04/05/2013 - 11:38

حماس الجديدة... أم الخيار اليمني معدلاً؟../ ماجد عزام

تبدو حماس الجديدة أكثر انفتاحاً وشفافية على المستوى التنظيمي وأكثر نضجاً وهدوءاً على المستوى السياسي مع ثقة تامة بأن المستقبل يعمل لصالحها وإلى حين استقرار الأوضاع السياسية في دول الثورات العربية، ليس على الحركة سوى الانتظار وإدارة المرحلة الانتقالية بحكمة وصبر لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب وأقل قدر ممكن من الخسائر خاصة على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية غير المرشحة أصلاً لتصعيد كبير أقله على المدى المنظور

حماس الجديدة... أم الخيار اليمني معدلاً؟../ ماجد عزام

حماس الجديدة... أم الخيار اليمني معدلاً؟../ ماجد عزام

 

أنهت حماس الأحد الماضي في الدوحة أول اجتماع لمكتبها السياسي الجديد الذي تم انتخابه في القاهرة أوائل نيسان/إبريل الجاري. الاجتماع قدَّم صورة أوضح – كما نشرت الحياة الأحد 21 نيسان - عن صورة حماس الجديدة تنظيمياً وسياسياً التي رسمتها الانتخابات والتي كانت أقرب إلى تفاهمات وتوافقات تم إخراجها بشكل ديموقراطي، وضمن عملية انتخابية تجسد الواقع الجديد الذي تعيشه حماس في زمن الثورات وميدان التحرير المتنقل من دولة عربية إلى أخرى.

هذه الثورات ما زالت هزاتها الارتدادية مستمرة، وستتواصل على ما يبدو لسنوات طويلة؛ وتركت تداعيات أو بالأحرى طرحت تحديات هائلة على الحركة الفلسطينية المقاومة إن في السياق التنظيمي وآليات إدارة أو قيادة الحركة بشكل متوازن، دون هيمنة ما، جغرافية أو شخصية على قراراتها أو في السياق السياسي وكيفية تأقلمها مع التغييرات الهائلة التي شهدتها المنطقة وتوازناتها بشكل عام والساحة الفلسطينية بشكل خاص إن في اتجاه عملية المصالحة أو عملية التسوية وإدارة الصراع مع إسرائيل سلماً أو حربا.

في السياق التنظيمي لم يعد مقبولاً في زمن الميدان أن يستمر زعيم أو قائد ما في قيادة أي بلد أو حركة لسنوات طويلة، كما هو الحال مع السيد خالد مشعل الذي يتولى رئاسة المكتب السياسي منذ عشرين سنة تقريباً، وفي زمن الثورات لم يعد من الممكن الهيمنة أو السعي للهيمنة والاستئثار في قيادة دولة أو حزب ما، وتهميش فئات أو شرائح واسعة من المواطنين والحزبيين، وتجاهل أحجامهم وأوزانهم الجماهيرية والانتخابية.

ففي حالة حماس مثلاً ضمّ المكتب السياسي السابق للحركة ثلاثة أعضاء فقط من غزة - محمود الزهار، خليل الحية، ونزار عوض الله – وعدد مماثل من الضفة الغربية – دون إعلان الأسماء - مقابل خمسة من الخارج أقله كما كان يتم تعريفهم حتى من قبل إعلام الحركة - خالد مشعل، موسى أبو مرزوق، محمد نصر، سامي خاطر وعزت الرشق - علماً أن مركز الثقل الجماهيري العسكري وحتى السلطوي لحماس يتركز في الداخل بشكل عام، وغزة بشكل خاص، وطبعاً في ظل الواقع الأمني في الضفة، وحصار غزة، وإغلاق معبر رفح لسنوات طويلة قبل أن يتم فتحه جزئياً عام 2008، ثم كلياً بعد ثورة يناير، بات القرار عملياً في يد قيادة الخارج، وتحديداً في يد السيد مشعل ومقربيه ومساعديه الذي أتى بهم كأعضاء للمكتب السياسي مع تهميش منهجي ومتواصل بحق نائب رئيس المكتب السياسي السابق موسى أبو مرزوق الذي أسقطه أبو الوليد في الانتخابات قبل الأخيرة – 2008 - واضطر لإعاده تعيينه مرة أخرى إثر وساطات قام بها قادة ورموز في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ولكن بعدما مكث أبو مرزوق غاضباً في بيته لثلاث شهور تقريباً.

