25/03/2013 - 17:03

الجيد عدو التميُّز/ فراس غنادري

هنا يطرح السؤال ماذا عن المستقبل؟ وكيف سيستطيع التجمع مواجهة تحدياته والتحديات التي يفرضها مشروعه؟ بما يتعلق بمستقبل الجماهير العربيه في الداخل، مستقبل الحزب وتميُّزه والوحده بين الأحزاب العربيه، أعادة بناء وهيكلة لجنة المتابعه، مستقبل التوتر ما بين طرحي "دولة جميع مواطنيها" و"دوله ثنائية القوميه"، واستمرار مواجهة سياسات التمييز والعنصريه والنضال من أجل حل عادل للقضيه الفلسطينيه وارتباطنا بقضايا الأمه العربيه عامةً وغيرها الكثير الكثير من القضايا.

الجيد عدو التميُّز/ فراس غنادري


من المفهوم ضمناً أنه على أي شركه، مؤسسه أو تنظيم ان لا يكتفوا بسياسات المدى القصير، بل أن يُخططوا للمدى البعيد. حيث أنه من البديهي أن تضع لها التنظيمات على أنواعها سبباً لوجودها ورؤيةً مستقبليه.  وأن تضع وفقاً لتحليلا ت بيئاتها الداخليه والخارجيه  أستراتيجياتها (المدى البعيد)، اهدافها، ميزانياتها وبرامج عملها (المدى القصير) من أجل نجاحها، بقائها وتقدمها. 


في كتابه "من الجيد ألى العظُمه" GOOD TO GREAT""، عرض جيم كولينز بحثاً طويلاً، حاول فيه مع العديد من الباحثين سَبر غور أسباب ومقومات تميُّز مجموعة من الشركات والتنظيمات التي حققت تقدم منهجي باهر على مدى سنين طويله، مقارناً أياها بمجموعة شركات وتنظيمات موازيه لم تنجح في أحداث اي تقدم ملحوظ. ولخص كولينز وزملائه مقومات التميُّز والنجاح على المدى البعيد بالنقاط التاليه:
أولاً: قاده من الدرجه الخامسه (أرقى مستويات القياده وفقاً للكاتب) الذين نموا وتطوروا من داخل التنظيمات ولم يتم أستيرادهم من خارجها، حيث لم يكن القائد الواحد مؤهل، ذي قيمه، أو مهني وأداري مخضرم وصاحب تأثير ولا صاحب معرفه وكاريزما فحسب، بل جمع أيضاً بين الأصرار والعزيمه المهنيه من جهه والتواضع من الجهة الأخرى. عمل هؤلاء القاده بلا هواده ووظفوا كل مجهود ممكن ودفعوا بتنظيماتهم ألى النجاح، الرقي والعظُمه، وأسسوا للتميُّز في ألأجيال القادمه وفي المدى البعيد. بالأضافة  ألى ذلك فقد أتسم هؤلاء القاده بالتواضع والهدوء النفسي وتنازلوا عن "الأنا"، فأعزوا النجاح للجميع وللعمل المشترك وتحملوا المسؤوليه عند الأخفاق والفشل. فكان تواجدهم القيادي يشبه ألى حد كبير تأثير ألأهل الايجابي في تربية أبنائهم، فهنالك تناسب طردي بين جودة القياده ومدى نجاح التنظيمات، أما أذا كانت جودتها منخفضه وكمها كبيراً فيكون تأثيرها على التنظيم سلبياً وأحياناً مدمراً.


ثانياً: مبدأ "أولاً من ومن ثم ماذا"، أي الحرص على اختيار ووجود الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبه، فيقوم هؤلاء الأشخاص بدورهم بالعمل بكل أتقان ومسؤوليه، يخططون ويصنعون العظمة و التميُّز على عكس القيادة التقليدية المتزمتة التي لا تحرص على اختيار الأفضل والأنسب بل تختار أداريي تنظيماتها وفقاً لمعايير بعيده كل البعد عن المهنيه ومبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب، وأحياناً وفقاً لمصالحها وأجنداتها الخاصه  ولمواقفها في الصراعات الداخليه، فتضطر الى اتباع التزمت والبيروقراطية للتعويض عن نقص المهارات، الطاقات والأرادة والألتزام الصادقين.أما القياده المتميزة فلا تكتفي بمبدأ "المصدر الأنساني هو الأهم" بل "الناس الأكفاء هم الأهم" فتحافظ على بقائهم داخل اطار تنظيماتهم وتدفعهم بشكل مثابر للبحث والحوار وللنقاش والأبداع في العمل.


ثالثاً: ثقافة الأنضباط والألتزام من منطلقات الأراده الحره والأخلاقيات والقيم السامية، حيث يوظِف أداريي التميُّز طاقاتهم وأخلاصهم في البحث والتداول من اجل الوصول الى الفهم والأدراك، على عكس غطرسة اصحاب الأجندات الشخصية الذين يحاورون من منطلقات أجنداتهم، بينما يتمتع المتميزون بثقافة الحوار على الرغم من اختلاف المواقف والآراء، فيبحثون بمنهجيه عن المركبات الدافعة للنجاح، صاحبة التأثير والعائد الاكبر مستثمرين بهذا نقاط قوة ومصادر تنظيماتهم بالأضافة للبحث المستمر عن اسباب الشغف و الحماس في العمل. 


