12/06/2013 - 14:02

عن قتال حزب الله في سورية../ علي جرادات

خطوة حزب الله بالمشاركة في القتال الدائر في سورية خطوة نوعية معقدة طالما حرصت قيادة الحزب على تجنبها لمعرفتها بما سيترتب عليها من تحريض سياسي وإعلامي ومناوشات ميدانية غرضها جر الحزب إلى جحيم الفتنة المذهبية في لبنان

عن قتال حزب الله في سورية../ علي جرادات

في تطور نوعي قرر حزب الله الانتقال من موقع التأييد السياسي للنظام السوري إلى موقع الاصطفاف الميداني إلى جانبه في الصراع الدائر في سورية وعليها منذ العامين ويزيد. هنا كان من الطبيعي حدَّ البداهة أن يشكل هذا القرار سبباً، وللدقة ذريعة، لاطلاق حملة تحريض سياسي شعواء ضد الحزب راحت تبثها في شرايين الوعي إمبراطورية الصحافة ووسائل الإعلام والفضائيات الدولية والإقليمية والعربية الدائرة في فلك الولايات المتحدة. أما لماذا؟ لأن حزب الله - في الواقع- لم يعد مجرد حزب لبناني يحظى وزعيمه الكاريزمي بشعبية عربية واسعة لا شك فيها، بل صار لاعباً مهماً يُحسب حسابه- في الميدان قبل السياسة- عربياً وإقليمياً ودولياً، ولأنه -أساساً وقبل أي شيء آخر- حزب جدي يقرن القول بالفعل في مواجهة إسرائيل وحلفائها الغربيين بقيادة الولايات المتحدة وتوابع الأخيرة-في السياسة والاقتصاد والأمن- عربياً وإقليمياً.

وكان من الطبيعي أكثر أن تبلغ حملة التحريض هذه درجة أن يتوعد الحزب بـ"الاقتلاع" حاكم لبنان السوري سابقاً، عبد الحليم خدام، وأن ينعته بـ"حزب الشيطان" أصحاب فتاوى إجازة طلب تدخل حلف الناتو العسكري المباشر في سورية، وفي مقدمتهم الشيخ القرضاوي، وأن يناقش وضعه على لائحة "الإرهاب" من يدعمون-بالمال والسلاح-الجناح السلطوي المسلح من المعارضة السورية، بل، ومَن يدعمون المجموعات "السلفية الجهادية" التكفيرية، المحلي منها والمستَقدَم، كمجموعات لم يتجنَّ عليها أمين عام الحزب، حسن نصر الله، عندما وصف المنخرطين فيها بـ"شاقي الصدور وقاطعي الرؤوس ونابشي القبور". وأضيف بدوري: لا في سورية، فحسب، إنما، أيضاً، في مالي ونيجيريا والنيجر والجزائر وليبيا وتونس والمغرب وسيناء واليمن ولبنان والعراق والباكستان وأفغانستان موطن "صناعة" "عفريت" هذه المجموعات كتيار إرهابي أطلقته في نهاية سبعينيات القرن الماضي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، السي. أي. إيه بالتنسيق مع أجهزة مخابرات أنظمة دول اقليمية وعربية، في مقدمتها الباكستان والسعودية.

إذاً، لا جديد في دوافع تعاظم حملة التحريض التي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد حزب الله، ولا عجب في أن يشارك فيها جل النظام الرسمي العربي الذي لم يتورع عن التحريض على هذا الحزب حتى عندما كان يصنع للعرب نصراً اعترف به قادة إسرائيل، حيث حمَّله-آنذاك- محور "الاعتدال" في هذا النظام مع مَن يتبعه من أطراف حزبية عربية داخل لبنان وخارجها المسؤولية السياسية عن عدوان إسرائيل المبيت على لبنان في تموز 2006. بل ولا جديد ولا عجب في أن تشارك في حملة التحريض هذه أطراف تيار"الإسلام السياسي" التي تتغذى- سياسة ومالاً وفتاوى- من أنظمة رسمية عربية لم تعد ترى في إسرائيل عدو العرب الأول.

