11/12/2012 - 10:47

التجمع.. قصة نضال أبعد من مقعد في "الكنيست!"../ نزار السهلي*

المعيار الفاصل لأية عملية ديمقراطية كما يراها حزب التجمع يعود إلى مدى تعبيرها عن حقوق ومصالح الشعب الوطنية الثابتة وعدم تبديدها لحساب صراعات حزبية عندما يحتدم النقاش ويتبدى عمق المأزق الذي انحدرت إليه بعض الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، وهو ما حمل قدرا كبيرا من المغالطة والتشويه للتجمع وقياداته السياسية في ظل الحملة الصهيونية المستعرة عليه والممثلة بإقرار مجموعة قوانين تحمل أسماء قياداته

التجمع.. قصة نضال أبعد من مقعد في

شكل حزب التجمع الوطني الديمقراطي، منذ تأسيسه والى اليوم، إجابة على أسئلة الواقع لعرب الـ48 بقدرته على إرساء مقومات المجتمع المدني الفلسطيني التحرري، وهو ما يجري بتناغم مع الحقوق والمصالح الوطنية والقومية لكافة مرشحي حزب التجمع عن قائمته في الانتخابات القادمة، والتي ينظر إليها بالعين الصهيونية كأحد عوامل الخطر الدائم على "يهودية الدولة".. على أن تجربة التجمع إذا ما نُظر إليها في العملية النضالية وظروف النشأة والتطور يعود إلى تعبير التجمع الوطني الديمقراطي عن حقوق ومصالح "الأقلية" العربية في الـ48 ومن ناحية منهجية لا يمكن فصل أو تجزيء تجربته تجاه قضايا في منتهى الحساسية والخصوصية، فلا غرابة اليوم أن تستعر الحملة الصهيونية العنصرية على التجمع ومرشحيه متطابقة تماما مع جوهر ومنطق العقل الصهيوني الذي يرى في الأحزاب العربية حالة هامشية يجب أن تبقى خاضعة للأحزاب "الإسرائيلية"، بحيث تأتي تماما متطابقة مع الحالة المطلبية التي تسوقها "الديمقراطية اليهودية" للأقلية العربية، وعلى قاعدة أن المطروح من قبل الأحزاب العربية في أية انتخابات للكنيست يعالج الواقع الخاص للجماهير العربية،هذا بصورة مكثفة على صعيد الإطار السياسي، فماذا نجد عند التمعن في البعد الداخلي لتجربة التجمع في خوض معركته السياسية؟

المعيار الفاصل لأية عملية ديمقراطية كما يراها حزب التجمع يعود إلى مدى تعبيرها عن حقوق ومصالح الشعب الوطنية الثابتة وعدم تبديدها لحساب صراعات حزبية عندما يحتدم النقاش ويتبدى عمق المأزق الذي انحدرت إليه بعض الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، وهو ما حمل قدرا كبيرا من المغالطة والتشويه للتجمع وقياداته السياسية في ظل الحملة الصهيونية المستعرة عليه والممثلة بإقرار مجموعة قوانين تحمل أسماء قياداته، على هذا الأساس أيضا نرى أن كل حملة تحريض مع كل انتخابات وما بينهما من قبل اليمين الصهيوني تعني تحسسا لخطر تطور آليات العمل للتجمع رافقت سنوات تأسيسه لصالح حمل قضايا فلسطينيي الداخل إلى خارج حدود فلسطين التاريخية وصولا لمنابر دولية، إلا أن عامل المواجهة لانفلات اليمين الصهيوني والذي يشكل التجمع رأس حربة له جعل من التجمع بصورة عامة القاعدة المنطقية لمقاومة مشروع الأسرلة ونزع الغطاء المزيف "للدولة الديمقراطية" بعد ترسيخ العمل الوطني وربطه بالعمل القومي كتعبير واضح عن انتمائه لعمقه العربي من خلال التواجد الفعلي والميداني متخطيا دائرة الانغلاق في بوتقة الشعارات المطلبية فقط.

نجد أنه لا بد أن تخرج الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني من حالة الانغلاق في الفكر السياسي وبرامج أحزابها للانفتاح وتنمية العمل الجماعي، فنحن بحاجة للتجديد على كل المستويات، ومتطلبات المرحلة الراهنة تختلف عن المرحلة السابقة من خلال تفعيل دورها ليتخطى العامل الاجتماعي والاقتصادي، فالربط بين هذين العاملين مع أفق سياسي من خلال دور تكاملي ضروري لمواجهة أخطار المؤسسة الصهيونية الساعية لطمس الهوية الوطنية لعرب ال48، لذلك من المفيد العودة إلى الوراء للتدقيق من حيث مبررات ولادة الأحزاب العربية في الداخل، وإن انطلقت من واقع مريض ومترد، وإن صاغت فعلتها في شعارات وطنية إلا أنها في جانب كبير منها وليدة الشعارات المطلبية والتعددية السياسية التي أفرزتها "الديمقراطية المزيفة" لدولة الاحتلال، ولعل ذلك ما أشر إلى نقطة ضعف تنظيمية مرتبطة بخلل مزمن حول تشخيص وتفصيل الإشكاليات الموضوعية والبرامجية للأحزاب العربية، غير أن تجربة التجمع الوطني الأكبر ليست في معرفة الإشكاليات وتشخيصها وتفصيلها، على أهمية ذلك فهي باتت تشكل نموذجا للجمهور العربي في الداخل ومعروفة ومحفوظة إلى حد كبير من خلال متابعة المؤتمرات الحزبية للتجمع، وعمله على الأرض بديناميكية تغرف من طاقات شعبه ونضالاته، وربما أعمق من ذلك بكثير، وهذا بالضبط ما يكسبه القوة التي مداها وتأثيرها أكبر بكثير من الوصول إلى "مقعد" برلماني.

إن أكثر ما يلفت الانتباه هنا،هو موقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حيال تجربة حزب التجمع، والسعي نحو شطبه وإخراس صوته وكبح نضالاته. ومن هنا يتضح الدور الطبيعي للتجمع الوطني والخيار الحقيقي في إطار المشروع الوطني القومي. والمسألة هنا ليست رغبة نابعة لهدف حزبي بقدر ما هي ممكنات وحقائق أملتها الظروف الاستثنائية لنضالات أصحاب الأرض الأصليين. والمشروع الصهيوني كما هو معروف لا يقبل الحلول الوسط لأن مرتكزاته الأساسية تقوم على نفي الآخر ماديا وتاريخيا وسياسيا وجغرافيا، لذا فضح كل صيغ الدمج والمساواة والتهويد الذي اصطلح على تسميته بمحاولات فرض "الأسرلة" لمنع أصحاب الأرض من الانخراط في المشروع الوطني الفلسطيني والالتفاف على الدور المتنامي والمتصاعد نحو الهوية الوطنية الفلسطينية والعربية، ومهما كانت الصيغ والبرامج التي تنادي بها الأحزاب العربية المتنافسة على مقاعد الكنيست يمكن اشتقاقها من فكرة وروح عمل التجمع التي تبقى مشدودة نحو الإستراتيجية النهائية للمشروع الوطني الفلسطيني كضرورة موضوعية تمليها الحقيقة الفلسطينية والمصير المشترك لأصحاب الأرض التاريخيين.
 

التعليقات