16/02/2013 - 13:55

من يافا... هنا القاهرة../ همّت زعبي*

يكثر في الآونة الأخيرة الاهتمام بالدور الهام الذي يلعبه الجيل الشاب في الحيّز العام بشكل عام والسياسيّ على وجه الخصوص. وقد نجحت شريحة الشباب في فرض نفسها على الساحة السياسية والاجتماعية في جميع أقطار العالم العربي، وكذلك في فلسطين. وليس صدفة أن تنافست الأحزاب العربية "العلمانيّة"؛ الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي، في الانتخابات الأخيرة على أصوات هذه الشريحة وحاول كل منهما إبراز كونه حزب الشباب، يحمل همومه ويتجاوب معها ويعطيه دورا في القيادة

من يافا... هنا القاهرة../ همّت زعبي*

يكثر في الآونة الأخيرة الاهتمام بالدور الهام الذي يلعبه الجيل الشاب في الحيّز العام بشكل عام والسياسيّ على وجه الخصوص. وقد نجحت شريحة الشباب في فرض نفسها على الساحة السياسية والاجتماعية في جميع أقطار العالم العربي، وكذلك في فلسطين. وليس صدفة أن تنافست الأحزاب العربية "العلمانيّة"؛ الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي، في الانتخابات الأخيرة على أصوات هذه الشريحة وحاول كل منهما إبراز كونه حزب الشباب، يحمل همومه ويتجاوب معها ويعطيه دورا في القيادة.

تمثل هذه الفئة طاقة كبيرة وجديدة وتعمل، إلى جانب انخراطها في العمل السياسي، أيضا على تحدي القيم الاجتماعية السلبية التي يعاني منها مجتمعنا. ومن ضمنهم/ن من يحمل فكرا نسويا ينعكس على نشاطه الميداني. ويعود هذا، باعتقادي، إلى تراكم وتزايد العمل النسوي الذي نرى إنجازاته أيضا في الحملة الانتخابية الأخيرة، فمن الممكن أن نعتبر إبراز الأحزاب "العلمانيّة" للعمل النسائي والنسوي في حملتهما الانتخابية إنجازا نوعيا للنسويات، فعلى سبيل المثال، تم استعمال جملة "ناشطة نسوية - سياسية" للتعريف بالمرشحات أو الناشطات السياسيات، مصدرا للفخر من قبل الأحزاب وجملة يتم الترويج لها في الدعايات الانتخابية، بعكس ما كان عليه الوضع حتى قبل عدة سنوات.

انتهت العملية الانتخابية، وهذا لا يعني بالضرورة أن اهتمام وعمل الأحزاب في القضايا الاجتماعية النسوية والشبابية قد انتهى، ولكن مما لا شك فيه أن العمل السياسي الاجتماعي الشبابي والنسوي لم ينته بل على العكس، نشهد ازدياده يوميا. ففي بداية الأسبوع الحالي، وتحديدا في الثاني عشر من شباط، تجنّدت مجموعة من الناشطات الفلسطينيات الشابات ملبيات النداء المصري، ودعت لوقفة فلسطينية ضد الإرهاب الجنسي الذي يمارس على النساء عامة والثوريات المصريات على وجه الخصوص.

لم تكتف هذه المجموعة في تلبية النداء الذي أطلقته مجموعة "انتفاضة المرأة في العالم العربي"، داعية فيه إلى تنظيم احتجاجية ضد "الإرهاب الجنسي" أمام السفارات والقنصليات المصرية، فقط، بل نجحت في "فرض" وقفة تضامن ذات طابع خاص، وقفة تضامنية تحمل فكرا نسويّا سياسيا فلسطينيا نابعا من خصوصية السياق السياسي لفلسطيني الداخل.

