25/05/2013 - 13:57

الليبرالية الفلسطينية أمام القضاء الإسرائيلي../ حنين نعامنة

تعمل إسرائيل منذ عقدين على الأقل على الدفع باتجاه التعادل في العلاقة بينها وبين "الآخر" الفلسطيني، وذلك عبر توسيع رقعة النقاش الدائر بين الفلسطيني والإسرائيلي الصهيوني حول كنه العلاقة التي تجمعهما

الليبرالية الفلسطينية أمام القضاء الإسرائيلي../ حنين نعامنة

يعود معنى المساواة لغوياً إلى حتمية وجود طرفين مختلفين تتم المساواة بينهما، بمعنى جعلهما متعادلين. انطلاقاً من هذا المنطق تعمل إسرائيل منذ عقدين على الأقل على الدفع باتجاه التعادل في العلاقة بينها وبين "الآخر" الفلسطيني، وذلك عبر توسيع رقعة النقاش الدائر بين الفلسطيني والإسرائيلي الصهيوني حول كنه العلاقة التي تجمعهما. في هذا التعامل في القضايا التي تحدد هوية العلاقة، محاولة لتحديد معالم المعادلة كنقاش بين طرفي نزاع ("سخسوخ" بالعبرية)، يتحاوران في جملة من القضايا التي تشغلهما. عليه، فلا يمّل الإسرائيليون من جرنا من آذاننا للإنصات إليهم ومحاورتهم بانفتاح. في هذه المعادلة يطمح الإسرائيلي إلى موضعة نفسه والفلسطيني كطرفين سويين للحوار، إلا أن الثنائية التي يرتأي الإسرائيلي فرضها مفتعلة ولا تمت للواقع بصلة.

في خضم هذا النقاش والتأرجح بين شقيّ هذه المعادلة غير المتكافئة، يأتي النضال القانوني للفلسطينيين في ملعب القضاء الإسرائيلي، كأحد أضعف الحلقات التي تربطنا بالاستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة. بحيث أن القضاء الإسرائيلي يعمل على إنتاج الفلسطيني كطرف في نزاع، يحاور فيه الطرف الآخر بلغة القانون الصرف، الأمر الذي خلق ديناميكية عملت على إنتاج أرض خصبة لاستقطاب الفلسطيني وقضاياه وجعلها محطّ نقاش القضاء الإسرائيلي. في هذه المقالة سأناقش دور ما بات يُعرف بالنضال القانوني للفلسطينيين القابعين تحت الاستعمار الاستيطاني في فلسطين المحتلة عام 1948. سأتناول، تحديداً، التقاضي أمام القضاء الإسرائيلي بشأن ما بات يدعى بـ "قانون النكبة"، وذلك كمثال على الأزمة التي تواجه ضيق الأفق الفلسطيني الحالي في ظل تنامي الطرح الليبرالي الإسرائيلي.

وإذ نتحدث عن الخطاب القانوني في "الداخل"، فإننا نتحدث عن التحوّل الذي أنتجه قيام مجتمع مدني فلسطيني في العقدين الأخيرين، والذي رفع راية التمثيل الجماعي "للأقلية العربية" في إسرائيل. وأخص بالذكر في الشأن القضائي، مركز "عدالة" الحقوقي وهو جمعية أقيمت في التسعينيات ذات توجّه ليبرالي يرى في النضال القانوني الجماعي أمام المحاكم الإسرائيلية، جزءا لا يتجزأ من نضال الفلسطينين كأقلية قومية أصلانية داخل إسرائيل. كما أنها تعمل بالشراكة مع جمعيات حقوق المواطنة والإنسان الإسرائيلية التي تشكلت بغالبيتها في السبعينيات، ضمن مشروع ديموقراطي "مشترك" للنهوض بحقوق "الأقلية العربية في إسرائيل".