أما في السياق السياسي، فقد تمثل التحدي الأساس أمام الحركة الإسلامية في كيفية تمتين العلاقات مع الحكام الجدد في البلاد العربية والحلف الإقليمي الإخواني التركي القطري الصاعد، في ظل الحالة الكارثية التي خلفتها الأنظمة العربية الاستبدادية الساقطة - أو تلك التي في طريقها - في الأبعاد السياسية الاقتصادية الاجتماعية والأمنية وعدم قدرة دول الثورات على القيام بمسؤولياتها الكاملة تجاه القضية الفلسطينية، وبالتالي ضرورة عدم إحراجها أو تحميلها أكثر مما تحتمل ما يعني في السياق الفلسطيني -الفلسطيني ضرورة بل حتمية ترتيب البيت الداخلي عبر إنهاء الانقسام وتطبيق اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه في القاهرة أيار/مايو 2011.

وفي السياق الفلسطيني الإسرائيلي إدارة الصراع مع تل أبيب بوتيرة منخفضة، وعدم الذهاب إلى تصعيد واسع كبير معها، وهذا لا يعني بالطبع الاستسلام أمامها، وإنما اتباع أساليب مماثلة لتلك التي ابتدعتها الثورات العربية - رغم تلطيخها بالدماء عن سبق إصرار وترصّد؛ في الحالتين الليبية والسورية - المتمثلة في التظاهرات الشعبية الجماهيرية السلمية الحاشدة على قاعدة الشعب يريد والتي يمكن استنساخها في السياق الفلسطيني وفق ما يعرف بالمقاومة الشعبية بصفتها تحديثاً ملائماً لنموذج الانتفاضة الأولى الناجع والمثمر في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

إذن وجدت حماس نفسها أمام تحديات تنظيمية وسياسية من أجل التأقلم مع الوقائع الجديدة، التى خلقتها الثورات فلجأت إلى التفاهم والتوافق والحوار الهادىء والمنطق الوسطي من أجل تحقيق الإصلاحات التنظيمية الملائمة دون أن يؤثر ذلك على وحدة الحركة أو يقطع مع المرحلة الجديدة والمختلفة، التي تعيشها المنطقة في نوذج أقرب إلى النموذج أو الخيار اليمني، وهكذا تم التجديد لخالد مشعل في رئاسة المكتب السياسية ولكن لولاية أخيرة من أربع سنوات مع تحجيم صلاحياته التنظيمية، ليس فقط عبر اختيار إسماعيل هنية كنائب له بصلاحيات واسعة، مع صعوبة بل واستحالة تهميشه أو الحد من تأثيره، خاصة مع مضاعفة تمثيل غزة في المكتب السياسي من ثلاث إلى ست أعضاء - إسماعيل هنية، عماد العلمي، خليل الحية، نزار عوض الله، روحي مشتهي، ويحيى السنوار - والأهم ربما من ذلك استقلال غزة تنظيمياً عن الخارج بشكل تام، بمعنى أن المكتب السياسي المنتخب في غزة والخاضع لسلطة مجلس الشورى المحلي المنتخب أيضاً هو المسؤول عن كل الملفات التنظيمية فيها بما في ذلك الملف العسكري، بعدما كان هذا لأسباب أمنية ذاتية وموضوعية خاضع لإشراف مباشر من السيد مشعل عبر علاقة مباشرة خاصة واستثنائية مع القائد العسكري السابق لكتائب القسام والشهيد أحمد الجعبري مع عدم تجاهل أهمية تعيين الرمز الحمساوي الغزاوي أحمد بحر في منصب رئيس مجلس الشورى العام للحركة، والذي يعد بمثابة برلمانها ومؤسستها التشريعية والرقابية.