ففي حين وقفت مجموعات نسائية، شاركها فيها رجال، من 24 دولة أمام السفارات والقنصليات المصرية، رفضت المجموعة المبادرة من فلسطينيات 48 الوقوف أمام السفارة المصريّة في إسرائيل، مسجلة موقفا سياسيا ضد تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل، كما جاء في بيان المجموعة "محاولة رقم 4". لم تحمل بيانات هذه المجموعة، هذه الرسالة السياسية فقط إنما شددت على ضرورة تسيس ظاهرة التحرش الجنسي، وضرورة ربطها بالسياق السياسي العربي العام، والتصدي لها ليس كآفة اجتماعية تحدث فقط في مصر، بل على أنها وسيلة لقمع المرأة سياسيا تمارس ضد النساء في معظم الدول العربية.

كما ربطت هذه المجموعة بين النضال السياسي الفلسطيني والعربي من جهة وتحدت الفصل بين النضال من أجل الحقوق الفردية والنضال من أجل الحقوق الجماعية، من جهة أخرى. ففي نص الدعوة التي عممتها على صفحات الشبكة الافتراضية وفي الشبكة الاجتماعيّة - الفيسبوك- كتبت الناشطات "في الوقت الّذي يتواجد فيه أبناء شعبنا وخاصّة أسرانا وأسيراتنا الفلسطينيات في خضمّ معارك الحُريّة، كلّ نساء فلسطين ستنتفض من أجل الحرية وتحرّر الجسد، فهذا الجسد لي، وهذه الأرض لي، وهذا الهواء الرطب لي".

لم تغب قضية الأسرى الفلسطينيين عن هذه المبادرة، ولعل هذا بالذات ما يجعل من هذه الوقفة حدثا مميزا وخاصا. إذ دعت المجموعة ذاتها أن تتوحد التظاهرة "ضد الإرهاب الجنسي" مع الوقفة الاحتجاجية اليافاوية لنصرة الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيليّة، المستمرة منذ أكثر من عشرة أيام وهكذا كان. ففي الساعة الخامسة مساء في توقيت مدينة يافا الفلسطينيّة، تجمع ما يقارب المائتي امرأة والعشرات من الرجال من شتى مناطق الداخل الفلسطيني، ولمدة ساعة حملوا شعارات ضد الإرهاب الجنسي، وهتفوا شعارات بحق النساء على أجسادهن. وفي تمام الساعة السادسة، حملت نفس المجموعة، شعارات ضد الإرهاب السياسي الإسرائيلي وهتفت بشعارات طالبت بكرامة الأسرى وبتحرير فلسطين.

تحدت هذه المبادرة الحركة النسويّة في الداخل، وفتحت أبواب نقاش حول مواضيع هامة منها الشراكة النسوية الفلسطينية اليهودية وتحدى حضور الرجال فيها معنى شراكة الرجال في الحراك النسوي من جهة، ومعنى أن تكون رجلا نسويا من جهة أخرى. ومرة أخرى، وكما نجحت هذه الفئة بفرض نفسها على الأحزاب والحراك السياسي، نجحت في فرض نقاشات حاولت الحركة النسويّة التغاضي عنه في السابق.

هذا التحدي والتحول في الخطاب يفتح، باعتقادي، فرصة ذهبية لتغير جدي وأساسي في المجتمع الفلسطيني على الصعيدين السياسي واجتماعي في آن واحد. إذ لطالما تركز العمل السياسي الفلسطيني في الجانب السياسي مهملا الجانب الاجتماعي والاقتصادي مستعملا الحجة التقليدية أن علينا أولا أن نحل السياسي لنتفرغ للاجتماعي والاقتصادي وها قد أثبت الجيل الشاب باستنفاره، وانخراطه في العمل السياسي وفي الأحزاب، كما في نشاطه الاجتماعي الميداني، المقولة التي طالما رددتها النسويات أنه لا يمكن الفصل بين الشخصي والسياسي، كما لا يمكن الفصل بين الاجتماعي والسياسي. 

لم تنته مهمة الجيل الشاب بل بدأت الآن وقد تكون هذه الفئة التي تعمل على التغيير الفعلي وبمجهودها باستطاعتها أن تساعد الأحزاب في خلق مساحات بديلة للعلاقة مع السلطة في الكثير من القضايا التي تهملها الأخيرة وبقصد إعاقة تطوير المجتمع الفلسطيني وترسيخ دونيته.

التعليقات