29/12/2012 - 19:04

هـــيــــــرودوس الجــــــــديـــــــد/ ربيع هنداوي

أدرك التجمع الوطني الديمقراطي قوة العرب في الداخل، كما وأدرك أهمية التصدي للفاشية ومفرقا بينها وبين العنصرية بكل وضوح: منع حنين زعبي من الترشح تصرف فاشي، والرد عليه يكون بالمقاطعة ، سائرا وفق للقاعدة الفقهية التي جاءت بالحديث الشريف عن توقيت التصدي بالمقاطعة: " عندما تروا كفرا بواحا"، مميزا بين العلم "بكفر" الحاكم أي العنصرية وبين وجوب الخروج عليه عندما يكون فاشي، مكملا دائرة النضال التي بدأها في الكنيست: فالمشاركة نضال، والمقاطعة نضال أيضا.

هـــيــــــرودوس الجــــــــديـــــــد/ ربيع هنداوي

في قراءة للواقع السياسي و,إزاء المحاولات المحمومة من جانب السلطة لإجهاض التوجهّات الوطنية في أوساط فلسطينيي الداخل، أستذكر قصة الملك هيردوس الذي  أمر بقتل الأطفال دون سن الثانية في مدينة بيت لحم وأكنافها ظنا منه أنه يجهض بذلك التنبؤات بخروج يسوع المسيح، ويسد الطريق أمام رسالته التي تشكل خطرا على حكمه. لقد كان المنفذ الوحيد أمام يوسف النجار ومريم العذراء هو التوجه جنوبا عبر سيناء الى مصر في محاولة لدفن الموت المحتوم للمولود الجديد هناك.(إنجيل لوقا)

ظلت مصر حاضرة في عقلية الهيرودسيين الجدد، وحين قامت حركة الأرض بتقديم قائمتها للكنيست عام 1965 تحت إسم القائمة الإشتراكية،  إدعت لجنة الإنتخابات المركزية أن تقديم القائمة جاء بتعليمات من راديو القاهرة بهدف الحصول على الحصانة البرلمانية، فشطبت القائمة بنفس العقلية التي قتل فيها هيرودوس الأطفال في بيت لحم، ظانة أنها بذلك تقضي على الخطر  الداهم الذي يهدد إسرائيل ويهوديتها،  وما أشبه اليوم بالأمس. 

إنه عرض لحالة "حركة الأرض" الإيجابية في الأراضي المقدسة لواقع سيئ عاشه العرب أبان الحكم العسكري، وكان من المفترض رؤيته بمنظار واحد. نحن بحاجة لإتفاق على المنظار أولا، ولا يهم بعدها إسقاط دلالات حزبية أو سياسية على الصورة المارة من عبره. اختلافنا على المنظار يعني إخضاع سرد التاريخ السياسي لإستقطابات مملة تتراوح بين تفرّد الحزب الشيوعي الإسرائيلي في قيادة مرحلة تاريخية هامّة، وبين إعتبار العرب بالمجمل مجموعة متخاذلين لأسباب أحيانا تبرر وأحيانا تدان، أو  تأليههم عند المناكفة مع طرف "خارجي"  أو داخلي ردا على إتهامهم بالعمالة.

سأبدأ من النهاية، نهاية ما تجلبه علينا الإستقطابات من إدانة لنمط حياة سياسي عاشه العرب وقتها يجب تجنبها كونها لا تؤسس لوعي ولو كانت ضرورية في حينه، ما دامت لا تؤثر في تجديد تأسيس حد أدنى من الوعي المشترك لكيفية تفاعل العرب الفلسطينيين مع الجريمة-نكبتهم، وهذا يعني أساسا لعب دور "تناسخ الأرواح" نحو الماضي عبر فهم كيفية تجاهل العرب نكبتهم ورحبوا بالسلطة الجديدة وتعاطوا معها في الميادين: التصويت بنسب مرتفعة بالإنتخابات البرلمانية والمحلية كمثال .

والتجنب المقترح يكون عبر فهم تجاهل العرب-الجيل الأول-  لنكبتهم عبر الترحيب بالسلطة الإسرائيلية الجديدة أيام "عيد الإستقلال" مجبرين ومن ثم الترحيب بحضورها في حياتهم العامة والخاصة ترحيبا لم يكن  مشروطا بإلغاء العنصرية أو عودة اللاجئين. كان "ركودا" سياسيا فلسطينيا وفقا لقوانين الحركة الإسرائيلية لتتحول بدورها الى قوانين ترى في العرب "مجموعة جيدة" تستحق هامشا ديمقراطيا على جوانب الحياة السياسية الإسرائيلية عبر إنهاء الحكم العسكري.

كان هذا الهامش هو بذرة نشوء "ظروف المواطنة الإسرائيلية" على حد تعبير المفكر عزمي بشارة، عبر تحول النظام في تعاطيه مع العرب من نظام هو في بنيته عنصريا، الى نظام عنصري .