ليس التوجّه للقضاء الإسرائيلي في قضايا تخص الحقوق السياسية، بما في ذلك حقوق الملكية التاريخية للفلسطينيين في أرضهم بجديد، إنما يعود إلى الأشهر الأولى التي تلت النكبة، ولكنه اقتصر على أفراد أو حركات سياسية بمبادرة وتمويل ذاتي وبخطاب لم يحمل بالضرورة سمة الجماعية أو الليبرالية الحقوقية أو خطاب الأقلية والمواطنة وما يترتب على ذلك. إلا أنه ومنذ تبني طرح تمثيل قانوني جماعي، متمثلاً بالأساس بتجربة "عدالة" فقد بات القضاء الإسرائيلي وجهة للسياسيين والنخب الثقافية وكذلك للأفراد للبتّ في قضايا تستند على هذا الطرح. ومن بينها الحق في اللغة وفي التمثيل المتساوي في القطاع العام الإسرائيلي، ناهيك عن قضية شطب القوائم العربية المتكررة في انتخابات الكنيست.

عمل التردد على القضاء الإسرائيلي على تعزيز رؤية "الفلسطينيين في إسرائيل" كأقلية؛ سواء أمام "الآخر" الإسرائيلي أو في نظر الفلسطيني لذاته. التوجّه للقضاء الإسرائيلي بات معنياً بالتحاور مع الآخر، انطلاقاً من ثنائية المعادلة الليبرالية التي تضع الجميع في خانات متساوية –وبالأخص التساوي بالحقوق. وهنا تجدر الإشارة إلى النقاش الذي يعرضه الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتارد في كتابه "Le Différend" عن الفرق الكامن في العلاقة بين المدعي والمدعى عليه أو بين طرفين لنزاع بحيث أن المدعي/المتضرر هو ضمنياً في موقع الضحية، وذلك ليس بسبب الضرر الذي سببه له الطرف الآخر وانما بسبب فقدان المتضرر لقدرته على اثبات هذا الضرر والوسائل التي تمكنه من إثباته. ويعرض ليوتارد سيناريو هو ربما الأقرب الى حالة الفلسطيني، حينما يصبح مرتكب الضرر هو نفسه القاضي الذي يبت ويحكم في شؤون القضية. يخلص ليوتارد الى تعريف حالة "التباين" هذه بين طرفين، عندما تكون قواعد (regulation) النزاع محددة وفقاً لمعجم (idiom) أحد الفريقين، بينما الضرر الذي يعاني منه الفريق الآخر ليس موجودا أصلاً في هذا المعجم. وليس هناك أبلغ من النظم الإستعمارية كمثالِ لحالة التباين هذه.

انطلاقاً من هذا النقاش، فإننا نرى أنه عبر اتاحة المجال للقضاء للتناقش في قضايا تشكل أعمدة الحق الفلسطيني في أرضه، يتم تفتيتت هذه القضايا وجعلها عرضة للتباحث بها لدى الآخر وفق لغته ومعاييره وأدواته – تلك هي أدوات السيد التي حذرتنا منها أودري لورد. وما هو الحدث الأهم الذي يشكّل العلامة الفارقة في التاريخ الفلسطيني الحديث والذي حدا بنا الى أن نكون ضحية/مدعين (بمفاهيم ليوتارد) الحركة الصهيونية؟ تلك هي نكبة الشعب الفلسطيني على ما تحمله من نتائج محطمة لشعب بأكمله. الحدث الذي حسم وما يزال يحسم العلاقة التي تجمعنا بهذه الحركة وبمشروعها في فلسطين، رغم كل محاولاتها لإنتاجنا كمجموعات متناثرة، كانت مرة فلسطينية، والآن هي مجموعات عرقية مشتتة، تحكمها أحوال مدنية متغيرة.

إلا أن النخبة السياسية والثقافية الفلسطينية بمعظمها، وكجزء من نهجها المتصاعد في السنوات الأخيرة للتحاور مع الآخر الإسرائيلي وخوض النقاش معه حول قضايا "السخسوخ"، لم ترَ ضيراً في التوجّه للقضاء الإسرائيلي للتداول في شأن النكبة والسماح للفلسطيني "بممارسة حقه في استذكارها"، بل رأت بالقضاء فسحة للتعبير عن "فلسطينيتها" المبتورة أمام الآخر. الإشكال في ذلك، ينعكس تحديداً في هذه النقطة الأخيرة؛ النكبة كموضوعة ليبرالية للتعبير عن الرأي والتحاور والتباحث القضائي، وليس كمرجعاً لتحديد الهوية وآفاق النضال ورؤيته.

