10/12/2012 - 13:41

سبل تغيير الواقع الاقتصادي للمجتمع العربي/ باسل غطاس

مدهش فعلا أن يقارب تعداد العرب في الداخل المليون ونصف وأن تكون حالتهم الاقتصادية على ما هي عليه الآن. ولا أتحدث هنا فقط عن مستويات الفقر والبطالة ووجود الغالبية الساحقة من القرى والمدن العربية في أدنى درجات السلم الاقتصادي – الاجتماعي الرسمي، بحسب تدريج مكتب الاحصاء المركزي، ولكن نتحدث عن حالة تهميش وإقصاء حكومية من جهة وحالة من الإهمال والتهميش الذاتي وانعدام المبادرات الجماعية من جهة أخرى.

سبل تغيير الواقع الاقتصادي للمجتمع العربي/ باسل غطاس

يأخذ الموضوع الاقتصادي، كموضوع الأساس الذي يهم الناس، حيزًا متعاظمًا في الفترة الأخيرة، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، حيث أول ما يهتم به الناس في كل المجتمعات في الظروف العادية هو شؤون حياتهم ومعيشتهم وهي كلها مرتبطة بالاقتصاد.

مدهش فعلا أن يقارب تعداد العرب في الداخل المليون ونصف وأن تكون حالتهم الاقتصادية على ما هي عليه الآن. ولا أتحدث هنا فقط عن مستويات الفقر والبطالة ووجود الغالبية الساحقة من القرى والمدن العربية في أدنى درجات السلم الاقتصادي – الاجتماعي الرسمي، بحسب تدريج مكتب الاحصاء المركزي، ولكن نتحدث عن حالة تهميش وإقصاء حكومية من جهة وحالة من الإهمال والتهميش الذاتي وانعدام المبادرات الجماعية من جهة أخرى.

لقد أدى هذا الوضع إلى نشوء بنية مشوهة للاقتصاد العربي فهو استهلاكي في أساسه وينعدم الأسس الأولية للتخطيط والتنظيم وتنقصه البنى التحتية الأساسية المادية والفكرية للتطور.

عمليًا، يتحمّل القطاع الخاص العربي بمفرده وبدون أي دعم حكومي أو بلدي مسؤولية تطوير الاقتصاد، حيث يعمل بحسب الأسس الأولية لقوى السوق والتي تفرض عليه حتميات من نوع وتيرات نمو بطيئة والعمل في بيئة مخاطر عالية مما يعني تكلفة عالية للتمويل أو صعوبة بالغة في الحصول عليه.

كيف من الممكن تغيير واقع الاقتصاد العربي وهل هناك ما يمكن فعله وترجمته إلى تأثير محسوس على أرض الواقع؟   

أولا، نبدأ بالقول بأن تمكين وتطوير الاقتصاد العربي هو مهمة وطنية وسياسية من الدرجة الأولى وتقع في صلب رؤية التجمع الوطني الديموقراطي ومشروعه وهي الأكثر تعبيرًا وتجسيدًا لربط بين الحقوق المدنية النابعة من المواطنة وبين حقوقنا الجماعية كأقلية قومية تطالب بحكم ذاتي.

يجري الحديث في بعض الأوساط السياسية الانتهازية التي تركب كل موجة تجابهها في الشارع وكأن العمل في قضايا المواطنين الاقتصادية هو تعامل مع قضايا الناس اليومية كخدمات وكنوع من الابتعاد عن السياسة، وهؤلاء في تعاملهم الانتهازي إنما يكرسون الدعاية الرسمية حول الفصل  بين القضايا السياسية وقضايا الناس ويؤكدون تهمة أن أعضاء الكنيست والأحزاب تعمل فقط في السياسة وتهمل قضايا الناس اليومية والحياتية.

التجمع الوطني ببرنامجه لمعالجة قضايا الاقتصاد العربي وان اشتمل على تفاصيل تؤثر على المصالح الصغيرة وعلى المبادرات الفردية إلا أنه ينبع من رؤية وطنية وقومية شاملة لمستقبل الأقلية القومية ولحقوقها في وطنها كأقلية أصلانية. 

أكاد أجزم بضرورة اشتمال برنامج التجمع الاقتصادي على محورين رئيسيين:
الأول: المحور المطلبي المتعلق بوضع الأولويات وتغيير السياسات وتخصيص المصادر والبنى التحتية.

الثاني: محور البناء الذاتي والتأسيس لمبادرات عملية على مستوى التخطيط والتنظيم وصولا إلى مبادرات عملية في تشكيل أطر للعمل الاقتصادي الجماعي داخل القطاع الخاص العربي وخلق العلاقات والشراكات مع أطر وأفراد في المنطقة العربية والعالم.

