03/06/2013 - 10:57

ملاحظات أساسية حول فكرة تبادل الأراضي مع إسرائيل../ ماجد عزام*

في الأخير وباختصار، يقدم تبادل الأراضي فكرة ليس فقط عن الأداء التفاوضي الفلسطيني الهاوي والكارثي، وإنما عن قصور عملية التسوية، وعجزها عن التوصل إلى حل عادل شامل ودائم للصراع في فلسطين، وقبل ذلك وبعده تفضح مبدأ التقسيم باعتباره متناقضاً مع مفاهيم العدل الديمومة والشمولية، كما مع النهايات الطبيعية للتجارب التاريخية الاستعمارية المشابهة في المنطقة والعالم

ملاحظات أساسية حول فكرة تبادل الأراضي مع إسرائيل../ ماجد عزام*

أثارت موافقة الجامعة العربية على فكرة تبادل الأراضي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ضمن أي اتفاق سلام محتمل بين الطرفين ردود فعل واسعة ركّزت في معظمها على انتقاد الجامعة وتساوقها مع الضغوط الأمريكية، والشهية الإسرائيلية والمفتوحة دائماً على التنازلات الفلسطينية والعربية، إلا أن الانتقادات المسيّسة والمستلبة للمصالح الفئوية والحزبية الضيقة تجاهلت ليس فقط الموافقة الفلسطينية الرسمية المسبقة على الفكرة، وإنما الفلسفة التي قامت عليها عملية التسوية، والتي لحظت منذ البداية التنازل عن أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين التاريخية، مع تخلٍ ضمني عن حق عودة اللاجئين التي تتناقض أيضاً بدورها مع فلسفة التسوية وأسسها.

بداية لا بد من الإشارة إلى أن فكرة تبادل الأراضي كانت حاضرة دائماً في الذهن السياسي الفلسطيني الرسمي منذ انطلاق عملية التسوية في تسعينيات القرن الماضي، وهي كانت ضمنية زمن الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وباتت أكثر صراحة ووضوحاً مع الرئيس محمود عباس وفريقه التفاوضي، كما اتضح من تصريحات لصائب عريقات ورياض المالكي أفادت أن موقف الجامعة ليس سوى تكراراً أو تأكيداً لمواقف وأوراق  تفاوضية فلسطينية سابقة، علماً مراجعة بسيطة لمجريات ما جرى بين أبو مازن وإيهود أولمرت ربيع وصيف العام 2008 تظهر أن الأخير عرض فكرة تبادل أراضي بين السلطة وإسرائيل في حدود 6 بالمائة، بينما وافقت السلطة على تبادل طفيف - كما قالت الجامعة العربية - ومتساوٍ في القيمة والنوعية، وفي حدود 2 بالمائة من أراضي الضفة الغربية وفق قاعدة أن تقام الدولة الفلسطينية على أراضٍ مساوية تماماً لتلك التي احتلت في حزيران يونيو 67 دون الالتزام التام بالحدود التي كانت سائدة آنذاك.

إلى ذلك يبدو الموقف العربي الأخير متساوقاً مع الفكرة السائدة في العقود الثلاثة الأخيرة والقائلة بأن العرب يقبلون ما يقبل به الفلسطينيون، ولا يمكن مطالبتم بأن يكون ملكيين أكثر من الملك نفسه أي فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وطالما قبل هؤلاء بتبادل الأراضي وفي وثائق ومواقف تفاوضية رسمية فلماذا يلام العرب على قبولهم بالفكرة ولو بحجة دعم ومساندة الموقف التفاوضي للفلسطينيين.

تبادل الأراضي كان حاضراً أيضاً في صلب الفلسفة التيى قامت عليها عملية التسوية في مدريد وأوسلو والتي تعاطت مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كصراع حدود يمكن تسويته بالتفاوض والحلول الوسط بعيداً عن الشرعية الدولية التي تم تهميشها عن سبق إصرار وترصد، وبالتالي فليس مفاجئاً أن يجري الحديث عن تبادل أراضٍ أو تسويات جغرافية علّها تذلل العقبات أمام فرصة الوصول إلى اتفاقات نهائية كما هو الحال في عديد من التجارب المشابهة.