"الحق في النكبة"

في جملة من القوانين التي تقوم إسرائيل بسنها في السنين الأخيرة، قامت إسرائيل في عام 2011 بسنّ قانون يحرم أي طرف يتم تمويله من قبل الحكومة الإسرائيلية من حصته المستحقة من الميزانية في حالة قام هذا الطرف، سواء كان مدرسة أم جمعية أم فرداً، باستذكار يوم "استقلال إسرائيل" كيوم حداد. رداً على سنّ القانون، قامت "عدالة" و"جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" -وهي جمعية إسرائيلية- بتقديم إلتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية باسم أطراف إسرائيلية وفلسطينية، ضد دستورية القانون بادعاء أنه يمسّ بحق التعبير عن الرأي، مطالبة المحكمة بالإعلان عن إلغاء القانون نظراً لعدم دستوريته.

إذا ما فكرنا بمنطق بسيط بمعنى هذا المطلب، فهو فعلياً يعني مطالبة السلطة إياها التي ارتكبت المجازر والتهجير في النكبة، بمد الضحية بالميزانيات أو على الأقل بعدم إغلاق الحنفية عليها وإمدادها الدائم بالموارد "لإحياء ذكرى النكبة"!

الأطراف الملتمسة تعي المحدودية العضوية الكامنة في جهاز القضاء الإستعماري، ورغم ذلك تقدمت بالالتماس للمحكمة للتداول في "قضية النكبة". بذلك حولت هذه الأطراف النكبة لقضية قانونية شأن قضايا أخرى، يُؤتى بها الى القضاء للتدوال بها، والمُراد بذلك هو طرح هذه "القضية" للنقاش والتحاور مع الآخر في منابره. ولكن، وبسبب المحدودية العضوية إياها، لم يكن من بد سوى طرح النكبة كحق تعبير عن الرأي والحرية الأكاديمية وغيرها من مفردات لغة الحقوق الليبرالية التي تعمل على نزع الصبغة السياسية والمحتوى التاريخي للنضال، وذلك في عملية إنتاج أنطولوجيا ليبرالية تحيّد عنها الشبهة الإستعمارية. تلك هي الأنطولوجيا التي أنتجت الفلسطيني كمواطن فرد في أقلية في دولة ديموقراطية ليبرالية إثنية؛ الفلسطيني كمشكلة في منظومة يجدر معالجتها وليس كشعب أصلاني مقصيّ الحقوق في أرضه.

وقد تكون الادعاءات الافتتاحية في الالتماس مثلاً على اعتماد النضال القانوني هذه التعريفات بل والمساهمة بإعادة إنتاجها وتكريرها، وتحديداً تلك النظرة إلى كون المواطنة الإسرائيلية تشفع لنا أمام "الآخر" أو تميزنا عن باقي الفلسطينيين، وتضعنا في خانة أقرب الى المواطِن منها الى المستعمَر – ذلك الخطاب إياه الذي رفعته القوى السياسية في سياق شهداء فلسطين "الداخل" مقابل شهداء "الضفة الغربية" في الانتفاضة الثانية أمام القضاء الإسرائيلي، نراه يتكرر في سياق النكبة، كما ينص السرد التالي في فاتحة الإلتماس:

"مثل أي مصطلح أدبي أو ثقافي أو سياسي، تطوّر مصطلح النكبة ليشمل تعاطياً يتعدى النقطة الزمنية المتمثلة بالـ1948، وتحديداً التركيز على هؤلاء الذي تبقوا في وطنهم، الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل. تطوّر هذا المعنى لم يبدأ في الشتات الفلسطيني، وإنما تحديداً بين المثقفين والأدباء والشعراء الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، والذين دفعوا منذ الستينيات، وعلى ضوء الحكم العسكري، للتطور الثقافي للمصطلح في العالم العربي. ومن أبرز هؤلاء، إميل حبيبي، محمود درويش، توفيق زياد، راشد حسين...".