لكن رغم كل ذلك، وبعيداً منه، وفي الحالات كافة، تبقى خطوة حزب الله معقدة وتنطوي على مخاطر شتى تطال -فيما تطال- الرصيد الشعبي العربي للحزب. وهو ما أجزم بأن قيادة الحزب تدركه قبل وأكثر من غيرها، ما يجعل مسألة تفهم هذه الخطوة وصولاً إلى تأييدها، مسألة غير سهلة، لكنها تصبح كذلك بالنظر إلى أن الصراع الذي قرر حزب الله الانخراط الميداني فيه لم يعد- في الواقع- مجرد صراع في سورية بل صار-بصورة أساسية- صراعاً على سورية. لذلك بات من التبسيط والتضليل في آن تصوير وكأن هذا الصراع ما زال صراعاً سورياً داخلياً. هذا ناهيك عن أن المعارضة السورية معارضات لا يجمعها-في الهدف والمشروع والبرنامج- جامع. فمنها الوطني الديمقراطي السلمي، (وهو، من أسف، الجناح الأضعف على أية حال)، ومنها السلطوي المسلح بألوانه: المحافظ الاستحواذي الإقصائي، (جماعة الإخوان)، والمستبد الثأري، (الخارج من عباءة النظام)، والتكفيري الإرهابي، (السلفي الجهادي)، بشقيه المحلي والمُستَقْدَم من 29 دولة وجنسية. وكل ذلك دون أن ننسى أن هذا الجناح السلطوي المسلح، (وهو الطاغي)، اتكأ منذ البداية- في السياسة والتمويل والتسليح- على الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين وتوابعها العرب والإقليميين، بل وطالب-ولا يزال-  بتدخل حلف الناتو العسكري المباشر في سورية. وهو التدخل الذي لن يحصد في حال حدوثه سوى "ديمقراطية" التذبيح والتجزيء والفتن الطائفية والمذهبية نراها ماثلة في العراق وليبيا. وأكثر، فإن هذا الجناح السلطوي المسلح لم ينبس ببنت شفة تجاه إسرائيل، بل ولا تجاه ما قامت به من اعتداءات استهدفت ما تملكه سورية الدولة من أسلحة نوعية متطورة بمعزل عن نظامها. هنا يتضح أن هذا الاتجاه السائد في المعارضة السورية يتصرف وكأنه يمكن الفصل بين المسألتين الوطنية والديمقراطية، أو بين مسألتيْ الحرية والسيادة والاستقلال الوطنيين. هذا علماً أن الأمر يتعلق بدولة ما زال جزءاً من ترابها الوطني محتلاً، بل وتم الإعلان عن ضمه وغرسه بالمستوطنات والمستوطنين.

ما تقدم ضروري لكل من يريد تحديد موقف من خطوة حزب الله بصورة موضوعية، وبناء على رؤية وقائع الأزمة السورية وتطوراتها كما هي في الواقع، وليس كما تصورها وتبثها في الوعي الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون وتوابعها عربياً وإقليمياً. فمسألة سورية صارت أكثر تعقيداً من تبسيطات وثنائيات: "ثورة ونظام" أو "معارضة وسلطة" أو "جديد ناشئ وقديم آيل إلى السقوط" أو "أحرار ديمقراطيين ومستبدين". إذ هكذا كان يمكن توصيف الحالة وتحديد الموقف منها، وبالتالي من خطوة حزب الله، لو أننا إزاء معارضة تتوحد مشاربها على أساس برنامج بديل يدمج الوطني بالديمقراطي والحرية بالسيادة والاستقلال الوطنيين، أي لو أننا إزاء معارضة لا تتصارع أطرافها فيما بينها حتى قبل استلام السلطة، ولو أننا إزاء معارضة تتكئ- أولا وأساساً- على شعبها، وتحترم خياراته، وليس على المطالبة-باسمه- بتدخلات أجنبية معادية لسورية الدولة والجيش والشعب والمجتمع والمكانة والدور والتاريخ والهوية، بمعزل عن نظامها السياسي.

على أية حال، خطوة حزب الله بالمشاركة في القتال الدائر في سورية خطوة نوعية معقدة طالما حرصت قيادة الحزب على تجنبها لمعرفتها بما سيترتب عليها من تحريض سياسي وإعلامي ومناوشات ميدانية غرضها جر الحزب إلى جحيم الفتنة المذهبية في لبنان، بدليل أن الحزب- في الواقع- كان آخر المشاركين الميدانيين، وما أكثرهم- لبنانياً وعربياً وإقليمياً ودولياً- في ما يجري في سورية، بل، وأن مشاركته جاءت بعد طول صبر لم تستطع قيادته الاستمرار فيه بعد دخول إسرائيل المباشر على الخط، وبعد أن صار التردد عن المشاركة مساوياً لإغلاق منطقة حدودية هي بمثابة أنبوبة أكسجين تزود الحزب بالسلاح، بل ومساوياً لموت الحزب عبر وضعه بين فكي كماشة: شمال لبناني تسيطر عليه مجموعات مسلحة جلها تكفيري يناصب الحزب العداء على أساس مذهبي، وجنوب لبناني يسيطر على حدوده جيش إسرائيل التي تتهيأ-في السر والعلن- بالتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين وتوابعها الإقليميين والعرب لاقتناص فرصة مناسبة لشن عدوان جديد على لبنان بهدف التخلص مما يحوزه الحزب من ترسانة أسلحة يرى فيها قادة إسرائيل خطراً إستراتيجياً يجب إزالته من الوجود بأي ثمن وبكل الوسائل. هذا اللهم إلا إذا كانت إسرائيل دولة مسالمة لدرجة أن تغفر لحزب الله تمريغ أنف "جيشها الذي لا يقهر"، مرة عندما أجبرته العام 2000 على الاندحار من أرض الجنوب اللبناني دون شرط أو التزام، ومرة عندما ألحقت به-باعتراف قادته- هزيمة العام 2006.
 

التعليقات