21/05/2013 - 01:36

كيف نفهم مشاركة العرب في الانتخابات الإسرائيليّة؟ / إمطانس شحادة

ترمي هذه المقالة إلى تقديم اقتراح إطار تحليليّ إمبريقيّ لدراسة السلوك الانتخابيّ للفلسطينيّين في إسرائيل، بواسطة تقديم إجابات أوّليّة عن مسألتين (مركزيَّتَيْن -حسب اعتقادي) تتعلّقان بأنماط المشاركة الانتخابيّة: مسألة المشاركة والامتناع عن التصويت؛ ومسألة فهم توزيع تصويت الناخبين العرب بين القوائم العربيّة الثلاث. بكلمات أخرى، ترمي إلى ذلك عبْر الإجابة عن السؤالين: لماذا يصوّت العرب في إسرائيل؟ وكيف يصوّت العرب؟

كيف نفهم مشاركة العرب في الانتخابات الإسرائيليّة؟ / إمطانس شحادة

ترمي هذه المقالة إلى تقديم اقتراح إطار تحليليّ إمبريقيّ لدراسة السلوك الانتخابيّ للفلسطينيّين في إسرائيل، بواسطة تقديم إجابات أوّليّة عن مسألتين (مركزيَّتَيْن -حسب اعتقادي) تتعلّقان بأنماط المشاركة الانتخابيّة: مسألة المشاركة والامتناع عن التصويت؛ ومسألة فهم توزيع تصويت الناخبين العرب بين القوائم العربيّة الثلاث. بكلمات أخرى، ترمي إلى ذلك عبْر الإجابة عن السؤالين: لماذا يصوّت العرب في إسرائيل؟ وكيف يصوّت العرب؟

المشاركة، المقاطعة، وأنماط التصويت: أسئلة تتطلّب إجابات 
قدّم بعض الأكاديميّين العرب تفسيرات للمشاركة السياسيّة والبرلمانيّة-الانتخابيّة للفلسطينيّين في إسرائيل من جوانب عديدة. وعلى الرغم من أهمّيّة التفسيرات المطروحة في المقاربات القائمة، تبقى بمعظمها مقاربات تأويليّة تعتمد البحث الكيفيّ وقراءة في نتائج الانتخابات على أرض الواقع، دون أن تقدّم أبحاثًا إمبريقيّة تعتمد البحث الكمّيّ. أمّا هذا المقال فيحاول، استنادًا إلى المقاربات القائمة، تقديمَ تحليل إمبريقيّ لأنماط التصويت لدى الناخب العربيّ، عن طريق تحليل استطلاع رأي عامّ أجراه "مدى الكرمل" قبل الانتخابات الأخيرة بأسبوع، شمل عيّنة تمثيليّة مكوَّنة من 517 مستطلَعًا.

من يصوّت؟
وَفقًا لنتائج استطلاع "مدى الكرمل"، قال 69% من المستطلَعين إنّهم سيشاركون في الانتخابات (النسبة الموزونة هي 57.3%)، وَ 15% إنّهم لم يقرّروا بعد، وقرابة 16% إنّهم لن يصوّتوا. ونرى أنّ الأسباب الأساسيّة لعدم المشاركة وَفق الاستطلاع كانت: لا يهمّني (27%)؛ بسبب عدم وحدة الأحزاب (21%)؛ لأسباب أيديولوجيّة (27%) (هذه النسب محتسَبة من ال 16% الذين قالوا إنّهم لن يشاركوا في الانتخابات ).   