إذا فالنكبة عُرضت كـ"مُصطلح"، عملت المواطنة والمشاركة "الإسرائيلية" على إعادة صياغته وبلورته عبر تسليط الضوء على من تبقى من الفلسطينيين، وليس على إسرائيل كمنظومة استعمارية استيطانية مدمّرة. وإذ يكن من المهم فعلاً التحدث عن أشكال الدمار الاجتماعي والسياسي الذي طال الفلسطينيين في "إسرائيل" نظراً للقرب واللصق الذي يجمعنا بالمستعمِر خلافاً للفلسطينين في الشتات، فهل يمكن أصلاً التحدث عن النكبة كمصطلح في الوقت الذي تشكل فيه النكبة القاعدة الأخلاقية والسياسية التي من المفروض أن تحمينا من الصدأ الذي يعلو ذاكرة الفلسطيني بسبب هذاالقرب تحديداً؟!

ويأتي هذا التقزيم في معنى النكبة، كتكتيك يُراد به إقناع المحكمة و"الآخر" بأن النكبة باتت رمزاً لا بوصلة للنضال، حيث يستطرد كاتبو الالتماس بالحديث عن المعنى الإسرائيلي للنكبة والمفهوم الذي أضفته هذه المنظومة على النكبة كسقف نضالي، وتحديداً كما جاء في "وثائق التصوّر المستقبلي" وهي اقتراحات ناقشتها مجموعة من الأكادميين والمثقفين والسياسين الفلسطينين، لوضع تصوّر مستقبلي عن وضع وحق الفلسطينيين في "الداخل" اعتماداً على رؤيا المواطنة المتساوية، فيذكر الالتماس:

"النكبة، كما ظهرت في وثائق التصوّر متأثِرة من عوامل إسرائيلية بحتة، وذلك إثر رفع مطلب المساواة الكاملة بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب في إسرائيل. كذلك هي النكبة ذاتها والتي تلزم الهوية اليهودية-الإسرائيلية بالتعامل معها والتأثير عليها. التعامل مع الهوية الإسرائيلية وتعريف الدولة كدولة "يهودية وديموقراطية"، تستحضر دائماً الوجود الفلسطيني، والذي يتحدى هذا المصطلح وحتى أنه يفرض أحياناً تداولاً قضائياً في الموضوع والمطلوب من أجل إعادة صياغة هذه الهوية؛ كذلك هو المشّرع والذي يتطلب منه سنّ قوانين متعلقة بالموضوع وذلك بسبب الحضور الفلسطيني، كحال القانون المطروح في هذا الالتماس. في الواقع، لا يمكن التطرق للنكبة بمعزل عن إسرائيليتها، ولا إسرائيلية دون الفلسطينية التي في داخلها".

الطرح أعلاه يأتي ضمن المحاولة التقليدية للتعامل مع المواطنة كمرجع للحقوق، وليست كأداة استقصائية استعملت ضد الفلسطيني لشمله تحت سيادة دولة إسرائيل وحكم قانونها، وبذلك إقصاؤه عن حقه التاريخي في أرضه وفي نيل سيادته عليها. هذا الخطاب إياه الذي يتبنى رؤية "حل الدولتين" انطلاقاً من واقع المواطنة الإسرائيلية المطروحة كواقع وليس كمعطى بالإمكان تبديله. وتأكيداً على ذلك، يشير الالتماس لاحقاً أن النكبة ما هي إلا سرد تاريخي، لا علاقة له بالمطالب السياسية والمتمثلة في النهاية في حل الدولتين.

النكبة "أمام القانون"

في النهاية رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الالتماس الذي تقدّمت به الجمعيتان، وذلك لتبريرات قضائية صورّية. فالمحكمة اعتبرت الالتماس التماساً نظريّاً بمعنى أن القانون لم يخرج بعد إلى حيّز التنفيذ، وعليه فإن أياً من الأطراف الملتمسة لم تتأذ (بعد) نتيجة للقانون، مع حفظ حق الأطراف في الالتماس مرة أخرى للمحكمة في حالة تأذوا من القانون في المستقبل. المبرر القضائي الذي استعمله القضاء في هذه الحالة، كان متوقعاً وذلك لأنه عادة ما تستعمله المحكمة لتفادي مناقشة قضايا حساسة. في هذه الخطوة، يقوي القضاء الإسرائيلي دعائم بيته الداخلية ويبقى وفيّاً للمنطق الاستعماري الأهم، الذي يعتمد حكم القانون في شرعنة هذا الوجود الاستعماري. وفي ذات الوقت، يحافظ بذلك على نفس الخط السائد في أجهزة القضاء الغربية الليبرالية –وعلى رأسها القضاء الأمريكي- وعلى انتسابه ومكانته بينها، في فرض الخطاب الحقوقي الليبرالي لإقصاء الضرر الذي تسبب به الاستعمار لأهل البلاد الأصليين من معجم القانون.