كان هذا التمايز بين النظام العنصري والبنية العنصرية للنظام، تذكرة دخول لكلمة" فقط" الى تصور الأحزاب السياسية لطبيعة نضالها. فنادى البعض بالتصدي لعنصرية النظام" فقط "والبعض الأخر للتصدي للنظام العنصري "فقط"، الأول يعمل من داخل المواطنة راكعا لنبيتها والثاني يعمل من خارجه المواطنة متجاهلا عنصريتها، ثنائيات كانت تدعو الى نشوء شيئ جديد، حزب أو حركة شعبية أو ما يملي مكانهما.
جاء التجمع سباقا في التصدي للنظام العنصري وعنصرية النظام  سوية، وهذه المرة من داخل المواطنة، ليطرح الفارق في مفهوم التصدي عبر إعلانه دولة المواطنين مسقطا  أمامه برامج تكتفي بالنضال ضد عنصرية النظام دون نقاش بنيتها حتى. وبات من الواضح أن النضال ضد عنصرية النظام فقط(مرة أخرى)، لا يعني بالضرورة نضالا ضد النظام العنصري والتي يأخذ فيها النضال معنى يكون نقيضه أقرب الى المساواة الهشة، والبحث عن هذه المساواة يكون في قوانين أساس الدولة ووثيقة إستقلالها وليست نابعة من الحق التاريخي للشعب الفلسطيني.

النضال ضد عنصرية النظام فقط هو اختزال للعنصرية عبر منحها معنى "تمييز" ونابع عن تصور مسبق أن المساواة لا تتعارض مع البنية العنصرية للدولة. تصور دفع بالبعض بالقول أنهم "واثقين" من المحكمة العليا لن تمنع النائبة حنين زعبي من الترشح كمثل ثقة مواطن سويسري يؤمن حق الإيمان بمؤسسات دولته.

من فهم النظام الى التعامل معه

العنصرية المستشرية في إسرائيل ممثلة بالحكومة الحالية، بل ودون تأتأة الحكومات السابقة أيضا، تستفحل بتسارع نحو نظام فاشي في محاولة للعودة الى جذور الحكم العسكري، ولكن هذه المرة دون محكومين على نمط العربي الأخرس أو العربي الجيد.

لقد كانت شوارع البلدات العربية مدرسة للأحزاب في يوم الأرض مرورا بالانتفاضتين كما وكانت المعلم الدائم للدولة. لم يدرك بعض العرب عن دور المعلم في خلق ردة عند الدولة، فإجتمعت إدعاءات تدين الديمقراطية الإسرائيلية من ناحية، ثم تهلل للمحكمة العليا دون أن تدري وذلك عبر حسم الموقف مثلا ان المحكمة العليا سوف تتيح لحنين زعبي المشاركة في الإنتخابات القادمة. الأولى تدين إسرائيل ومؤسساتها والثانية تمتدحها، الأولى ثورية، أما الثانية فهي نقدية في دائرة ما هو مشروع حتى داخل الإجماع الإسرائيلي، وإجتماع الإثنين هو تجاهل للتاريخ، أما إنفصالهم فصلا تاما هو قفز عن التاريخ، وبكلتا الحالتين لا وعي لقوة العرب في الداخل وسيرورة تطورهم.

أدرك التجمع الوطني الديمقراطي قوة العرب في الداخل، كما وأدرك أهمية التصدي للفاشية ومفرقا بينها وبين العنصرية بكل وضوح: منع حنين زعبي من الترشح تصرف فاشي، والرد عليه يكون بالمقاطعة ، سائرا وفق للقاعدة الفقهية التي جاءت بالحديث الشريف عن توقيت التصدي بالمقاطعة: " عندما تروا كفرا بواحا"، مميزا بين العلم "بكفر" الحاكم أي العنصرية وبين وجوب الخروج عليه عندما يكون فاشي، مكملا دائرة النضال التي بدأها في الكنيست: فالمشاركة نضال، والمقاطعة نضال أيضا.

منع زعبي من الترشح كما إتاحة الترشيح، ليس مرهون بوجود ديمقراطية إسرائيلية حقيقية ولا التجمع يدعي ذلك. منذ التأسيس كان التجمع واضحا: سنسعى لفضح الديمقراطية المشوهة، أما منع زعبي أو السماح لها بالترشح فلم تكن إمتحان للديمقراطية الإسرائيلية، بل كانت إمتحان للعنصرية الإسرائيلية وفي مدى تحولها الى فاشية.

بعد إتاحة الترشيح للزعبي ، عاد التجمع الى مسار المواجهة مع الفاشية التي من المقرر أن تكون شريكة في الحكومة القادمة. ولو ناضل التجمع ضد الفاشية المتوقع لها أن تكون في المعارضة الإسرائيلية فقط، لوقع في مطب تبرير نفسه أمام العنصريين الأخرين بإختزال مشكلته مع الفاشية دون العنصريين، وهذا ما أحسن صنعه.

التجمع: حقا رأس الحربة

جاء قرار محكمة العدل العليا مكملا للعقلية الأمنية: لا لمنع حنين، لا لإقصاء الجماهير العربية.  الدولة لا تريد حتى أن تفهم ماذا قصد النائب جمال زحالقة بقوله أن قواعد اللعبة سوف تتغير إذا منعت زعبي، فهذا إعلان يعني العمل من خارج الكنيست دون الحصول على إمتيازاتها: إنه طرح جريئ يحتاج لبنية تمكنه من الإستمرار وجاء كموقف شبه رسمي خاض معركة البرلمان ومدرك لكيفية التفاعل مع الناس وقضاياها اليومية، ومتميزا عن من إنتقل من العمل الخيري نحو العمل السياسي ببطئ أو من أتقن العمل السياسي وتناسى حياة الناس. إنه طرح حسم إنه يستطيع خوض هذا الخيار بنجاح نظري على الأقل : حزب سياسي جماهيري يستطيع أن يضرب بثقل على الطاولة ويواجه مؤسسة دون تأتأة أو تلعثم، حزب يدرك أن شعبنا بقوته هو من أسقط خيار منع حنين زعبي من الترشح للمرة القادمة.
 

التعليقات