25/02/2013 - 16:46

فرصة جديدة لوضع الأمور في سياقها../ عوض عبد الفتاح

ها هي مقدمات الانتفاضة الثالثة تتشكل أمام أعيننا. يتطاير الغبار الذي غطى حالة عدم الرضى، أو الغضب، أو الغليان المتراكمة على مدار فترة زمنية طالت أكثر مما يلزم

فرصة جديدة لوضع الأمور في سياقها../ عوض عبد الفتاح

ها هي مقدمات الانتفاضة الثالثة تتشكل أمام أعيننا. يتطاير الغبار الذي غطى حالة عدم الرضى، أو الغضب، أو الغليان المتراكمة على مدار فترة زمنية طالت أكثر مما يلزم. الكل منشغل فيما إذا كان ما نراه بأعيننا يتجه نحو انتفاضة شاملة أم هبات غضب تخبو عندما يتم استيعابها بالمال، وبإطلاق بعض الأسرى  الأبطال الذين اضطروا، في ظل غياب الفعل، إلى خوض غمار معركة بالغة القسوة لانتزاع حريتهم. الهلع يدب في فريق نتنياهو وبطانته من مغبة تحول المواجهات الى مواجهة شاملة، وهو على ما يبدو يدرك أن ما كانت أوساط أمنية وازنة تحذر منه بدأ يتحقق الآن. يسارع هو وفريقه إلى الإعلان عن تحرير الأموال المحتجزة إلى السلطة الفلسطينية. يتصرف وفق رؤيته للفلسطينيين؛ التي تضعهم في مطاف دون البشر يُعلف لهم في قفص أوسلو فيهدأوا، ويواصلوا تقبل الأسر والعبودية. والحقيقة أن السلطة الفلسطينية عاشت ونجت الآن بفضل هذه الأموال القادمة من العائدات المحتجزة، ومن الدول الغربية المانحة. وللسبب ذاته تم الحِجْر على المارد الفلسطيني.

كان الهدف ولا زال، ترويض الشعب أو ضمان سكوته لأطول فترة ممكنة، بغية وصول المشروع الكولونيالي الصهيوني الى نهايته القصوى بدون ثمن يدفعه المستعمر.

على الأرض، تمكنت إسرائيل من هدم ما يمكن من مقومات ممكنة لكيان فلسطيني مستقل مستقبلي. لم يكن المشروع الاستيطاني مدفوعًا بالأيديولوجيا وحدها، أي تنفيذ الرؤية التوراتية المتمثلة بالسيطرة على الضفة الغربية لنهر الأردن، بل أيضًا كانت مدفوعة ببرنامج إستراتيجي لمواجهة إمكانية نشوب انتفاضة. تُعيد التذكير بوجود قوة مستعمرة في قلب العالم العربي. وتشتمل هذه الإستراتيجية على تقطيع الضفة الغربية ومحاصرة القرى والمخيمات والمدن بالأسوار والطرق الالتفافية، وبنقاط التفتيش حتى تصبح إمكانية خروج الناس والالتحام بثورة شعبية عارمة صعبة إن لم تكن مستحيلة.

صحيح أنه يمكن القول إن لغياب نضوج الظروف الموضوعية لانفجار انتفاضة دورا أساسا في استمرار حالة اللافعل حتى الآن، ولكن الأمر المؤكد أن لقرار السلطة الفلسطينية المكبلة بقيود أوسلو، وما أفرزته من بنى اجتماعية-اقتصادية-منفعية ترفض أي نوع من المواجهة الشاملة حتى لو كانت لا عنفية. أيضًا الدور الأهم في عرقلة انطلاق نضال شعبي واسع.

ولذلك فالمحتل منشغل بالسؤال ما إذا كانت السلطة الفلسطينية معنية بالتصعيد وصولاً الى انتفاضة أو فقط بتسخين الأجواء عشية زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المنطقة.

واللافت، وهو أمر ليس بغريب، أن أصوات من السلطة تخرج الى الإعلام تتوجه الى المحتل متوسلة إليه القيام بأي خطوة تحول دون انفجار الوضع. إذن الطرفان يخشيان الانفجار. إسرائيل تخشى من تطور كهذا لأنها ستخسر، ستخسر الهدوء الذي يحظى به مشروعها التوسعي. لأن احتلالها سيصبح مكلفًا. ولكن لماذا تخشى السلطة الفلسطينية من خروج المارد من قمقمه؟ فماذا سيخسر الشعب الفلسطيني أكثر مما يخسره يوميًا؟

إن منطق الصراع ضد المحتل، يقول إن الشعب الواقع تحت الاحتلال يكسب من تغيير الأمر الواقع.. خاصة إذا أدير النضال بطريقة حكيمة وبما تسمح به موازين القوى.. ويكون مبنيًا على تجارب الانتفاضات السابقة وعلى الحرص على تفادي المغامرات والفوضى.

ليس المطلوب من صناع القرار من الطرف الفلسطيني التحول الى محللين لمسار الأمور المتوقع، ولا لمحذرين من مغبة انفجار الوضع. إن أي حركة وطنية تحررية تواجه واقعًا استعماريًا عنصريًا كالذي نرزح تحته يُنتظر منها أن تخطط وتدفع إلى خوض المعركة ضد المحتل. هل البنى الفوقية القائمة قادرة على ذلك؟ من المشكوك فيه. ولكن رموز هذه البنى يخضعون الآن لاختبار. بعضهم معنيّ بحراك محدود لتحريك الوضع وبعضهم ليس معنيًا بأي حراك، بل يواصلون الانشغال بإستراتيجية التحرك على الساحة الدولية وحدها بدون سند على الأرض. بل على ما يبدو لم ينفطموا من مرض التعويل المطلق على أصدقاء وحلفاء إسرائيل.

ولكن هناك شعور متزايد في أوساط الشعب، وقد يتفاقم بوتيرة أعلى مما نتصور، بحتمية المواجهة، وبخوض النضال المنظم ضد المحتل ومشروعه الاستيطاني.

يتدخل الآن، وسيواصل التدخل، أطراف عديدة غير معنية "بتعكير" الهدوء الزائف الذي كان قائمًا لفترة طويلة، وستطرح مساومات لامتصاص الغضب، وهنا التحدي.

إن المعطيات الدولية، وبشكل خاص الإدارة الامريكية، وكذلك الوضع السياسي في إسرائيل، لا يشي بإمكانية حدوث اختراق حقيقي. فالمغريات المالية والتسويات الجزئية والتهرب من الأسئلة الجوهرية، هو أقصى ما تفرزه هذه المرحلة.

إن قراءة الواقع الدولي وقراءة الواقع الإسرائيلي الرسمي والشعبي، على هذا النحو ضرورة قصوى. لأن قراءة كهذه تُبعد الأوهام وتحدّ من حالة النزف الخطير في بنية المشروع الوطني الفلسطيني المادي والثقافي والأخلاقي، وتسمح بالتفكير الإستراتيجي الذي يقوم على الاعتماد على الطاقة الشعبية والخيال السياسي المبدع لكسر هذه الحالة وخلق معادلة جديدة تؤدي الى إعادة القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني من استعمار كولونيالي إجلائي إلى الساحة العالمية. إنها فرصة أخرى أمام الفلسطيني لإعادة وضع الأمور في نصابها الأخلاقي-الطبيعي.
 

التعليقات