01/04/2013 - 12:03

مقومات نجاح الفرد واكتفائه../ فراس غنادري

ليس سراً أن تمتع الفرد بالنجاح والاكتفاء يعود بالفائدة على جميع الأطراف المعنية وذات العلاقة مثل مكان العمل، الأسرة والمجتمع وبالطبع على الفرد ذاته ومدى سعادته واستعداده، أقدامه وتحمسه للإنجاز والعطاء

مقومات نجاح الفرد واكتفائه../ فراس غنادري

 

بعد أن كنت قد ناقشت في مقالي السابق "الجيد عدو التميُز" مقومات نجاح التنظيمات وأهمية وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، كتتمة لذلك المقال وكقيمة منفصلة ذات درجة عالية من الأهمية بحد ذاتها، أريد أن أتطرق في هذا المقال لمقومات نجاح الفرد واكتفائه، هذا ليس لأني مُفكراً أو فيلسوفاً أو صاحب تخصُص ما في هذا المجال، بل لأني كنت قد جمعت عنه بعض الملاحظات الهامه في مدوناتي الخاصة من خلال المطالعة، والدراسة ومن خلال تجربتي المتواضعه في الحياة والعمل من جهة أولى، كذلك لأني أستشف حاجة كبيرة لدى جيل الشباب في الحصول على توجيه ومساعده لفهم ومعرفة كيف سيحققون النجاح، الاكتفاء والسعاده من جهة ثانية، ولوعيي أن كتابة ونشر مقالات خاصة وذات فائدة (حسب تقييمي وأفكاري) يشكل مركباً من عملية تحقيقي لذاتي، على الأقل  في هذه المرحلة من حياتي، من الجهه الثالثة!

ليس سراً أن تمتع الفرد بالنجاح والاكتفاء يعود بالفائدة على جميع الأطراف المعنية وذات العلاقة مثل مكان العمل، الأسرة والمجتمع وبالطبع على الفرد ذاته ومدى سعادته واستعداده، أقدامه وتحمسه للإنجاز والعطاء.

وفقاً لعلماء النفس، وبتبسيط شديد، إن الدافع الأساسي لأداء الفرد هو تلبية حاجاته، وبهذا فإن كل حاجة غير متوفرة أو قليلة التوفر تشكل دافعاً، وعند توفر الحاجه يبطل دورها كدافع وتظهر حاجة أخرى تكون هي الدافع الجديد وهكذا دواليك.

يقسم هرتسبرغ Hertzberg"" الحاجات إلى خارجية (مثل تلقي مقابل ومردود للعمل)، توفرها يشكل شرطاً أساسياً لمنع عدم الاكتفاء ولكنه لا يشكل محفزاً أو دافعاً لمجهود أكبر ولأداء أفضل، أما الحاجات الداخلية (مثل المتعة في العمل أوتلقي التقدير على ما نعمل) فهي التي أن توفرت تشكل عوامل دافعة لمزيد من الإنجاز والعطاء. ويقسم ماسلو MASLOW"" الحاجات الى خمس مجموعات بترتيب هرمي، وطالما لم تتوفر حاجة من الحاجات  المنخفضة في الترتيب الهرمي لا يسعى الفرد للحصول على حاجة تأتي أكثر علواً في هذا الترتيب. وهذه الحاجات هي:

1. حاجات فسيولوجية أساسية من أجل البقاء مثل الجوع، العطش، النوم، التنفس؛
2. الأمان والقدره على التحكم ببيئتنا الخاصة وعدم التعرض للألم والتهديد؛
3. حاجات اجتماعية مثل الانتماء، تبادل الحب، المحبة والتبعية لمجموعة؛
4. التقدير من قبل البيئة، تقدير الذات، الاحترام، الإنجازات والطموح الى مكانة وموقع تأثير أو قوة؛
5. تحقيق الذات، الآفاق، الطاقات والقدرات الكامنة في ذاتنا وحاجتنا لأن نكون الأفضل.

