01/04/2013 - 12:33

نهاية أوسلو وتبني سياسات فرض الأمر الواقع../ امطانس شحادة*

تبنى باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في خطابه أمام الشباب الإسرائيلي الرواية الصهيونية كاملة، وحاول إقناعهم بواسطة "عقلنة الصراع" الإسرائيلي الفلسطيني بجدوى العودة إلى التفاوض ومكاسبه، وأهمية ذلك لمستقبل إسرائيل

نهاية أوسلو وتبني سياسات فرض الأمر الواقع../ امطانس شحادة*

تبنى باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في خطابه أمام الشباب الإسرائيلي الرواية الصهيونية كاملة، وحاول إقناعهم بواسطة "عقلنة الصراع" الإسرائيلي الفلسطيني بجدوى العودة إلى التفاوض ومكاسبه، وأهمية ذلك لمستقبل إسرائيل. بغية ذلك دمج أوباما في خطابه بين مفاهيم اليسار الصهيوني من بداية تسعينيات القرن المنصرم -أرباح السلام الاقتصادية لإسرائيل دون الحديث عن حقوق الفلسطينيين- وأجزاء من خطاب اليمين الصهيوني في بداية القرن الحالي- الحقوق التاريخية والطبيعية للشعب اليهودي على كافة فلسطين التاريخية، وأهمية الانفصال عن التجمعات السكانية الفلسطينية للحفاظ على يهودية الدولة. وبهذا سقط أوباما في وهم التعامل مع إسرائيل، حكومة ومجتمع، كدولة طبيعية عقلانية تُخضِع قراراتها لاعتبارات الربح والخسارة المادية أو الواقعية السياسية فقط، دون الانتباه إلى محاولات إسرائيل الدائمة لترويض الواقع وخلق حقائق تخدم سياساتها، أي أقلمة الواقع لمصالحها السياسية. أهمها سعي الحكومات الإسرائيلية فرض سياسات الأمر واقع على الفلسطينيين بغية إلغاء الحاجة للتوصل إلى اتفاق، خاصة حكومة نتياهو الأخيرة.             

تعامل حكومة نتنياهو السابقة في محور الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وما رشح من توافق بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي والسياسات المستقبلية للحكومة الجديدة، يشي بحصول تحول نوعي في قناعات إسرائيل، عنوانه عدم الحاجة للتوصل إلى حل سلمي دائم ونهائي مع الفلسطينيين بواسطة اتفاق. أي انتهاء صلاحية معادلة أوسلو، دون الإعلان الرسمي عن ذلك. بالمقابل تريد إسرائيل الإبقاء على الحالة القائمة وتغيير الواقع على الأرض وصيانته وتقليص أي ثمن قد تدفعه مقابل ذلك. وهذا لا يعني أن طبيعة الحل النهائي والدائم التي سعت إسرائيل إلى فرضه على المفاوض الفلسطيني وشروطه تختلف كثيرا عما تحاول إسرائيل فرضه على أرض الواقع، الفرق هو في كيفية التوصل إلى هذا الوضع.

معالم الأمر الواقع المطلوب إسرائيليا هي: الإبقاء على المستوطنات، وعلى ما يبدو لم يعد الحديث يدور فقط عن الكتل الاستيطانية فقط بل على كافة المستوطنات؛ لا عودة لحدود 1967؛ لا لتقسيم القدس؛ لا لعودة اللاجئين؛ وإبقاء السيطرة على منطقة سي (أهمها الأغوار)؛ إبقاء السلطة الفلسطينية لإدارة الشؤون اليومية للسكان الفلسطينيين فقط.

التحول هذا يعكس قناعة إسرائيل بعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي ودائم قابل للتنفيذ يرضي الطرفين، وأن الطرف الفلسطيني لا يمكن أن يفرض مطالبه في الظروف وموازين القوى الحالية على إسرائيل، بينما فرض إسرائيل شروطها في اتفاق سلام يعني انهيار السلطة وخسارة الاتفاق. اختيار الحفاظ على الوضع الراهن جاء كونه أفضل إسرائيليا من أي وضع آخر، لانه لا يكلف إسرائيل أي ثمن، سياسي أو أمني أو اقتصادي، حتى لو تراجعت علاقاتها بعض الشيء مع حلفائها التقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا.

