25/04/2013 - 13:47

تركيا وإسرائيل.. ما وراء الاعتذار../ ماجد عزام*

الاعتذار الذي قدمته إسرائيل لتركيا عن مقتل النشطاء الأتراك على متن السفينة مرمرة قبل ثلاثة أعوام لا تقتصر أبعاده على العلاقات الثنائية بين البلدين، وإنما يحمل في طياته دلالات سياسية وإستراتيجية تتعلق بالأوزان والأحجام في المنطقة، كما بصورة أو شكل هذه الأخيرة في السنوات المقبلة

تركيا وإسرائيل.. ما وراء الاعتذار../ ماجد عزام*

الاعتذار الذي قدمته إسرائيل لتركيا عن مقتل النشطاء الأتراك على متن السفينة مرمرة قبل ثلاثة أعوام لا تقتصر أبعاده على العلاقات الثنائية بين البلدين، وإنما يحمل في طياته دلالات سياسية وإستراتيجية تتعلق بالأوزان والأحجام في المنطقة، كما بصورة أو شكل هذه الأخيرة في السنوات المقبلة.

بداية لا حاجة لعظيم جهد لتبيان الرابح والخاسر في حزمة أو صفقة الاعتذار، حيث أثنت تل أبيب بوضوح أمام عناد وتصميم أنقرة على شروطها ومطالبها الثلاثة، إن لجهة الاعتذار عن مقتل مواطنيها وتقديم التعويضات لذويهم؛ أما الشرط الثالث والأخير والمتعلق برفع الحصار عن قطاع غزة، فلا بد من الإشارة إلى أنه خفف إلى النصف تقريباً – كما قال السيد علاء الرفاتي وزير الاقتصاد في حكومة حماس - على خلفية التداعيات والآثار التي نتجت عن  مقتل النشطاء الأتراك، بينما بات الملف برمته بعد حرب غزة الأخيرة ضمن تفاهم التهدئة بين إسرائيل وحماس، الذي جرى برعاية القيادة المصرية وإشرافها، وهو ما اقتنعت به أنقرة مع الاحتفاظ بحق المراقبة والمتابعة في سياق دور تركي لا يقتصر على ملف  الحصار، وإنما يتعداه إلى ملف المصالحة الفلسطينية، كما بعملية أو مفاوضات التسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

أسباب عدة تقف خلف الإثناء الإسرائيلي أمام المطالب التركية يأتي على رأسها العزلة الخانقة التي تعيشها تل أبيب وافتقادها إلى حليف تخوض معه حوارات ذات طابع إستراتيجي تتعلق بأزمات حاضر ومستقبل المنطقة، كما كان الحال مع طهران قبل الثورة وأنقرة نفسها قبل حرب غزة – 2009 - أسطول الحرية والقاهرة قبل ثورة يناير 2011.

الثورة السورية والانهيار البطيء التدريجي، ولكن المتواصل للنظام وإجماع الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على أن سقوط نظام "آل الاسد" بات مسألة وقت فقط دفعت مجتمع الحكومة الإسرائيلية إلى السعي لاستعادة العلاقات مع أنقرة بأي ثمن في ظل الاقتناع التام أن تركيا ستكون اللاعب الرئيس على الساحة السورية في مرحلة ما بعد الأسد، وأن ثمة أخطارا عديدة قد تواجهها تل أبيب إن فيما يتعلق باحتمال تدفق  آلاف اللاجئين السوريين أو بتحوّل هضبة الجولان إلى جبهة عسكرية وأمنية ساخنة، كما هو الحال مع غزة وسيناء أو حتى تحول سورية نفسها إلى دولة فاشلة ما يترك آثار سلبية على مجمل المنطقة، وبما أن تل أبيب عجزت عن إقامة قنوات مفتوحة مع المعارضة السورية – القيادة المستقبلية لسورية - فإنها بحاجة إلى طرف ما على تواصل قوي مع تلك المعارضة، وقادر على التأثير على مجريات الأحداث في سورية في مرحلة ما بعد الأسد.

في سياق عربي وإقليمي عام وبعد ميدان التحرير المتنقل من دولة إلى أخرى رأت تل أبيب بأم عينها ليس فقط التطورات العاصفة في تلك البلدان، وإنما تحول تركيا إلى لاعب إقليمي رئيس، علماً أن تلك السيرورة بدأت حتى قبل اندلاع الثورات العربية، وبات التأثير التركى جلياً ولا يمكن إنكاره، بينما عجزت إسرائيل أيضاً عن عقد صلات راسخة مع الأنظمة العربية الجديدة؛ ناهيك عن  اليأس من إمكانية إقامة علاقات سياسية اقتصادية أو أمنية معها، بعدما ماتت فكرة التطبيع وباتت من الماضي ودفنت عملياً مع الأنظمة الساقطة في ميدان بل ميادين التحرير التي امتدت على طول الوطن العربي وعرضه، وتأمل تل أبيب الآن أن تعوضها العلاقات مع أنقرة عن ذلك وتساعدها على فهم ما يجري في العالم العربي الجديد.