المحور الأول سيشتمل خمسة أبواب رئيسية هي:

• التشغيل والتأهيل المهني وخاصة للنساء العربيات.

• الاستثمار في البنى التحتية وتخصيص الأراضي والحيز العام الملائم لتطوير المصالح العربية الصغيرة والمتوسطة بما في ذلك المناطق الصناعية والتجارية داخل القرى والمدن العربية وفيما بينها (مناطق مشتركة).

• التخطيط والبناء والتركيز خاصة مجال الاسكان والمجال العقاري بشكل عام.

• القطاع المالي وتوفير مصادر للتمويل والاستثمار في الاقتصاد العربي بدعم حكومي لتقليل الفوائد عبر إعطاء ضمانات ملائمة. وضع إستراتيجية متكاملة للاستفادة من عشرات مليارات الشواقل المتراكمة في صناديق التقاعد والاستكمال والتوفير التي يملكها العرب وتستثمر من قبل بيوت الاستثمار وشركات التأمين الكبرى التي تدير هذه الصناديق في البورصة الإسرائيلية والسوق العقاري الاسرائيلي دون أن يعود هذا بأي فائدة تذكر على الاقتصاد العربي.

•  دعم المصالح الصغيرة والمتوسطة من قبل مركز الاستثمار وبواسطة إنشاء صناديق قروض خاصة وتوفير الدعم المهني الاستشاري.
المحور الثاني سيشتمل على أبواب.

•  تنظيم القطاع الخاص العربي وإنشاء مؤسسات حيوية مهنية وتمثيلية قادرة على التعامل مع السلطات الرسمية والمحلية وقادرة على تمكين وتدعيم الاقتصاد العربي في نفس الوقت. توطيد العلاقة بين مؤسسات القطاع الخاص وبين لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية.

•  السعي لإنشاء شراكات محلية وعربية ودولية تجد تعبيرًا عنها في صناديق استثمار عامة ومتخصصة وكذلك في شركات قابضة على أن توجه كلها جهودها وعملها الاستثماري داخل السوق العربي. هنا يجب إيلاء أهمية خاصة لبدء التعامل مباشرة مع بنوك تنمية وتطوير أوروبية وإسلامية وإزالة عثرات كثيرة لا تزال تحول دون ذلك كما وعلينا أن نصل إلى رأس المال العربي، وخاصة الصناديق السيادية للاستثمار في الاقتصاد العربي دون الوقوع في مطبات تطبيعية. هنا يوجد دور أساسي للتجمع في تقديم اجتهاد خاص في هذا المجال حصرًا.

• ايلاء أهمية خاصة لمبادرات اقتصادية للمدن المختلطة حيث يتهدد الخطر مجرد الوجود العربي وحيث تعمل هناك جمعيات يهودية استيطانية لأهداف واضحة لإخلاء هذه المدن من سكانها العرب. كذلك وضع مخططات تدخل لدعم العرب في النقب اقتصاديًا في مواجهة مخطط برافر ومشاريع المصادرة والهدم القادمة.

• العمل على دعم وتمكين قطاعات اقتصادية لها ميزة خاصة للمجتمع العربي وله فيها أفضلية ونقاط قوة مثل القطاع الزراعي وخاصة استخدام التقنيات العالية فيه بما فيه قطاعات الثروة الحيوانية وتطوير القطاعات التقليدية مثل الزيت والزيتون. تشجيع تنظيم الفلاحين العرب وتأطيرهم في جمعيات تعاونية وشركات اقتصادية لتمكينهم من مواجهة متطلبات السوق الاسرائيلي والعالمي. كذلك قطاع السياحة خاصة المرتبطة بوجود أماكن سياحية ذات أهمية عالمية داخل الوسط العربي.

•  توثيق العلاقات الاقتصادية وخاصة في تبادل الخبرات والتكنولوجيا والملكيات الفكرية مع الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع والاستفادة القصوة من البنى المؤسساتية المتطورة نسبيا القائمة هناك.

• الانفتاح على العالم العربي من خلال تطوير وتعزيز موقعنا السياسي والاقتصادي وضرورة تمكين العرب اقتصاديا لتعزيز بقاءهم في وطنهم.
كل واحد من هذه الأبواب في كلا المحورين بحاجة إلى خطة تفصيلية للعمل والتطبيق وهي جاهزة في معظمها، لكن بعضها بحاجة إلى عمل إضافي من الخبراء وهذا ما سنركز عليه في الأشهر المقبلة.

التعليقات