في السياق نفسه فقد انطلقت عملية التسوية بشكلها الحالي - في مدريد ثم أوسلو - عندما كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس - يقارب مائتي ألف مستوطن، ولا أعتقد أن أحداً تصور آنذاك أن إسرائيل ستقوم بإجلاء مئات الآلاف منهم وتفكك مستوطنات كبيرة باتت أقرب إلى المدن - معاليه أدوميم - منها إلى التجمعات الاستيطانية التقليدية والصغيرة، كما كان الحال في "ياميت" وحتى في غزة؛ واليوم بات الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً، بعدما وصل عددهم إلى النصف مليون مستوطن تقريباً.

تبادل الأراضي يتساوق أو ينسجم في الحقيقة مع فكرة التقسيم التي تعتبر إحدى الأسس التي استندت عليها عملية التسوية بمنحاها الحالي، ولكن ليس وفق القرار الشهير 181، وإنما وفق قراري 242 و338 علماً أن التقسيم لم يكن يوماً الخيار المناسب والعادل بين الشعب الخاضع للاحتلال والقوة القائمة بالاحتلال، كما هو الوضع الآن في فلسطين.

إلى ذلك تعبر الفكرة عن أداء تفاوضي كارثي من قبل المسؤولين الفلسطينيين الذي لم يعطوا الاستيطان في البداية الأهمية الكافية، كما كان الحال مع الرئيس ياسر عرفات الذي اتبع تكتيكات تفاوضية خاطئة للحصول على أكبر قدر ممكن من مظاهر السلطة مع تأجيل قضية الأرض والحدود والقضايا المصيرية الأخرى، ما أتاح لإسرائيل الفرصة لمزيد من فرض الوقائع على الأرض ومضاعفة عدد المستوطنين مرتين ونصف تقريباً، خلال عقدين. أما خليفته فقد وافق رسمياً على فكرة تبادل الأراضي  قبل المناقشة الفعلية لقضايا الوضع النهائي، وببساطة قدم التنازلات حتى قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض وبما يتنافى مع الأسس المنهجية الصحيحة للتفاوض بالمعنى الدقيق للكلمة.

لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن فكرة تبادل الأراضي طرحت أساساً من أجل إضفاء الشرعية على ما يعرف في إسرائيل بالتكتلات الاستيطانية الكبرى الثلاث –"أرئيل" و"غوش عتصيون" و"معاليه أدوميم"- علماً أن الكتلة الأولى تتوغل لعشرات الكيلومترات في الضفة، وتعزل شمالها عن الوسط والجنوب، بينما تتكفل "معاليه أدوميم" بعزل القدس عن محيطها البشري والجغرافي، وتقضى تماماً على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة متواصلة وقابلة للحياة. وبمعنى آخر فإن القبول بفكرة تبادل الأراضي يعني إضفاء الشرعية على الستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة عام 67 وبما يتناقض مع الشرائع والمواثيق الدولية ذات الصلة، وتحديداً فتوى محكمة العدل الدولية الخاصة بالجدار الفاصل التي جرمت المشروع الاستيطاني برمته، واعتبرته مناقضاً للقانون الدولي ويصل حتى إلى مرتبة جرائم الحرب.

إلى ذلك يفتح القبول الفلسطيني والعربي الرسمي بتبادل الأراضي، ليس فقط الشهية الإسرائيلية إلى مزيد من التنازلات، وإنما يعطيها الحجة لتزوير الوقائع، والزعم أن المشكلة لم تكن يوماً عند إسرائيل أو في ممارساتها المناقضة للقانون الدولي، وإنما عند الفلسطينيين والعرب الرافضين لتقديم التنازلات الضرورية من أجل التوصل إلى حلول وسط تكفل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي في فلسطين والمنطقة.

في الأخير وباختصار، يقدم تبادل الأراضي فكرة ليس فقط عن الأداء التفاوضي الفلسطيني الهاوي والكارثي، وإنما عن قصور عملية التسوية، وعجزها عن التوصل إلى حل عادل شامل ودائم للصراع في فلسطين، وقبل ذلك وبعده تفضح مبدأ التقسيم باعتباره متناقضاً مع مفاهيم العدل الديمومة والشمولية، كما مع  النهايات الطبيعية للتجارب التاريخية الاستعمارية المشابهة في المنطقة والعالم.
 

التعليقات