يمكن أن يتحقق النجاح والاكتفاء في ظروف يتمتع فيها الفرد بالمسؤولية من جهة والاستقلالية والحرية من الجهة الأخرى، حيث من الواضح أنه تقل احتمالات النجاح في حالات الفوضى وعدم القيام بمتطلبات أي مهمة أو تحد كما يجب. كذلك الأمر عند أنعدام الأستقلالية والحرية حيث يقل الشعور بالأندماج والتلاحم بالمهام المختلفة، كذلك تقل قدرتنا على الإبداع الذي يُشكل بدوره أحد مركبات الشعور بالاكتفاء والسعادة. كما أن أحد العوامل الأساسية  لنجاحنا واكتفائنا هو أنه علينا أن نكون أصحاب الدفة في إدارة حياتنا وفقاَ لإرادتنا ووعينا وأن نعرف ماذا نريد؟ وما هي حاجاتنا؟ وأن لا نكون كالقارب الشراعي في مهب الريح. والمطلوب أن نكون ذاتنا مع قدرات ووعي Be Yourself Plus Skills and Awareness)).

أما عن مفهوم الوعي فالمقصود الوعي الذاتي والوعي للآخرين وذلك يشمل أن أكون واعيا لذاتي على أنني مهم ولي قيمة ومكانة، وأنا صاحب علاقات ونجاحات اجتماعية، وكل ما أعمل يخدم شيء ما في ذاتي وحاجة ما عندي حتى عندما أساعد الآخرين أو أتطوع لعملٍ ما وأقدم خدمة معينة دون مقابل، كذلك أنا واع للمحفزات، للأساليب وللأنماط المختلفة من حولي ولتأثير البيئة المحيطة بي على حياتي وأفكاري ومعتقداتي، وبالإضافة لهذا كله فانا اتمتع بالأصالة وقادر على التقدم والتطور.

يسعى الفرد أيضاً إلى أن يظهر بأفضل حالة ومكانة في عيون الناس المهمين في نظره، ويسعى لأن يترك لديهم أفضل انطباع عنه، فهو يريد ان يكون "خاصا"  في نظرهم حسبما هو يعتقد، و ليس بالضرورة كما هي الحقيقة والواقع، فهنالك فهم مختلف للواقع، كل من وجهة نظره، حسب أحاسيسه وعواطفه ومن ثم حسب عقله ومنطقه الخاص. نحن نحاول أن نفهم ونذوّت ما يدور من حولنا، ويؤثر تراكم هذا الفهم على قيمنا، معتقداتنا، مفاهيمنا وأفكارنا. فكل فرد موجود في مركز حياته وعالمه، يعيش ويتفاعل مع آخرين ويراقب بيئته من خلال "عدسته المكبرة" وإذا ما وجد أمرا غير مقبول وفقا "لعدسته" يرفضه ويحلله على أنه غير صحيح. كذلك يشمل تطور كل فرد أمورا يعرفها وأخرى يكاد يعرفها، ولكن هنالك الكثير مما لا يعرفه، وكلما تعلم وقرأ وتثقف ووسّع من آفاقه كبرت إمكانية إدراكه لأمور أوسع وأكثر. والطريقة الأفضل للتعلم هي عن طريق المعرفة والاكتشاف، ومن ثم التطبيق والممارسة. وكل شيء نتعلمه يضاف إلى خارطة الأمور في أذهاننا على مبدأ، "استعمله أو تخسره - Use It or Lose It".. 