رابعاً: مواجهة الحقائق الصعبة وعدم الهروب منها بل البحث عنها وتشجيع طرحها ونقاشها بكل انفتاح مع جميع الأسئلة، الامكانيات والآراء مع الايمان الخالص بالنجاح الأكيد بدون يأس ولا استسلام.


خامساً: تطوّر تدريجي منهجي من دون مغامرات ولا محاولات لتحقيق قفزات نوعية، بل خطط عمل محسوبة في عملية البناء وشق طريق التميُّز والعظَمة بعيداً عما هو برّاق ومتعارف عليه وبعيداً عن المساومه على المستقبل..
سادساً: تذويت وسائل التكنولوجيه الحديثه بشكل يسهم في توسيع قدرات وأمكانيات التنظيمات وأنجازاتها.


السؤال الذي يطرح نفسه: أين مؤسساتنا، شركاتنا، تنظيماتنا وقياداتنا من سياسات المدى البعيد وأين هم من مثل هكذا أداء متميز وهكذا مستوى من القياده وأختيار الأكفاء ومن ثقافتي الحوار والأنضباط ومواجهة نقاط ضعف وتهديدات تنظيماتهم من أجل بناء المستقبل وعدم الأكتفاء بالجيد بل الطموح للعظُمة والتميُّز؟


يُسعدني دائما الاضطلاع من خلال المعرفة الشخصية او من خلال مطالعة الصحف على نجاح بعض المؤسسات والشركات وأتمنى ان يكون نجاحها مستمراً للمدى البعيد وأن لا تكتفي بالجيد، بل أن تسعى الى التميز والتقدم والتطور لتستمر في عملية الأنتاج و التاسيس لاقتصادٍ أفضل. كذالك الامر بالنسبة لباقي مؤسساتنا وجمعياتنا الأهلية، الأجتماعية والقانونية، حيث انه على الرغم من الظروف الصعبة التي تعمل فيها هذه الجمعيات ونجاح بعضها، على قادتها ان يهتموا ببيئة داخلية تضمن النجاح و التقدم وتوفر الحصانه في وجه تحديات المستقبل.


اما بالنسبة للأحزاب السياسية  فأريد هنا التوسع بعض الشيئ في حالة التجمع الوطني الديمقراطي دون باقي الأحزاب كونه الحزب الوحيد الذي يحمل مشروعاً لمستقبل الجماهير العربيه في الداخل. فقد جاء هذا الحزب آنذاك بفضل قائده عزمي بشارة  برؤيه جديدة، "المواطنة المتساوية والانتماء القومي" وكانت التحديات عديدة، خرج منها التجمع دائماً اقوى وأصلب وأستطاع بفضل جاذبية فكره وخطابه أن يفرض "حذوة فرس" على مسار جميع قضايانا، مؤسساتنا وحتى على خطاب باقي احزابنا وقياداتهم. ومنذ تأسيسه كان قد عاصر التجمع العديد من حالات المد والجزر على الصعيدين الداخلي والخارجي. 


هنا يطرح السؤال ماذا عن المستقبل؟ وكيف سيستطيع التجمع مواجهة تحدياته والتحديات التي يفرضها مشروعه؟ بما يتعلق بمستقبل الجماهير العربيه في الداخل، مستقبل الحزب وتميُّزه والوحده بين الأحزاب العربيه، أعادة بناء وهيكلة لجنة المتابعه، مستقبل التوتر ما بين طرحي "دولة جميع مواطنيها" و"دوله ثنائية القوميه"، واستمرار مواجهة سياسات التمييز والعنصريه والنضال من أجل حل عادل للقضيه الفلسطينيه وارتباطنا بقضايا الأمه العربيه عامةً وغيرها الكثير الكثير من القضايا.


وفقاً لمقومات التميُّز على المدى البعيد، على التجمع كونه يحمل مشروعاً للمستقبل، أن يطور من داخله قاده من "الدرجه الخامسه"، أصحاب معرفه وكاريزما، يجمعون بين الأصرار والعزيمه من جهه والتواضع الشخصي والهدوء النفسي من الجهة الأخرى. كذلك عليه الأهتمام بوجود الشخص المناسب في المكان المناسب واتباع مبدأ "الناس الأكفاء هم الأهم" والحفاظ على بقائهم داخل أطار الحزب وحثهم بشكل مثابر على الحوار والنقاش من اجل الوصول الى الفهم والأدراك والبحث عن المركبات الدافعة للنجاح وعن اسباب الشغف و الحماسة في العمل مع التاكيد على الأنضباط والألتزام من منطلقات الأراده الحره والأخلاقيات والقيم السامية. كذلك على التجمع ان يبحث عن الحقائق الصعبة وان يشجع طرحها ونقاشها بكل انفتاح مع الايمان الأكيد بالنجاح في آخر المطاف. وأخيراً على التجمع أن يعمل على تطوره من دون مغامرات ولا محاولات لتحقيق قفزات نوعية، بل اتباع خطط عمل مدروسه في عملية البناء وشق الطريق للنجاح واستمرار التميُّز في المستقبل.
 

التعليقات