أظهرت الامتحانات الإحصائيّة عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائيّة بين مواصفات الفرد المشارك في الانتخابات وغير المشارك، لا من حيث السنّ ولا من حيث مستويات الدراسة ولا الجنس ولا الدين ولا مكان الإقامة. لكنّنا وجدنا فروقًا ذات دلالات إحصائيّة، بين المشاركين وغير المشاركين، في مجال المواقف تجاه العمل البرلمانيّ للأحزاب العربيّة وفي تقييم أداء الأحزاب العربيّة في الكنيست. من بينها: عمليّة سَنّ القوانين في الكنيست؛ الدفاع عن قضايا الأرض والمسكن؛ حلّ مشاكل المواطنين العرب الاقتصاديّة؛ حلّ مشاكل جهاز التعليم العربيّ ومشاكل العنف؛ إحباط سياسات عنصريّة تجاه الفلسطينيّين؛ المساهمة في إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينيّة؛ الكشف عن عنصريّة الدولة تجاه العرب. فحْصُ "علاقة الارتباط" الإحصائيّة (Correlations) بين مسألةِ المشارَكة في الانتخابات، ومواقفِ المستطلَعين تجاه أداء وعمل الأحزاب العربيّة، هذا الفحص أظهر وجود علاقة طرديّة واضحة بين تقييم الأداء والمشارَكة. وتبيّن أنّ تدنّي تقييم عمل الأحزاب العربيّة وأدائها يقلّل من احتمال المشاركة في الانتخابات، والعكس صحيح.

بالإضافة إلى الفروق في تقييم أداء وعمل الأحزاب العربيّة في الكنيست، يبرّر البعض عدم المشاركة في الانتخابات بوجود بدائل للمشاركة السياسيّة، لا تقلّ أهمّيّة أو فاعليّة عن العمل البرلمانيّ، يجب استعمالها. من بينها -على سبيل المثال- المشاركة عن طريق مؤسّسات المجتمع المدنيّ أو الاحتجاج الشعبيّ المباشر (المظاهرات) والنضال الجماهيريّ. وقد فحصنا كذلك هذا الجانب. وما يهمّنا تحديدًا هو ما إذا كان للمشاركة السياسيّة البديلة أن تفسّر عدم المشاركة في الانتخابات. وقد أظهرت الامتحانات الإحصائيّة وجود فروق إحصائيّة ذات دلالة بين المجموعتين (مجموعة المشارَكة ومجموعة عدم المشارَكة)، تشير -على العكس من المتوقّع- إلى علاقة طرديّة بين المشارَكة في عمل وفعّاليّات مؤسّسات أهليّة وأعمال احتجاجيّة، من جهة، والمشاركة في الانتخابات، من جهة أخرى. والمقصود أنّ ارتفاع معدّلات المشاركة في العمل الأهليّ والمشاركة في الاحتجاج يزيد احتمالَ التصويت في الانتخابات. كذلك وجدنا أنّه كلّما ارتفع تقييم المستطلَع لتأثير الاحتجاج العربيّ بمختلف أشكاله على سياسات الحكومة، ازداد احتمال التصويت مقابل الامتناع. وكذلك إنّ التقييم المرتفع للدَّوْر الذي تقوم به الأحزاب العربيّة في إنجاح الاحتجاج العامّ يزيد احتمالَ التصويت. من هنا نجد أنّ ادّعاء وجوب استخدام أدوات مشارَكة سياسيّة بديلة لا يفسّر عدم المشارَكة في التصويت، بل يفسّر المشارَكة. لذا، نستنتج أنّ الفروق الأساسيّة بين المشاركين في التصويت والممتنعين عنه هي في تقييم عمل وأداء الأحزاب العربيّة في الكنيست، وفي إمكانيّة تحقيق إنجازات في القضايا اليوميّة والمعيشيّة والقوميّة عن طريق البرلمان. المشاركون أقلّ تشاؤمًا من حيث إمكانيّات التأثير السياسيّ بواسطة العمل البرلمانيّ. 

لمن نصوّت؟
يتيح الاستطلاع تقديم إجابات أوّليّة للسؤال: كيف يختار الناخب العربيّ من بين الأحزاب العربيّة؟ وهذه هي المرّة الأولى (وَفق معلوماتنا واطّلاعنا على الأدبيّات القائمة) التي يجري فيها التطرّق إلى هذا الجانب في دراسة أنماط التصويت لدى الناحب العربيّ. في سبيل ذلك، قمنا بفحص عدّة مجموعات من المتغيّرات التي تساهم في فهم قرار الناخب العربيّ، من بينها: المواصفات الفرديّة؛ مواقف المستطلَع تجاه الأحزاب العربيّة؛ تقييمه لأداء الأحزاب العربيّة، المتنافسة في الانتخابات، في مجالات معيشيّة يوميّة وتجاه قضايا الـهُوية والقوميّة. ابتغاء تحقيق ذلك، قمنا بتحليل "معادلات الانحدار" ((LOGISTIC REGRESSION لجميع المتغيّرات (الأسئلة) لدى مصوّتي كلّ حزب وحزب، مقابل سائر المصوّتين: مصوّتي الجبهة مقابل سائر المصوتين؛ مصوّتي القائمة الموحّدة مقابل سائر المصوّتين؛ مصوّتي التجمّع مقابل سائر المصوّتين.