إذاً يطمح الفرد في الغالب للتطور، للنجاح والسعادة، ولتحقيق ذلك، وفقاً للنظريات الحديثة يجب أن تتواجد حالة "التدفُق والانسياب" "FLOW" والشرط الأساسي لحدوث حالة التدفُق والانسياب هو وجود  تناسب وملاءمة بين مهارات الفرد وتحدياته، حيث تزداد التحديات وصعوبتها. وبالمقابل يوسع الفرد من مهاراته، قدراته وآفاقه. وعلى الفرد في مراحل التطور هذه أن يحب ما يعمل حتى يصل الى أن يعمل ما يحب. عند تحقيق حالة الانسياب يتكون اندماج وتلاحم في المهام، مشاعر وأحاسيس إيجابية، علاقات جيدة ومثمرة، ووجود ذاتي له قيمة ومعنى (ترك بصمات وانجازات) وهكذا تتحقق حالة التدفُق والأنسياب التي تكفل الشعور بالنجاح، الاكتفاء ولربما السعادة. على عكس ذلك إن وجود قدرات كثيرة وبدون تحديات هذه حالة تؤدي إلى الملل، كذلك عند وجود تحديات كثيرة بدون قدرات يؤدي هذا في الغالب وبالمحصلة إلى التعاسة. ويمكن للفرد قليل المعرفة والقدرات أن يكون مكتفياً وسعيداً شرط أن تكون تحدياته متواضعة ومسؤولياته قليلة ولكنه بالتأكيد يكون فرداً لا مبالياً.

يمكن أن نصل إلى حالة الانسياب "FLOW" بواسطة:
 تحديد أهداف و خطوات واضحة قدر المستطاع؛
 معرفة و قراءة صحيحة وصادقة للأوضاع؛
 توازن وملائمة بين القدرات والتحديات؛
 الربط بين الوعي والأداء؛
 ازالة معيقات المهام والتركيز، الأصرار، العزيمة والمثابرة في الأداء (العمل، الدراسة...)؛
 التعلم وعدم الخوف من الفشل؛
 الامتناع عن الأدعاءات الزائفة؛
 التخطيط وإدارة الوقت؛
 الحصول على ردود فعل وتقييم للأداء.

يؤدي التركيز على نقاط القوة الى الحماس والطاقة والنشاط حتى في الأمور التي لا نرغبها كثيرا سواء في العمل أو الدراسة أو في أي مجال آخر. ويؤكد بيتر دروكر "Peter Druker" أن استثمار نقاط القوة لا يلغي نقاط الضعف ولكنه يجعلها عديمة التأثير والصلة "Irrelevant".

عزيزي/تي الشاب/ه ركز/ي على نقاط قوتك واعرف/ي متى وكيف يكون شعورك عند النجاح وهل بالفعل يتحقق "الأنا" الحقيقي؟ فكل فرد ينتج قيم، بصمات وأمور مهمة في حياته، وهي التي تُكوَن الدوافع الأولى  لديه، وعليه أن يبحث عنها في داخله. ولاكتشاف قدراتك، نقاط قوتك الأساسية وعوامل الطاقة والحماس لديك يجب ان تسأل/ي نفسك ما يلي:

1. ما هي الأمور التي تمتعك؟ وما الذي يجعل يومك رائعاً؟ (حاول/ي أن تتذكر/ي أياما كهذه مرت عليك)؛
2. ما هي إنجازاتك الخاصة و المهمة التي تستطيع/ين تذكرها؟؛
3. عندما تكون في أفضل حالاتك ماذا تكون تعمل/ي؟؛
4. ما الذي يعطيك/ي الشعور بالأصالة ؟ ومن أنت في الواقع؟؛
5. ما هو الوضع/الوقت الذي تكون فيه على حقيقتك؟ و"ما أنت بالفعل" يكون حاضراً وموجوداً؛
6. ما هي الأمور التي يمكن ان تفعلها/يها وتعرف/ين أنها تشحنك بالطاقة؟؛
7. متى تكون وما هي الأوضاع التي تكون فيها في قمة نشاطك وتنفذ مهامك بكامل تفاصيلها؟؛
8. متى تعطي أولوية للمهام الصعبة بتلهف وما هي هذه المهام؟ وما هي قدراتك التي تسخرها /يها لأنجازها؟؛
9. ما هي أنماط أدائك الناجحة التي تعيد على نفسها؟؛
10. متى تفقد/ين شعورك بالوقت؟

أرجو أن اكون قد استطعت أن أقدم ولو القليل من التوجيه والحث على التفكير خاصةً للجيل الشاب الذي يحلم بالنجاح، الاكتفاء، تحقيق الذات والسعادة.

التعليقات