30/04/2013 - 16:35

عراة نحن أيها الشهداء../ عبد الرحمن شهاب

أب قال لي بحرقة: "ذهبت إلى جمعية النور في غزة، قالوا لي ابنك تبنته فتح، اذهب إلى فتح يصرفوا له!!"

عراة نحن أيها الشهداء../ عبد الرحمن شهاب

اليوم الثلاثاء، العاشرة صباحا شارع الوحدة، مقابل مكتب منظمة التحرير، فوجئت بتجمع أهالي عدد من أمهات وأرامل الشهداء "المدنيين" الذين سقطوا في حرب "الرصاص المصبوب" أو "الفرقان" يطالبون هنية وعباس بصرف رواتب لأبنائهم الشهداء "المدنيين" واعتبارهم شهداء مثل الشهداء "المقاومين" الذين سقطوا في ذات الحرب. فهمت من النساء والآباء المعتصمين أن لا جهة تصرف لأبنائهم.

أب قال لي بحرقة: "ذهبت إلى جمعية النور في غزة، قالوا لي ابنك تبنته فتح، اذهب إلى فتح يصرفوا له!!".
سيدة قالت:" أبنائي الثلاثة سقطوا ولم يلتفت لنا أحد، لا في غزة ولا رام الله، ونطالب عباس بالتدخل".

شيء صادم ومخجل يظهر كم نحن متناقضون مع أنفسنا ننادي بالشيء ونفعل نقيضه تماما. أي عار وأي وضاعة أكبر من هذا التمييز: "شهيد مدني" وآخر "محارب" أو "منظم".

يا رجال التشريعي المنتهى الصلاحية، هل تتفضلون بالاستقالة احتجاجا على هذه الكبيرة التي دونها كل الكبائر؟ يا شباب وشيوخ ومدرسين وأفاضل، هل نعلن براءتنا من عبادة الاصنام؟ يا من تأتون لمساندة غزة هل تركلون بأقدامكم موائد اللحم والرز والسمك وضيافة الروتس والمتحف والموفمبيك، وتنقذونا من شيطان يجرى في داخلنا، وأعمانا عن التوقف والنظر إلى وجوهنا في المرآة؟

الشهداء.. الشهداء..
شهداء الفرقان! يا هنية ويا مشعل، وبدرجة أقل يا عباس.
مشعل؛ هل سنرتكب حراما إن نحن امتلكنا الجرأة، وذكرناك بحقيقة ما جرى، فاشتعلت حرب ديسمبر 2008، يوم وقفت أنت (أظن من عاصمة المقاومة والتحرير، يومها دمشق) لتعلن في مؤتمر صحفي ( وكان قد تبقى من عمر التهدئة التي وقعت بين حماس والاحتلال برعاية مصرية يومان أو ثلاثة) لتعلن أن التهدئة مع العدو انتهت، وأن حماس ( وكم يؤلمني أن يختزل الوطن في فصيل مهما كان كبيرا ورائدا ) لن تمنح الاحتلال بعد اليوم تهدئة مجانية، وأن الاحتلال وقطعانه لن ينعموا بالأمن بعد اليوم إلا برفع الحصار كاملا عن غزة بدون شرط أو قيد.

وبدا ناطقو حماس: فوزي برهوم وصلاح البردويل ومحمد نزال وغيرهم يهددون ويتوعدون "لا تهدئة مجانية بعد اليوم". فاشتعلت الحرب التي دامت 22 يوما، وتوقفت بعد أن أسفرت عن النتائج التي يعرفها الجميع: 1417 شهيدا، 4336 جريحا ناهيك عن الممتلكات المادية، وظل الحصار كما هو "الصي صي والعي عي".

أما محمود عباس فقد كان موقفه واضحا ومعروفا للجميع، التهدئة وعدم إعطاء أي مسوغ للاحتلال للبطش بالبلاد والعباد. سعى وحاول كل جهده لتجديد التهدئة، لكن حماس رفضت التجديد. وطالبت برفع الحصار أولا.

هذا الأمر يجب أن يعرفه الجميع. الحرب تبنتها حماس منذ البداية، واعتبرت أن محمود عباس متآمر ومشارك فيها. وبالتالي ليس من العدل أو المنطق أن تتهرب حماس من المسؤولية، وتلقي بهؤلاء الشهداء في الشارع بحجة أن على عباس أن يتحمل المسؤولية. مسؤولية الشهداء المدنيين الذين سقطوا في هذه الحرب تحديدا ملقاة في عنق حماس بدرجة أولى وثانية وثالثة. وهذا لا يعني أن نعفي عباس والحكومة في رام الله من تحمل المسؤولية. فالوطن أكبر من الجميع ولا يجب أن نحمل الشعب الغلبان مسؤولية إذا رمته أحداث تعذر ردها، والوقت وقت إسعاف المصاب لا تبادل المسؤولية.

أيها السياسيون الفلسطينيون من كل الأحزاب وفي كل المواقع، تعالوا فوق الكراهية وضغائن الصراعات الحزبية والولاءات الخارجية. دعوا كل الأطراف الخارجية وراء ظهركم حين يتعلق الأمر بشعبكم. وإلا إن استمر الحال:

فإنكم لستم أنظف ثوبا من أحمد عز وعلي زين العابدين وبشار وحبيب العادلي
يا من ملأتم شاشات التلفزة والمنابر صراخا وعويلا
لا تفقدوا بشريتكم.. "قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا".

كم شعرت بالخجل هذا الصباح حين رأيت المشهد في شارع الوحدة.
" ابنك شهيد من تنظيم آخر، لا دخل لنا!".. أرأيتم "الكراهية" حين تصبح أغلى عندنا من الأقصى.. أغلى من فلسطين.. أغلى من الدين. لم تنتفضوا كما انتفضتم لخصلة شعر تظهر من رأس فتاة!.

أكاد أجزم: أن جهادنا هذا حرام، حرام، حرام.. إذا أسقط شهداء لا يعترف بهم السادة والمفتون في فنادق الخمس نجوم.
يا رب كفى خجلا.. كفى ساسة لا خبرة ولا تجربة ولا شعور بمسؤولية، ورجال دين عميان يكبرون صغائر الأمور ويبلعون ألسنتهم عند العظائم.
"وطني هل أنت بلاد الأعداء
وطني هل أنت بقية من داحس والغبراء!.."..
 

التعليقات