التجديد لمشعل لمرة واحدة وأخيرة لم يأت لحاجات تنظيمية فقط تخص وحدة وتماسك وانسجام الحركة، وإنما لحاجات سياسية أيضاً تتعلق بالحفاظ على العلاقات الجيدة التي نجح أبو الوليد في إقامتها مع الحكام الجدد في بلاد الثورات العربية، كما مع المحور الإقليمي الصاعد والأهم من ذلك الاستفادة منه كوجه سياسي مقبول وسطي في الانفتاح على المحيط الإقليمي والدولي وكسر عزل الحركة دون التنازل أو التخلي عن ثوابتها المعروفة، وإنما التعبير عنها بلغة وسطية هادئة والمراهنة على فكرة أن الزمن يعمل لصالحها إن في السياق الفلسطيني الداخلي أو حتى في السياق الفلسطيني الإسرائيلي مع يقين الحركة التام من فشل عملية التسوية وعجزها عن التوصل لاتفاق يتساوق مع الحد الأدنى المقبول فلسطينياً وعربياً.

سياسياً أيضاً جاء التجديد لمشعل كتعبير عن الحل الوسطى الهادىء تجاه ملفي المصالحة وإدارة الصراع مع إسرائيل، حيث يستحوذ الملف الأول، وكما نقلت الحياة - الاثنين 22 نيسان - على أولوية اهتمامات الحركة ومكتبها السياسي الجديد، ولكن بين التحفظ الذي تتعاطى به حماس غزة مع الجهود الهادفة إلى إنهاء الانقسام – قال محمود الزهار أنه سيقطع يده من الكتف إذا نجحت تحقيق المصالحة مع جماعة رام الله - ومراهنتها على أن التطورات المحلية والإقليمية تصب في مصلحتها، واقتناع مشعل ورفاقه أن المصالحة ضرورية من أجل التساوق مع التطورات الإقليمية واستنساخ فكرة الحكم التوافقي التي تبدو حاجة ملحة ليس فقط في القاهرة، تونس، طرابس، وصنعاء، وإنما في رام الله، وغزة أيضاً تم التوصل إلى حل وسط يتمثل بالحزمة الكاملة والتركيز على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها المرجعية العليا والمؤسسة الأم، بالنسبة للشعب الفلسطيني، ودائماً على قاعدة الشراكة الكاملة التي تبدأ من المنظمة ما يلقي بالكرة في ملعب حركة فتح التي تعطي الأولوية للسلطة ومؤسساتها مثل المجلس التشريعي والحكومة، وتعتقد أن الظروف غير مؤاتية أو ناضجة لإجراء انتخابات للمجلس الوطني في الخارج باعتبارها الخطوة الأساس في عملية إعادة بناء جدية فعالة وديموقراطية للمنظمة.

أما فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، فقد ساهمت حرب غزة الأخيرة واتفاق التهدئة الذي فاوض عليه مشعل بوساطة مصرية، ونال رضى ومباركة قيادة غزة في التوافق على أسس أو الخطوط العريضة  لإدارة الصراع مع إسرائيل دون الاعتراف بها، ولكن أيضاً دون خوض صراع مفتوح أو حرب واسعة معها ليس فقط، لأن الظروف الإقليمية غير مؤاتية في ظل انشغال الدول العربية بمشاكلها وأزماتها العميقة والمتفاقمة، ولكن لأن ظروف الحركة نفسها والأوضاع المأساوية في غزة لا تسمح بخوض حرب واسعة أخرى مع تل أبيب والحل أو الإستراتيجية المرحلية لحماس تتركز في توطيد وتقوية واستقرار سلطتها في غزة والانفتاح على الوقائع الإقليمية الجديدة، مع عدم التخلي عن خطابها السياسي والإعلامي المقاوم أقله تجاه الشارع الفلسطيني.

إذن تبدو حماس الجديدة أكثر انفتاحاً وشفافية على المستوى التنظيمي وأكثر نضجاً وهدوءاً على المستوى السياسي مع ثقة تامة بأن المستقبل يعمل لصالحها وإلى حين استقرار الأوضاع السياسية في دول الثورات العربية، ليس على الحركة سوى الانتظار وإدارة المرحلة الانتقالية بحكمة وصبر لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب وأقل قدر ممكن من الخسائر خاصة على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية غير المرشحة أصلاً لتصعيد كبير أقله على المدى المنظور.

التعليقات