لا شيء مفاجئا لطرح وقرار المحكمة، بالذات في قضية مثل النكبة، إذ كان بإمكان أي من متتبعي القضاء الإسرائيلي التنبؤ بهذا القرار؛ الأمر الذي يستحضر السؤال حول المقولة التي يبغي الالتماس تسجيلها، وإذا ما كنت تنم عن رؤية وإستراتيجية واضحة. فمثلاً، أما كان بالإمكان تحقيق أكثر بكثير مما "حققته" هذه المؤسسات لو أنها امتنعت عن الذهاب للقضاء الإسرائيلي عمداً، عبر تذكيره –أي القضاء- بأنها تعي محدوديته وأيضاً مركزيته في الفضاء الاستعماري الذي يجمعها به؟ أما ارتأت أن في تراكم مثل هذه التحركات الإستراتيجية ما يمكن أن يدفع نحو تناول حقيقي لجذور النزاع، بعيداً عن التمويهات القضائية المعتادة؟ هذه الأسئلة وغيرها تستحضرها تجربة قرابة العقديّن أمام القضاء الإسرائيلي، بحاجة لاستخلاص العبر منها والوقوف عند محدودياتها.

علاوة على ذلك، فإن التوجّه إلى القضاء الإسرائيلي عمل على احتواء العمل الشعبي والجماهيري وتحويل ثقل النضال الى مؤسسات مجتمع مدني -بعيداً عن مفهومه الغرامشي- نخبوي غير منتخب ولكنه يتبوأ موقعاً تمثيلياً مركزياً للفلسطيني أمام العالم وأمام "الآخر". هذه المؤسسات تعمل على طرح أجندة وسلم أولويات نضالية، ليست مبنية بالضرورة على تحاور شعبي أو نقاش سياسي. والخطير في ذلك أنه عبر هذه الديناميكية تقوم مؤسسات المجتمع المدني بإنتاج معرفي وبتدوين وتوثيق تاريخ يعتمد على أسس ليبرالية، فيُنتَج المواطن والبدوي والمهجر واللاجئ والمقدسي والضفاوي وغيرها من التقسيمات التي يكررها الإعلام المحلي والدولي، ويعيدها الفلسطيني بينه وبين ذاته في فلسطين وفي خارجها؛ ما أحال مهمة تحطيمها وبناء أخرى مكانها مهمة غاية في العسّر.

مأساة الفلسطيني عامة أنه يستصعب بلّورة خطاب وتعريف واضح لكينونته خارج الخطاب المهيمن للسلطة، إسرائيلية كانت أم فلسطينية فاسدة، وذلك في ظل فقدان مرجعية سياسية ممثلة حقيقية وذات تأثير وتحديداً في الحاضر الفلسطيني. إلا أن بلورة خطاب بديل، يتطلب قراراً عماده مراجعة النفس الفلسطينية عبر قراءة حركة التاريخ بعين نقدية والعودة الى أسسنا التي نستلهم منها حقوقنا التاريخية في فلسطين، وليس من الاستعمار الذي سلبها. ما عدا ذلك، فما الذي سيمنع أن ننتهي محدودبي الظهر ضعيفين ودون بصيرة، نتساقط من الهرم على عتبة القضاء الإسرائيلي كما حذرنا كافكا ذات يوم ليس ببعيد؟

مراجع:

Esudaily, Sean Patrick. 2004. The Present Politics of the Past: Indigenous Legal Activism and Resistance to (Neo)Liberal Government. Routledge: London.
Jean-François, Lyotard. The Differend: Phrases in Dispute, trans. Georges Van Den Abbeele (Manchester: Manchester University Press, 1988). Trans. of Le Différend (Paris: Minuit, 1983).

التماس "عدالة" و"جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"

التعليقات