتجمع حين يجرد الصهيونية من شرعيتها، فهو يفعل ذلك بقوة شرعية واحدة: الاحتكام إلى قيم كونية، العدالة أولا، والمساواة ثانيًا. خطابنا في تجريد الصهيونية من شرعيتها الأخلاقية والسياسية هو خطاب قيمي، نصبه بسياق تاريخي وبمطالب عينية ترتكز إلى انتمائنا القومي.
ولتنذكر ما جاء في برنامج التجمع:  ”التجمع الوطني الديمقراطي هو حزب قومي ديمقراطي. ”هو ديمقراطي بفكره وديمقراطي بأهدافه السياسية والاجتماعية، وهو حزب ملتزم بمبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والشعوب. ..... يحاول الحزب الربط ما بين الهوية القومية ومبادئ الديمقراطية وبناء مجتمع حر، حديث ومتطور”.

انطلاقا من ذلك، وخلافا لباقي الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست لا يطالب التجمع بالعدالة من النظام، بل هو يطالب بنظام عادل. وبكلمات أخرى، العدالة هي ليست مطلبا نوجهه للنظام في إسرائيل، بل هي جوهر النظام الذي نطالب به في البلاد. وهذا ما جعل التجمع يحدث انقلابا في الخطاب السياسي وفي علاقة ” المحاسبة والمحاكمة” بين ابن البلاد وبين الدولة.

ولا يتعاطى التجمع مع قيم الحرية والعدالة بطريقة أدواتية، بمعنى أن قيمة تلك القيم لا تنبع فقط من ”استخدامها” في النضال ضد نظام عنصري قامع، ولا من ”استخدامها” في تحصيل حقوقنا كفلسطينيين أمام الدولة، بل نحن نؤمن  بقيمتها وبضرورة التمسك بها كموقف أخلاقي يناصر المظلوم أينما كان، وكان من كان.

الاحتكام لأخلاق سياسية خارجة عن ”النتيجة” أو عن ”الإنجاز”، هو أمر ضروري لعدم الانزلاق للعصبيات المختلفة من جهة، ولعدم الانزلاق لثقافة الرياء والانتهازية السياسية من جهة أخرى، ويكثر تهديد الأخيرة ضمن المشهد السياسي للحركات العربية خارج وداخل البرلمان.      
وكما تستند كل مطالبة لنا، وكل نضال لنا في وجه النظام الصهيوني إلى قيم العدل والمساواة والحرية، كذلك ينطلق تصورنا لمجتمعنا ولإدارة شؤونه وللعلاقة بين أفراده من تلك القيم. بالتالي نحن نؤمن بهذه القيم أيضا كقيم موجهه لعلاقاتنا الداخلية كشعب، وكقيم موجه لأخلاقيات نضالنا ضد نظام القوة والهمينة الذي يحكم تلك العلاقات الداخلية في مجتمعنا، وعلى رأسها سؤال المساواة بين المرأة والرجل.   

وقناعتنا بمجتمع ”حر، حديث ومتطور” جعلت سؤال ”ما هو شكل المجتمع الذي نريده”؟ سؤالا مركزيا في مشروع التجمع، وحولت مشروعنا من مشروع نضال ضد، إلى مشروع بناء. مشروع التجمع هو مشروع تنظيم أقلية قومية تناضل ضد قمع مكانتها وحقوقها وضد تهميشها على وطنها، وضد بترها عن تاريخها وشعبها وأمتها وفضائها العربي، ضمن رؤية كاملة وواضحة تتعلق بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية سياسيا واقتصاديا وكيفية بناء نسيجنا الذاتي اجتماعيا. تنظيمنا كأقلية قومية، بناء مؤسساتنا القومية، التعامل مع القومية كهوية عصرية محاربة للطائفية وللعصبيات بكافة أنواعها، تطوير مؤسساتنا الاقتصادية، تطوير إدارة ذاتية ثقافية، محاربة العنف و”ثقافة” الوصاية والرياء للمؤسسة، وثقافة الانتهازية والسطحية، كل هذه الطروحات والرؤى هي أحجار بناء أخلاق وفكر وشخصية التجمعية والتجمعي.

وفي سياق تصورنا أو إجابتنا على السؤال ” أي مجتمع نريد”؟، وفي سياق ايماننا بقيم المساواة والعدالة، تبرز قضية مساواة المرأة بالرجل كأهم القضايا المؤثرة. وسؤال المرأة وحقوقها، هو ليس مجرد سؤال أخلاقي، ولا يكفي الايمان بمساواة المرأة، ولا يكفي حتى الدعم العملي لحقوقها ومكانتها ومساواتها كلما طرح الواقع هذا السؤال. بل على الحزب السياسي أن يطرح هو هذا السؤال على الواقع المعاش. بمعنى لا يكفي أن نكون مع حقوق المرأة، في كل مفترق طرق يريد منا أن نقرر فيما إذا كنا مع حقوقها أو ضدها، بل عليك أنت كحزب أن تنتج مفترقات الطرق هذه.

مطلوب من الحزب أن ينتج ثقافة بديلة تغير التوجه للمرأة عموما، بدل أن يدعم عينيا نساء عينيات في نضالاتهن العينية. وهنا تأتي أهمية تحصين نساء في القائمة البرلمانية، والتي ساهمت لا شك في إعادة تشكيل قناعات اجتماعية عامة تتعلق بقدرات المرأة أو شخصيتها. لكن مشوار التجمع أكثر تعقيدا من ضمان ثلث المقاعد للنساء في القائمة البرلمانية، وهو يتطلب إعادة تفكير في عملية تطوير الحزب للقدرات الشبابية عامة والشبابية النسائية خاصة.

وهذا ما عليه أن يكون على رأس أولويات الحزب وأجندات عمله الداخلية فيما بعد الانتخابات. وكل القوة لحزب، شعبه يقوى بقوته.
 

التعليقات