17/05/2013 - 21:12

النكبة بوصلة لا تخطئ/ حسن عبد الحليم

النكبة هي أصل القضية الفلسطينية لا فرعًا من فروعها، وجذرها الضارب في العمق، وهي الهزة التي لا زلنا نشهد ارتداداتها. من هناك بدأت مأساة شعب تولد منها الكثير من المآسي. من هناك بدأت أحداث ملحمية مخضوبة بالدم، مجبولة بالبؤس وجحيم القهر والمعاناة وشظف التشرد ومرارة الغربة، وممهورة بقصص بطولة.

النكبة بوصلة لا تخطئ/ حسن عبد الحليم

"النكبة"،هي الإسم الذي أطلقه المفكر القومي قسطنطين زريق على الكارثة التي حلت بشعب فلسطين في منتصف القرن الماضي، وعرّفها المفكر عزمي بشارة بأنها «أكبر عملية سطو في وضح النهار عرفها التاريخ».

النكبة هي أصل القضية الفلسطينية لا فرعًا من فروعها، وجذرها الضارب في  العمق، وهي الهزة التي لا زلنا نشهد ارتداداتها. من هناك بدأت مأساة شعب تولد منها الكثير من المآسي. من هناك بدأت أحداث ملحمية مخضوبة بالدم، مجبولة بالبؤس وجحيم القهر والمعاناة وشظف التشرد ومرارة الغربة، وممهورة بقصص بطولة.

تقام «الذكرى» عادة لضحايا حدث تاريخي جلل، أو لتذكار محطات مفصلية غيرت مسار التاريخ في حياة الشعوب أو لتخليد قادة وضعوا بصماتهم على ألواحه، لكن مفهوم «النكبة» يحمل أبعادا تتعدى هذا التعريف، فهي ذكرى تهجير وتشتيت شعب لا زال مشردًا، وذكرى بداية عذابات ومعاناة شعب لا زال يتجرع علقم كأسها، وهي أساس صراع مرير لا زال يهرق الدماء ويزهق الأرواح ويفرّق الأحبّة ويسقط الموت والدمار، ويغيب الآلاف في ظلمة المعتقلات وغياهب السجون.

النكبة ليست ذكرى بقدر ما هي صرخة من أجل وقف غبن متواصل، وظلم متدحرج، ورفع المعاناة عن شعب تعرض لضيم بيّن لا لبس فيه، لم يقترف جريمة بل كان ضحية لها ولا زال.

لا زال الكيان السياسي الذي قام بخطيئة تشريد واضطهاد شعبنا يتنكر لجريمته ويزداد صلفا وطغيانا وعتوا، وموازين القوى راجحة لكفته، ويجدّ خفية وعلنا لطمس وحجب الحقيقة وتزييف التاريخ والحاضر والمكان،  ويهيئ لغاياته كل السبل والحيل والأباطيل، ولا يرعوي عن ارتكاب الجرائم والموبقات في سبيل طمس معالم جريمته الكبرى.

لا مكان للعدالة المطلقة في قضية فلسطين، بل ثمة مندوحة لمصالحة يكون أساسها حق العودة وتعويض الشعب الفلسطيني عما لحق به من ضيم وأن يعيش  أبناؤه أحرارًا في وطنهم. من هنا فإن تحقيق حق العودة ما هو إلا جزء يسير من تحقيق عدالة جزئية وإحقاق حق منقوص.

وبقدر عزيمة إسرائيل على طمس هذا الحق والتنكر له، ثمة إرادة فلسطينية صلبة  لا ينكسر عودها ولا يلين طودها للتشبث به،  فقضية فلسطين لا يمكن لها أن ترسو إلى بر الأمان دون تحقيق هذا الحق، وكل من يعتقد غير ذلك فهو موغل في الوهم.

النكبة هي جرح مفتوح لم يندمل ولا يندمل إلا بالعودة. لكن رغم اتساع هذا الجرح والمساحة الشاسعة التي تباعد بين ضفتيه، ورغم شدة وضوحه وبروز معالمه، وبرغم هول الكارثة التي حلت بالفلسطينيين، لم تصل بعد رواية النكبة إلى الضمير العالمي ولم تتغلغل في الوجدان الإنساني، وهذه مهمة ملقاة على أبنائها.

حق العودة ينبغي أن يسبق الحديث عن كيان سياسي فلسطيني، ومن أجل تحقيق ذلك، لا سبيل إلا  تأليف الشتات واستعادة لحمة وطنية حقيقية عابرة للفصائل والجغرافيا، وإلى استنهاض العزائم الفاترة والهمم المتقاعسة وتوحيد الجهود الخالصة وتصويب البوصلة من جديد باتجاه جذر المشكلة وأصلها. كل شيء بدأ من هناك وكل شيء ينتهي هناك.

التعليقات