بيّنت نتائج الامتحانات الإحصائيّة وجود بعض الفروق في مواصفات الفرد بين ناخبي الأحزاب العربيّة الثلاثة، إذ كان ثمّة اختلافٌ إحصائيّ ذو دلالة وَفقًا للسنّ والديانة ومكان السكن، وعدم وجود فروق في مستويات الدراسة والجنس ومستويات المعيشة. الا أن التأثير الإحصائيّ لهذه الفروق على اختيار الحزب ليس كبيرًا.

أمّا من حيث تقييم أداء الأحزاب العربيّة، فوجدنا أنّ هناك تأثيرًا مركزيًّا لهذه المتغيّرات على اختيار الناخب العربيّ، ولا سيّما تقييم المستطلَع لاهتمام القائمة بالقضايا القوميّة وتقييمه لقيادات الحزب ومرشّحيه، التي تؤثّر على مصوّتي القوائم الثلاث. بكلمات أخرى، وجدنا علاقة طرديّة ذات دلالة إحصائيّة بين تقييمِ الأداء في الجوانب القوميّة والتصويتِ للحزب؛ فكلّما ارتفع تقييم الأداء ارتفع احتمال التصويت للحزب. وكذلك كلّما ارتفع تقييم كفاءة مرشّحي الحزب ارتفع احتمال التصويت للحزب. لكنّنا لم نجد تأثيرًا، مثلاً، للبرامج السياسيّة التي تطرحها الأحزاب على اختيار الحزب، ولا تأثيرًا لاهتمام الحزب بالقضايا اليوميّة المعيشيّة. 

على الجملة، يمكن القول إنّ اختيار الناخب العربيّ للحزب الذي سيصوت له، يتأثر بالأساس بتقييم أداء الحزب واهتمامه بالقضايا القومية وكفاءة قياداته، اكثر مما يتأثر بالمواصفات الفرديّة للناخب مثل السنّ والديانة ومكان السكن.   

خاتمة
حاولتْ هذه المقالة تقديم دلائل أوّليّة لإمكانيّة تفسير التصرّف الانتخابيّ للفلسطينيّين في إسرائيل بشكل إمبريقيّ. نتائج التحليل الإحصائيّ تشير إلى وعي الناخب العربيّ لمحدوديّة العمل البرلمانيّ والتأثير السياسيّ للأحزاب العربيّة، وتوضّح كذلك أنّ الناخب العربيّ يرى أهمّيّة لوجود أحزاب عربيّة في البرلمان، ويختار المشاركة بالرغم من المحدوديّات القائمة، ويختار بين الأحزاب العربيّة على أساس أدائها القوميّ وتقييم كفاءات القيادات، لا على أساس إمكانيّة تقديم الأحزاب إنجازات مادّيّة عينيّة، دون أن نلغي أهمّيّة هذا الجانب بالمطلق. من هنا، يمكن القول إنّه ثمّة مؤشّرات لتصرّف عقلانيّ لدى الناخب العربيّ الذي يستخدم أداة الانتخابات للتعبير عن استيائه. الناخب العربيّ يبحث عن منافع جماعيّة في مجال الهُويّة ومقارعة السلطة، لا أن يؤثّر على السلطة ومُخْرَجاتها السياسيّة فقط، وهو عمليًّا يقوم بعمليّة تصويت احتجاجيّ. بطبيعة الحال، هذه استنتاجات أوّليّة تحتاج إلى أبحاث مستقبليّة إضافيّة وموسّعة لتدعيمها وتوضيحها.

التعليقات