التحول في السياسات والمواقف الإسرائيلية بما يتعلق بالمسألة الفلسطينية لا يحدث في فراغ ولا يتعلق فقط بحسابات سياسية داخلة أو اعتبارات حزبية. قرار بهذا الحجم يرتبط ارتباطا وثيقا بعوامل سياسية واقتصادية وأمنية إضافية، تحصل في البيئة الداخلية والإقليمية والعالمية. لذلك نجد أن القناعة الإسرائيلية بإمكانية فرض الأمر الواقع دون الوصول إلى اتفاقية سلام تأثر من:
1. التحولات في القناعات الإسرائيلية وموافق المجتمع والنخب لطبيعة الحل المقبول إسرائيليا؛ يمكن القول بوجود إجماع جديد في إسرائيل بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وإن قضية الاستعمار لم تعد قضية تقسم المجتمع الإسرائيلي ولا تشكل شرخا حادا في المجتمع، أبرز دليل على هذا غيابها عن المعركة الانتخابية؛
2. انهيار المنظومة العربية التقليدية التي تعاملت معها إسرائيل منذ إقامتها؛ هذا التحول وضع نهاية لمبدأ الأرض مقابل السلام-اتفاقيات مع الحكومات العربية لأنه لا يمكن، من منظور إسرائيلي،  ضمان مستقبل الأنظمة العربية التي كانت تحمي هذه الاتفاقيات. ولأن إسرائيل لا تستطيع أن تصل إلى سلام مع الشعوب العربية؛    
3. تفتت وانقسام الحركة الوطنية الفلسطينية، وانشغال الفلسطينيين في نزاعات داخلية؛
4. الثمن الأمني بات محمولا ويمكن التعايش معه بعد الانتهاء من بناء جدار الفصل العنصري. وكذلك يمكن تحمل الثمن الأمني في غزة؛
5. جدار الفصل وحبس الفلسطينيين في مدن الحكم الذاتي يضمنا معا الحفاظ على الميزان الديموغرافي لصالح السكان اليهود، ولا يشكل الفلسطينيون تهديدا ديموغرافيا جديا على "يهودية الدولة"؛ 
6. أوروبا مشغولة بنفسها وكذلك الولايات المتحدة، ولا ضغط عالميا جديا على إسرائيل. ومن بنى على تناقض أو خلافات إسرائيلية أمريكية، اكتشف أن العلاقات أعمق من أن تتأثر من عدم وقف الاستيطان أو تجميد المفاوضات؛
7. إسرائيل كانت بحاجة إلى سلام واتفاقيات، من ضمن أمور أخرى، في بداية التسعينيات لتدخل السوق العالمي وتجنيد الاستثمارات وإنهاء المقاطعة العربية. ومن ثم اكتشفت أن بإمكانها الاكتفاء بعملية تفاوض لتحقيق ذلك، والآن هي على قناعة أنها تحولت إلى جزء من الاقتصاد العالمي دون شروط بفضل قدرة الشركات الاقتصادية ومستوى التطور وحاجة الاقتصاد العالمي لها، لا العكس؛ 
8. إسرائيل في مراحل متقدمة جدا من تغيير جغرافية وديموغرافية القدس وخلق واقع لا عوده عنه.  فهي تمحو الحدود بين القدس الغربية والشرقية وتصهر شطري المدينة دون رجعة؛
9. السلطة الفلسطينية تدير الشؤون المدنية لغالبية الفلسطينيين في التجمعات السكانية الكبيرة (مناطق A  و B)، وإسرائيل تسيطر على باقي المناطق. وقد حولت إسرائيل دفع فاتورة الاحتلال الى الدول المانحة.

سهل هذا الواقع تهرب إسرائيل من العودة إلى طاولة المفاوضات والحفاظ على الحالة السياسية كما هي، وانتهاج سياسة تغيير الواقع على الأرض بما يخدم مصالحها. وفي الوقت ذاته عدم الإعلان رسميا عن موت المفاوضات ومنع تكفيك السلطة الفلسطينية. فالسياسات الإسرائيلية على أرض الواقع تسعى إلى صيانة الحالة القائمة وترسيخها، وإلغاء أي إمكانية للتسوية.

في ظل هذه الإستراتيجية والتحولات في مواقف المجتمع والحكومة في إسرائيل، وعدم وجود نية أمريكية ولا أوربية ولا حتى عربية، للضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها، وانتهاء معادلات أوسلو، قد يأتي التحدي الحقيقي للمشروع الإسرائيلي الحالي من رحم الشعب الفلسطيني، بعد أن تتغير القناعات والمطالب لدى كافة فئات الشعب الفلسطيني الواقع تحت منظومة السيطرة الإسرائيلية، وبداية تفكير جماعي جديد لطرح مشروع تحرر مشترك لكافة فئات الشعب الفلسطيني، يطالب بالحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني وتقرير مصيره بنفسه، والحصول على حقوقنا كشعب مثل بقية شعوب العالم، لا أن نكتفي فقط بمطلب إقامة دولة فلسطينية، قد لا يمكنها أن توفر أدنى تلك المطالب. حينها، تتغير المعادلات والمطالب وتتغير معها الحلول، ويفشل المشروع الإسرائيلي الاستعماري بفرض سياسات الأمر الواقع ويتبدل رغما عنه.

التعليقات