إلى ذلك، وفي السياق الإسرائيلي الداخلي، لا بد من الإشارة إلى أمر أساسي لا يمكن إغفاله عند قراءة الاعتذار الإسرائيلي لتركيا ويتمثل بتأييد وزارة الدفاع رئاسة الأركان، كما الأجهزة الأمنية الرئيسية الثلاثة- أمان الموساد والشاباك- لتقديم الاعتذار حتى قبل اندلاع الثورات العربية من أجل استعادة العلاقات الأمنية العسكرية مع دولة راسخة ومهمة التي لا غنى لدولة صغيرة في محيط معادي مثل إسرائيل عنها وفقاً لعقيدة بن غوريون الشهيرة غير أن هذا الموقف اصطدم بثقل سياسي صغير لوزير الدفاع المنصرف إيهود باراك مقابل ثقل سياسي كبير لوزير الخارجية المنصرف أفيغدور ليبرمان، بينما تغير الأمر جذرياً في الحكومة الجديدة، حيث يؤيد الصقر الأمني الليكودي موشي يعالون استعادة العلاقات مع أنقرة حتى بثمن الاعتذار والتعويض، بينما تضاءل الثقل السياسي لليبرمان وحزبه مقابل تأييد  حزب "المستقبل" للاعتذار وإقناع زعيمه يئير ليبيد بضرورة التهدئة مع أنقرة ضمن مراعاة أو التساوق مع  السياسة الأمريكية العامة في المنطقة..

وفي السياق الأمريكي لا بد من الإشارة إلى مبالغة ما في تقدير دور واشنطن في الاعتذار الإسرائيلي لواشنطن، ودون إغفال أهمية ذلك يمكن الإشارة إلى أن المسعى الأمريكي صادف أساساً هوى عند رئيس الوزراء وأركان حكومته السياسيين الأمنيين، والأهم أنه جاء في سياق الضعف السياسي لنتنياهو بعد الانتخابات، وتبلور ما يشبه الإجماع السياسي والحزبي على صعوبة وحتى استحالة مواجهة التحديات  العاصفة التي تواجهها تل أبيب في ظل جفاء مع واشنطن وقطيعة مع إحدى الدول المهمة والمركزية في المنطقة مثل تركيا.

في السياق الأمريكي أيضاً جاء العمل على ترطيب الأجواء بين أنقرة وتل أبيب في سياق تصور أمريكي عام لم تكتمل تفاصيله بعد يلحظ تهدئة واسعة لمواجهة التطورات العاصفة التي شهدتها المنطقة بعد الثورات العربية تسهل من جهة أخرى جهود استئناف عملية التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل كما ضمان سريان تفاهم التهدئة بين حماس وإسرائيل - بعد حرب غزة الأخيرة - والعمل على حل الخلاف النووي مع إيران ضمن أجواء هادئة، علماً أن خيار التفاهم والتوافق مع طهران كان وما زال الخيار الأمثل لأوباما وأركان إدارته الجديدة السياسية والأمنية تحديداً الوزير جون كيري وتشاك هاغل.

أما تركيا فقد وافقت أنقرة على حزمة أو تفاهم الاعتذار كونها تساوقت أو لامست معظم شروطها  ومطالبها إن فيما يتعلق بالاعتذار والتعويض والعمل من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة، والأهم أن الاعتذار أظهر علو قامة تركيا ووزنها الإقليمي، ما أجبر تل أبيب على  الانحناء أمامها وعوضاً عن ذلك تسعى أنقرة بجد إلى مضاعفة حضورها وتأثيرها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وهي تبدو مقتنعة أن من الصعوبة بمكان التأثير الإيجابي، فيما يخص التخفيف من معاناة الفلسطينيين في غزة والضفة أو العمل من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وحتى دفع عملية التسوية وفق الشرعية الدولية والحد الأدنى المتفق عليه فلسطينياً وعربياً في ظل القطيعة مع إسرائيل، علماً أنها  ميزت دائماً بين موقفها من أفعال وتصرفات الحكومات الإسرائيلية وموقفها من الدولة العبرية نفسه، وهي لا تتنكر لها ولكن ضمن المواثيق والمعاهدات والشرعية الدولية، وهو ما تجلى بوضوح من خلال سعيها للوساطة بين دمشق وتل أبيب قبل أن تشعر بالغدر مع شن عدوان الرصاص المصبوب – 2008 - وارتكاب المجازر والجرائم عبر استخدام غير متناسب للقوة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة.

عموماً أظهر تفاهم الاعتذار بأبعاده الثنائية والإقليمية عزلة الدولة العبرية، وعجزها عن التأثير في مجريات الأحداث رغم القوة العسكرية الهائلة، التي تمتلكها وتزايد ثقل ونفوذ أنقرة الإقليمي، برغم من اعتمادها على القوة الناعمة، إضافة إلى صلاتها التاريخية الثقافية الفكرية والاقتصادية بدول المنطقة وشعوبها. وفي كل الأحوال بات واضحاً أن تركيا ستتحول إلى القوة الإقليمية الرئيسية في السنوات القادمة إلى أن تستفيق أو بالأحرى تستعيد دول الربيع  العربي عافيتها وقوتها مع الانتباه إلى أن ما حطمته أنظمة العسكر الاستبدادية خلال عقود لا يعاد بناؤه خلال شهور ولا حتى سنوات قليلة.
 

التعليقات